حاجتنا إلى «الصناعات الإبداعية»

حاجتنا إلى «الصناعات الإبداعية»

حاجتنا إلى «الصناعات الإبداعية»

 العرب اليوم -

حاجتنا إلى «الصناعات الإبداعية»

عمار علي حسن

تنبع فكرة الصناعات الإبداعية من تقارب نظرى وعملى بين الفنون الإبداعية بوصفها نتاج الموهبة الفردية والصناعات الثقافية باعتبارها منتجاً جمعياً أو جماهيرياً. ويتم هذا التقارب فى ظل تقنيات إعلامية جديدة داخل اقتصاد معرفى، ينتج سلعة مختلفة أو «بضائع رمزية» عبارة عن أفكار وصور وتجارب يستهلكها مواطنون متفاعلون بدرجات متفاوتة مع هذا المنتج.

فالمعرفة والأفكار تقود عملية تكوين الثروة والتحديث، حيث تشكل العولمة والتقنيات الجديدة قوام الحياة والخبرة اليومية، فى ظل الاعتقاد الجازم بأن الإبداع هو الذى سيقود التغير الاجتماعى والاقتصادى خلال القرن الحالى، وأن الصناعات الإبداعية ستكون عنصراً مهماً فى تكوين الاقتصادات المتقدمة، وستنشأ طبقة اقتصادية جديدة أفرادها ليسوا من أصحاب الياقات البيضاء ولا الزرقاء مثلما هى الحال بالنسبة لطبقتى العمال والموظفين اللتين تقدمان الخدمات فى الاقتصاد التقليدى، ولن تكون لهم ساعات عمل محددة، ولا يمكن إجبارهم على العمل، وإن كانوا لا ينقطعون عن العمل أبداً، وستنتقل هذه الطبقة من الهامش إلى قلب التيار الاقتصادى السائد، وستسقط الطرق الهرمية التقليدية للتوجيه والتى تعتمد عليها الإدارة فى الوقت الحالى، لتحل محلها أشكال من الإدارة الذاتية، أو التوجيه الناعم، والذى يصاحبه إقرار المساواة والعمل السريع الناجز، وطرق حقيقية من التحفيز.

ويبين كتاب جون هارتلى (محرر)، «الصناعات الإبداعية: كيف تنتج الثقافة فى عالم التكنولوجيا والعولمة؟» الذى حرره جون هارتلى وترجمه بدر السيد سليمان الرفاعى، وصدر ضمن سلسلة عالم المعرفة، أن الصناعات الإبداعية تحتاج دوماً إلى ابتكار ومغامرة وقدرة فائقة على إطلاق مشروعات مختلفة وجديدة، وأصول غير ملموسة، وتطبيقات خلاقة للتقنيات الجديدة، ويتم هذا فى إطار مؤسسى قد يكون «مدناً إبداعية» أو «مناطق إبداعية».

ويمكن لهذه المشروعات أن تذهب فى طريق تحقيق عوائد اقتصادية جمة، ويمكنها أن توظف فى سبيل تحقيق غايات اجتماعية وسياسية مهمة. ففى الشق الأول مثلاً انتبهت الدول المتقدمة صناعياً فى أواخر القرن العشرين إلى الأهمية الاقتصادية البحتة للصناعات الإبداعية، وما إن بدأ القرن الجديد حتى أخذت تجنى ثمار انتباهها، فقد قدر صافى عائدات صناعة حقوق النشر الأمريكية بحوالى 791.2 مليار دولار أمريكى عام 2001، وهو ما عادل وقتها نحو 8% من إجمالى الناتج القومى، ويعمل بها 8 ملايين عامل، ويبلغ إسهامها فى الصادرات الأجنبية نحو 89 مليار دولار، وهو ما يفوق إسهام الصناعات الكيميائية، والسيارات، والطائرات، وقطاع الزراعة، والقطع الإلكترونية، والكمبيوتر. وفى بريطانيا، قُدرت عوائد الصناعات الإبداعية فى العام نفسه بنحو 122.5 مليار إسترلينى ويعمل بها 1.3 مليون شخص، وتسهم بـ10.3 مليار جنيه من الصادرات، وتشكل 5% من الناتج القومى الإجمالى.

أما بالنسبة للشق الثانى، فإن المستثمرين الثقافيين بوسعهم أن يلعبوا دوراً حاسماً فى تعزيز التماسك الاجتماعى، وتقوية الشعور بالانتماء، فالفن والثقافة والرياضة بوسعها أن توفر ملتقيات راسخة وفسيحة لأشخاص يعيشون فى مجتمع يزداد تبايناً وانقساماً وتفاوتاً مزرياً، وكانت تلك الملتقيات يوفرها فيما مضى العمل أو الدين أو النقابات. وليس معنى هذا أن تلك المسارات الثقافية تشكل بديلاً للملتقيات التقليدية تلك إنما يمكن أن تعمل إلى جانبها وتعزز دورها، وتخدم معها عملية تعميق الانتماء للدولة الوطنية والقيم والرموز الاجتماعية السائدة والتى تعمل على صهر الجماعة الوطنية فى بوتقة مكينة ومتينة.

من هنا فإن صناع السياسة يجب أن يمتلكوا القدرة على تخيل ما للصناعات الإبداعية من دور فى تعزيز السياق الذى يغذى المدنية والديمقراطية والدولة الوطنية، أو يستعينوا بمن لديهم هذه القدرة على التخيل، بحثاً عن مسارات وشبكات وأدوات جديدة تساعد الدولة على أداء وظائفها وتعطى النظام السياسى قدرة فائقة على تبرير وجوده واستمراره.

ليس معنى هذا أن تستخدم الصناعات الإبداعية كجزء من عملية تدجين وتنميط للمجتمع، وتكون أشبه بحالات التثقيف التى تقوم عليها النظم الشمولية والمستبدة والمؤدلجة، إنما يتم الحوار مع القائمين على هذه الصناعات بحيث تعمل فى الاتجاه الإيجابى، ليس فقط فيما تدره من عائد اقتصادى، إنما فيما توجده من قيم وتصورات تعمل فى اتجاه الخيرية والتماسك والتنوير وتحسين شروط المعيشة بما يؤدى إلى التقدم فى الحياة.

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حاجتنا إلى «الصناعات الإبداعية» حاجتنا إلى «الصناعات الإبداعية»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab