الرومانسية السياسية 3  3

الرومانسية السياسية (3 - 3)

الرومانسية السياسية (3 - 3)

 العرب اليوم -

الرومانسية السياسية 3  3

عمار علي حسن

وهناك رؤية عربية فى هذا الاتجاه أبدعها قسطنطين زريق فى كتابه «ما العمل: حديث إلى الأجيال العربية الطالعة» وسمّاها «العقلانية الخلقية»، مؤسساً إياها على اقتناع بأن الأيديولوجيات السائدة فى العالم العربى «لم تفلح فى إزالة الأوضاع السيئة أو تخفيف شرورها»، ويحصر هذه الأوضاع فى مشكلات الفساد، والتسلط، وتعثر التنمية، وتغليب الكم على الكيف فى حياتنا، إلى جانب ما سمّاه القصور الوطنى والقومى.

وعرض «زريق» خريطة بمواقف الأفراد والجماعات فى العالم العربى من هذه الأوضاع «المضطربة والضاغطة»، مقسمها إلى نوعين، الأول يشمل من وصفهم بالمهزومين، وهم أولئك الذين تغلب الأوضاع المأساوية عليهم، فينهزمون أمامها، ولا يحاولون تغييرها. ويتوزع هؤلاء على «الغائبين» الذين يمثلون، فى نظره، الكثرة المطلقة من الجماهير العربية، المنشغلة بأعباء الحياة اليومية، حيث السعى الدائب وراء لقم العيش، ومكافحة مختلف الأمراض، والمعاناة من وطأة ظلم الحكام، وبذل الجهد فى سبيل الحفاظ على البقاء، ومن ثم لا يبقى لديهم ما يكفى من الوقت والجهد للشعور بضرورة تغيير الأوضاع، أو على الأقل اكتساب القدرة على ذلك.

وهناك «القدريون»، الذين يشعرون بوطأة الحاضر ومشكلاته المعقدة، فيستسلمون لها، ويعتقدون أن ما يجرى ليس من صنع أيديهم، ولا يمكنهم تغييره، وأن أى محاولة يقومون بها فى هذا الاتجاه مآلها الفشل. ومن بين هؤلاء من يحملون فهماً خاطئاً للدين، وهم كثر فى عالمنا العربى.

وهناك «الهاربون» الذين يفرون من هذه الأوضاع، سعياً وراء الرزق أو الأمن، إما إلى الخارج (هجرة العقول العربية)، وإما إلى الداخل، حين تأنف النخب من الأحوال الجارية فى «المراكز» وتخشاها، فتهاجر إلى الهوامش أو الأطراف الجغرافية، لتنأى بنفسها عن أية مشكلات مع السلطة، وتنعزل عن المجرى الرئيسى لحركة الحياة. وهناك «الندابون واللوامون والمستهزئون»، وهم إما ينوحون على مصيرهم القاسى وحظهم العاثر، أو ينحون باللائمة على هذا أو ذاك من الحكام والزعماء والمتزعمين، وإما يسخرون من أى بارقة أمل فى إصلاح الأحوال. وأخيراً هناك «المستغلون»، الذين يجدون فى استشراء الفساد فرصة سانحة للقفز على المناصب، وجمع الثروات.

أما النوع الثانى فيشمل «الملتزمين» وهم فى رأى «زريق»، أولئك الذين اختاروا مذهباً أو أيديولوجيا، فاعتنقوها، وسعوا إلى تطبيقها فى الواقع، الأمر الذى أدخلهم فى علاقات ما مع السلطة والمجتمع. وهؤلاء يتوزعون على التيارات السياسية الرئيسية فى العالم العربى، وهى القومية، والإسلام السياسى، واليسار بمختلف ألوانه بدءاً من الاشتراكية الاعتدالية إلى الشيوعية. لكن جهود هؤلاء لم تثمر المأمول من بذلها، ولم تترك أيديولوجياتهم، فى نظره، أثراً إيجابياً يذكَر، يمكنها من تغيير الأوضاع السائدة، ومن ثم إخراج العرب من وهدتهم الراهنة.

وأمام هذه المشكلات المعقدة، والبشر الموزعين على مشارب ومواقف عدة، تفتق الخيال السياسى لـ«زريق» عن أن الحل يكمن فى تحويل السكونى إلى حركى، والقلق السلبى إلى قلق إيجابى، والانتقال من العجز إلى القدرة، ثم إلى التحرر. ولن يتم هذا، فى رأيه، إلا عبر مبدأين أساسيين هما العقلانية والخلقية. والعقلانية تقوم على «إخضاع كل شأن من شئوننا، وكل قضية من قضايانا، لأحكام العقل المتفتح، الضابط، الساعى إلى التمييز بين الصواب والخطأ، والمعرفة والجهل، والخير والشر».

وترتكز العقلانية على عدة أسس، أولها الموضوعية، التى تعنى دراسة الأمور بشكل مجرد، بالاعتماد كلياً عليها ذاتها، والاستقلال عن أى وهم أو شهوة أو اعتبار لدينا. وثانيها الخضوع للنقد، أى فتح أبواب النقد الذاتى على مصاريعها، فى ظل جو من الحرية والمسئولية. وثالثها العزم والجلد، فنحن لا نصل إلى الحقيقة دفعة واحدة، ولا نقفز إليها مرة واحدة، ولكن عبر جهد طويل فى ظل إرادة حية وسعى مستمر ومتراكم، من أجل اكتشافها، ومن ثم ممارستها.

ويجب أن نكون مستعدين لتحمل أى صعاب تواجهنا، مهما كانت قاسية، فى رحلة بحثنا عن الحقيقة. أما الخلقية، فتقوم، فى رؤية «زريق»، على قاعدة أولية تتضمن الاهتمام بالآخر قبل الاهتمام بالذات. وهذا الآخر قد يكون فرداً، وقد يكون مجموعة، تصل إلى حد الوطن، والإنسانية برمتها.

ولا يقدم «زريق» هذين المبدأين، اللذين اشترط توافرهما حتى يمكننا بناء إطار فاعل للحركة السياسية العربية، وهما فى حالة انفصال أو سكون، إنما فى حالة تفاعل، أو تأثير متبادل، فالعقلانية هى فى الوقت نفسه مزية أخلاقية، والعقلانية لا تتم، ولا يمكن تحصيلها بالتخلى عن الخلق، بل بالاستناد إليه.

arabstoday

GMT 07:45 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 07:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 07:25 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 07:23 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 07:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 07:18 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 07:16 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 07:13 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرومانسية السياسية 3  3 الرومانسية السياسية 3  3



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab