أقاصـيص قصيرة جداً

أقاصـيص قصيرة جداً

أقاصـيص قصيرة جداً

 العرب اليوم -

أقاصـيص قصيرة جداً

بقلم : عمار علي حسن

وحشَة

جلس يرقب الصحراء من مقعده فى الطائرة. مرت أمام ناظريه مساحات شاسعة، صفراء وسوداء وبنيَّة وخضراء، من رمال وجبال وأحراش، تتابعت على مهل.

اعتاد أن يرى المشاهد نفسها فى الذهاب والإياب إلا هذه المرة، التى رمق فيها شيئاً بين الأصفر والأبيض، يقف فوق بقعة خضراء، ويخرج منه نتوء فى اتجاه الطائرة المارقة.

وضع النظارة المكبرة على عينيه سريعاً، فوجده جملاً وحيداً شارداً، لا يجد أنيساً له فى هذا القفار سوى علبة محشوة بأجسام البشر، تطير بعيداً عنه، ويصل أزيزها إلى أذنيه.

تمرد

عند الظهيرة تمدد نبات الظل مخترقاً زجاج الفندق. تجمع فى الساحة التى غسلتها الشمس بالنور والدفء، وهو يقسم ألا يعود أبداً إلى الظلال الباردة.

الضاحك

لا أنسى أبداً براعة ذلك العصفور، الذى لا يزيد حجمه على عقلة إصبع صبى، فى المراوغة. كنت أحاول، بلا جدوى، اصطياده لألعب به. ذات مرة أطبقت عليه راحتىَّ وقلت له فى ثقة:

ـ أخيراً أمسكت بك.

لكن حين فتحتهما لم أجده.

قلت لأبى:

ـ هذا جنى طائر.

ابتسم وقال:

ـ لا، بل هو عصفور يسمى «الضاحك».

من يومها ظننت أنه سمى هكذا لأن كلاً منا يضحك من نفسه حين يكرر محاولات اصطياده ويفشل.

رضاعة

ارتفعت الطائرة، وغاصت فى الغيم الممتد بلا نهاية، ثم امتطته، وراحت تتأرجح راضعة من أثدائه البيضاء العملاقة فى اطمئنان، بينما الركاب يرتجفون هلعاً، ملتصقين بمقاعدهم، بعد أن ربطوا أحزمتهم، وأغلقوا عيونهم، وتطلعوا إلى المجهول.

متاهة

استيقظ وحيداً يتثاءب فلم يجد نظارته فى مكانها بجوار مخدعه. كان عليه أن يضع نظارة كى يعثر على نظارته الضائعة. جال ببصره فلم ير سوى فراغ ينكسر، وتشقه خيوط تتشابك من كل موضع، صانعة أمامه متاهة، لا يعرف كيف يخرج منها.

صلعة

سكب ماء غزيراً على صلعته اللامعة متميناً أن تنبت أحراش فوقها، ترعى فيها الإبل والضأن، ويستظل النمل والثعابين من حر قائظ، ويتزاحمون فى عيون الذين يخفون ابتساماتهم كلما مروا به، مبعدين عيونهم من انكسار شمس الصيف على كل هذا الرأس الطويل العريض.

غُسل

اختلفوا على من فيهم أحق بغسله. تجادلوا طويلاً فوق جثته الملقاة بين سيقانهم، لكنهم لم يحسموا الأمر، فقرروا أخيراً أن يسألوه، ليحدد هو من الذى سيجهزه للدفن.

تأشيرة

كان ينتظر تأشيرة دخول ذلك البلد الذى عاش فيه سنوات قليلة، لكنها كانت عامرة بالذكريات الجميلة. طال الانتظار لأسباب لا يعلمها، وحين سأل جاءته إجابات غامضة ومتضاربة، فأوقعته فى حيرة، راحت تنهش نفسه بلا هوادة.

كان عليه أن يطرد هذا الشعور القاسى، فجلس يستدعى ما مضى بكل ما لديه من قدرة على التذكر والحنين، فانهمر عليه كسيل عرم، حتى شعر وهو ينجرف فيه سعيداً أنه لم يعد بحاجة إلى السفر.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أقاصـيص قصيرة جداً أقاصـيص قصيرة جداً



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:29 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

قصف تركي عنيف علي محافظة أربيل العراقية

GMT 12:19 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

الحيل التي تتبعها أصالة لإبراز خصرها النحيل

GMT 11:58 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

جولة على أبرز أحياء العاصمة باريس

GMT 11:47 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

كارول سماحة بإطلالات راقية وجذّابة

GMT 11:32 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

أوكرانيا تعلن قصف مطار عسكري روسي في القرم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab