الأدب والمجتمع والاقتصاد 46

الأدب والمجتمع والاقتصاد (4-6)

الأدب والمجتمع والاقتصاد (4-6)

 العرب اليوم -

الأدب والمجتمع والاقتصاد 46

عمار علي حسن

وعلى الجانب الآخر فإن تأثير الاقتصاد فى الشكل الأدبى يتضح فى الرواية أكثر من غيرها، حيث يرى كثير من النقاد أنها تعبير عن وضع اقتصادى معين. فـ«جولدمان» يعتبر أن الرواية هى العمل الأدبى الذى يعكس الحياة اليومية فى مجتمع يطبعه نظام السوق. فشكل الرواية يبدو كما لو كان نقلاً للمفردات الحياتية فى المجتمع الفردى، التى يفرزها إنتاج السوق، وهى التى ترصد سلوك البشر فى بحثهم الدؤوب عن «القيم الاستعمالية»، أى القيمة الملموسة للأشياء، فى مواجهة «القيم التبادلية» التى تقوم على الإنتاج من أجل السوق نفسها، وليس من أجل الاستهلاك.

وقد اقترن ظهور الرواية فى أوروبا ببزوغ فجر البرجوازية الأوروبية، لتصبح هى الشكل الأدبى الأساسى لمجتمع الرأسمالية الصناعية، وما يرتبط به من انتشار المدنية. فالهجرة من الريف إلى المدينة بحثاً عن الرزق ركزت الأضواء على موضوعات صارت مادة خصبة للروائيين الأوروبيين عند منتصف القرن التاسع عشر، مثل الزحام والاغتراب والصراع الاجتماعى، والتفاوت الطبقى.

ومن هذا المنطلق قسم «جولدمان» تطور القصة فى الغرب إلى ثلاث مراحل، الأولى: مرحلة البطل المتأزم، المعبر عن الاقتصاد الحر، والثانية: مرحلة القصص التى تحاول إلغاء القيم الفردية، وتعبر عن الاقتصاد الاشتراكى الموجه، أما الثالثة: فهى مرحلة القصص التى تحاول أن تحل السير الجماعية محل السير الفردية، وتتسم بغياب الموضوع، وانتهاء البحث المنظم عن «قيم» من أى نوع.

ولا شك أن هذا التقسيم يظهر مدى ارتباط السرد الأدبى بالتطور الاقتصادى/ الاجتماعى فى أوروبا، الأمر الذى يطرح تساؤلاً عما إذا كانت الرواية العربية قد اقتفت هذا الأثر من عدمه، خاصة فى ضوء الرؤى التى تؤكد أن إسهام الغرب فى «صنعة» الفن الروائى لدى العرب يفوق بكثير الإسهام الذى قدمه التراث العربى فى هذا المضمار.

إن ظهور الرواية فى عالمنا العربى ارتبط بنشأة المدينة وظهور الطبقة الوسطى التى إن كانت تمثل وعاء للقيم الإيجابية، فإنها بالنسبة للرواية مثلت فى البداية القاعدة التى تصعد الرواية بصعودها وتهبط بهبوطها، لكن الرواية العربية لم تراوح مكانها، ولم تعد أسيرة ارتباطها بالطبقة الوسطى، بل تعددت وتنوعت، وطوقت طبقات اجتماعية أخرى، معبرة عن همومها وأحوالها، وأصبحت تاريخ من لا تاريخ لهم من الفقراء والمسحوقين الذين يحلمون بغد أفضل، خاصة مع اتجاه التركيبة الاجتماعية للأدباء نحو الشرائح الدنيا.

فبعد أن كان معظم الأدباء، فى المراحل الأولى للرواية العربية، ينتمون إلى فئات تبدأ من الطبقة الأرستقراطية حتى الشريحة العليا من الطبقة الوسطى، أخذت الرواية العربية تعرف كتّاباً انحدروا ليس من الشريحة الدنيا للطبقة الوسطى فحسب، بل أيضاً من «قاع المجتمع»، مروراً بأبناء العمال والفلاحين. وقد ساهم هذا فى إثراء الإبداع الروائى، وفى أن تقفز الرواية لتكون «ديوان العرب» الحديث، لأن نزول كتّاب مختلفى المكانة الاجتماعية إلى غمارها جعلها قادرة على تسجيل حياة مختلف القطاعات البشرية، بشكل أكثر دقة وأمانة.

وإزاء هذا الوضع قسم بعض النقاد النماذج الروائية العربية إلى: الرواية التقدمية، والرواية الرجعية، ورواية البرجوازية الصغيرة، انطلاقاً من المنظور الطبقى، وذلك على عكس ما توصل إيه ناقد فذ مثل «باختين» الذى سعى إلى البحث عن جذور الرواية فى أحضان الثقافة الشعبية الأوروبية، متخلياً عن الربط المألوف بين الرواية وقيم الطبقة البرجوازية. 

arabstoday

GMT 07:45 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 07:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 07:25 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 07:23 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 07:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 07:18 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 07:16 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 07:13 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب والمجتمع والاقتصاد 46 الأدب والمجتمع والاقتصاد 46



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab