«صانع الأحذية»

«صانع الأحذية»

«صانع الأحذية»

 العرب اليوم -

«صانع الأحذية»

عمار علي حسن

رغم أن عنوان مجموعة الكاتب المصرى فاروق الحبالى «صانع الأحذية» يخص أولى قصصها، فإن دلالته تتوزع بالتساوى على بقية القصص التى يئن أبطالها تحت أحذية الظلم والفقر والمرض والغربة العمياء الثقيلة، بل تدوس عليهم الأمكنة التى يتحركون وينبعثون بأعطافها فى الريف والمدينة على السواء، وكذلك الهوامش الضيقة التى رسمها لهم الكاتب بقلم عفوى، كى يمشوا فيها وراء أحلامهم البسيطة التى لا تتعدى أن يبقوا فقط على قيد الحياة، أو ينتزعوا المسرات القليلة من قلب الأوجاع المعتقة.
ينسج «الحبالى» فى مجموعته تلك، التى صدرت مؤخراً عن «الدار للنشر والتوزيع» بالقاهرة، خيوطاً أخرى عن عالم أجاد تصويره، ولا يريد أن يبرحه، ويبدى دوماً وفاء له، بل يجالس ويسامر شخوصه الواقفين على أدنى درجات السلم الاجتماعى، من فقراء ومصابين بعاهات نفسية وجسدية وريفيين تصدمهم المدينة بزخرفها الظاهرى وقبحها المكنون، يتحدث بلغتهم، ويعرى مخاوفهم، ويتركهم على حالهم يتحايلون على الحياة القاسية، من دون أن يفتح لهم أى مسرب للخروج من الضيق إلى البراح، ومن القنوط إلى الأمل، ومن التعاسة إلى السعادة، اللهم إلا النهايات المفتوحة والفراغات الواسعة والمفارقات المدهشة، التى إما أن تخلق تعاطفاً من القارئ مع شخصيات القصص، أو تدفعه إلى أن يضع بنفسه لهم نهايات أخرى أخف وطأة.
فالقصة الأولى تحكى عن صانع أحذية يهرب من وجعه فى معاقرة الخمر الرخيص ويموت وحيداً غريباً فى شارع بارد، والثانية عن شاب يجلس شارداً فى باص مستدعياً رفض والد حبيبته له لأنه ترك وظيفته الحكومية البسيطة، والثالثة عن أسرة تسكن غرفة مظلمة مقبضة فى الدور الأرضى يعانى الأب من مرض مزمن وتعمل الأم عاملة نظافة لتنفق على أسرتها وما إن تتوظف ابنتها الكبرى وتشعر الأم أن الوقت قد حان لتشاركها إنقاذ إخوتها الصغار من الجوع حتى تهرب مع شاب وتتزوجه بعيداً، والرابعة عن جد أجبر ابنه الأصغر على أن يقترن بزوجة أخيه الذى ضاع فى الحرب حتى يُبقى حفيديه إلى جانبه، لكن الابن الأكبر يعود فجأة فلا يترك أمام الأصغر من خيار سوى ترك المنزل إلى الأبد، والخامسة منقولة بتصرف من الحياة، وبطلها الجندى سليمان خاطر، الذى خضع لمحاكمة عسكرية لتصديه لمتسللين إسرائيليين عبر نقطة حدودية كان يتولى حراستها فى سيناء عام 1985 وتم إعدامه، والسادسة عن شاب يلتقى زميلته القديمة فى المدرسة الابتدائية ويستعيد معها نزواتهما الصغيرة، والسابعة عن شاب ريفى يجوب شوارع المدينة جائعاً موجوعاً يكاد الشعور بالغربة أن يقتله، والثامنة عن شاب أصيب بمرض عصبى مزمن لظلم وقع عليه من أبيه، والتاسعة عن آخر يسعى لبيع كتبه كى يأكل، والعاشرة عن فلاح مزق القطار جاموسته الوحيدة بلا أى ذنب له فاتهموه بتهشيم واجهة القطار وفرضوا عليه غرامة فلما عجز عن دفعها حبسوه، والحادية عشرة عن مأساة عاملين بسيطين قُتل الأول وكُسر العمود الفقرى للثانى جراء سقوط جرار فوقهما وتنكر صاحب العمل لهما، والقصة الأخيرة عن رجل فقير يترك قريته لشعوره بأن أهلها يكرهونه لقبح منظره فيستدرجه تاجر مخدرات مستغلاً هيئته المنفرة التى تجعله بعيداً عن شكوك رجال الشرطة.
يسرد «الحبالى» هذه القصص بلغة تختلط فيها الفصحى بالعامية، والتقريرية بالشاعرية، بينما يمتزج البشرى الصاخب بطبيعة هادئة حاضرة تحيط بكل حركات وسكنات الشخصيات حيث الشمس العفية والريح الهادئة والمطر الخفيف والشجر الباسق والقمر الحالم، وكأنه يصنع أفقاً جميلاً مفتوحاً لها بعيداً عن واقعها البائس، مستفيداً من خبرته كريفى أصيل، ومخلصاً للسمات والخصائص التى تسيطر على كتاباته القصصية العديدة، وكذلك الرواية الوحيدة التى أبدعها، التى يراوح فيها بين هدوء القرية وصخب المدينة.
والسؤال التى يفرض نفسه بعد قراءة هذه المجموعة: ألم يحن الوقت كى يوسع «الحبالى» عالمه لينقذ مساره الأدبى من التكرار والرتابة والضمور؟ أعتقد أنه من الضرورى أن يفعل ذلك، فرغم براعته فى تصوير جوانب من حياة المهمشين والمقموعين والثكالى والمحرومين وذوى العاهات فإن الحياة مفعمة بحكايات وصور أخرى تتناسل بلا هوادة، لا بد له أن يلتفت إليها، فضلاً عن العوالم الموازية، وتلك التى ينسجها الخيال باقتدار، فيصنع البهجة والدهشة معاً.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«صانع الأحذية» «صانع الأحذية»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab