الشجاعة الخلاقة 2  2

الشجاعة الخلاقة (2 - 2)

الشجاعة الخلاقة (2 - 2)

 العرب اليوم -

الشجاعة الخلاقة 2  2

عمار علي حسن

ويوزع المفكر وعالم النفس الأمريكى روللو ماى الشجاعة على أربعة أصناف: الأول يتضمن الشجاعة البدنية، التى هى أبسط أنواعها وأوضحها، ودار هذا النوع طيلة التاريخ الإنسانى حول العضلات المفتولة وخفة اليد ومهارة الاشتباك فى المعارك والقدرة على ممارسة العنف المادى ضد الآخرين. لكن ظهرت فى الآونة الأخيرة اتجاهات ترمى إلى تحويل الطاقة الجسدية للشجاعة من العنف إلى اكتساب حساسية التفكير بالجسد، واستخدامه فى التعاطف مع الآخرين، والتعبير عن الذات بوصفها شيئاً جميلاً، ومصدراً ثرياً من مصادر المتعة الحياتية، وهنا يصير الجسد ليس موضعاً للإدانة بل مصدراً للكبرياء.

والصنف الثانى هو الشجاعة الأدبية التى تعنى القدرة على اجتياز الصعاب ومواجهة المتاعب بالاعتماد على قوة الإرادة والتمسك الصارم بالمبادئ والتحلى بالصبر والإيمان بانتصار الحق فى النهاية، ويشترط هذا النوع من الشجاعة الإحساس بالناس وإدراك معاناتهم، والالتزام بالدفاع عنهم، وتبنى قضاياهم.

ويحفل التاريخ الإنسانى برجال تحلوا بشجاعة أدبية كبيرة مثل تلك التى امتلكها صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فى تحملهم لأشد ألوان التعذيب دون أن يفرطوا فى عقيدتهم، وتلك التى تملكت أحمد بن حنبل فأعانته على تحمل التعذيب على أيدى رجال الخليفة المأمون كى يقبل فكرة «خلق القرآن»، وكذلك تحمل حبيب بن زيد الأنصارى تقطيع جسمه إرباً إرباً صامداً حتى آخر قطرة فى دمه على أيدى مدَّعى النبوة مسيلمة الكذاب، ووقف خبيب بن عدى على المشنقة وهو ينشد:

ولست أبالى حين أقتل مسلما ** على أى جنب كان فى الله مصرعى

وذلـك فى ذات الإلـه وإن ** يشأ يبارك على أشلاء شلو ممزع

وحلت الشجاعة فى نفس «سقراط» فتجرع السم الزعاف حتى لا يخون المبادئ التى نادى بها، وحلت فى رأس وقلب نيلسون مانديلا فتحمل السجن طويلاً من دون أن يفقد الأمل أبداً فى أن بلاده ستنال حريتها، وتحلى الكاتب الروسى ألكسندر سولجنستين بشجاعة فائقة فى مواجهة استبداد الحزب الشيوعى الروسى، ودخل بسببها السجن، لكنه لم ينحنِ. وتكرر هذا النوع من الشجاعة مرات لا حصر لها فى تاريخ البشرية من خلال القائمين على حركات وتنظيمات وجماعات النضال والمقاومة والتمرد والخروج على الظلم والاستبداد، والمدافعين على الأرض والعرض فى مواجهة الغزاة والمحتلين.

أما الصنف الثالث فهو الشجاعة الاجتماعية التى تعنى المخاطرة بالنفس أملاً فى تحقيق علاقات إنسانية حميمة وذات معنى، تجعل الإنسان يتقاسم مع الآخرين آمالهم وأحلامهم ومخاوفهم وتطلعاتهم، ويدخل معهم فى تفاعل جدى، لقتل الاغتراب، والتمتع بالتعرف على أفراد جدد. والصنف الرابع هو الشجاعة الخلاقة التى تقوم على اكتشاف أشكال ورموز ونماذج جديدة تشد عربة الحياة إلى الأمام. ولا تخلو مهنة من المهن التى عرفها البشر من فرص متعددة لتحقيق الشجاعة الخلاقة، بدءاً من الهندسة وانتهاء بالدبلوماسية، مروراً بالشعر والفن والموسيقى.

ونحن فى العالم العربى فى حاجة ماسة إلى الشجاعة الخلاقة كى ننتشل أنفسنا من التخلف والقهر، ونملأ حياتنا بالمعانى الجميلة والنبيلة والحقيقية، بقدر ما نحن فى حاجة إلى الشجاعة الأدبية فى مواجهة الاستبداد والظلم بشتى صوره، والشجاعة الأدبية فى مواجهة الغزاة الذين احتلوا أرضنا، وانتهكوا حرماتنا، ولن ينفكوا عنا إلا إذا أذقناهم بأسنا.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشجاعة الخلاقة 2  2 الشجاعة الخلاقة 2  2



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab