الغيطاني  والعودة إلى الجذور 22

الغيطاني والعودة إلى الجذور (2-2)

الغيطاني والعودة إلى الجذور (2-2)

 العرب اليوم -

الغيطاني  والعودة إلى الجذور 22

عمار علي حسن

وتمت ترجمة تفاعل جمال الغيطانى مع التراث بدرجات متفاوتة فى نصه الروائى والقصصى ما بين الاستعارة شبه الكاملة، كما حدث فى عمله الأخير «حكايات هائمة»، التى يعد جزء كبير منها مجرد قراءات مختارة لمؤلفها، رتبها بوعى كى تؤدى دورها فى مجمل النص، وما بين التفاعل الخلاق كما حدث مع رائعته «الزينى بركات»، التى لم يكتف «الغيطانى» فيها بالتقاط حكاية تاريخية بالغة الدلالة، يمكن إسقاطها على الواقع المعيش، بل استعاد كثيراً من طرائق الحكى، وأسلوب الكتابة كما جاء عند «ابن إياس» على وجه التحديد.

ولعل عناوين روايات الغيطانى وقصصه الطويلة تقدم عتبات مهمة للبرهنة على ولعه بالموروث، لكن «الغيطانى» لم يكتف فى ولعه هذا بما قرأه فى قديم الكتب والحوليات، بل نزل إلى الشارع بحثاً عن الموروث فى المعمار، سواء الذى لا يزال منه واقفاً على قدميه أو الذى صار أطلالاً، أو فى النقوش المحفورة على أحجار تحط فى وداعة بين جدران قديمة. وكان يقطع الوقت ذهاباً وإياباً بين صفحات الكتب ورقائق الحجر، ليعرف أكثر عن العالم الذى خلب لبه.

وربما جعلت هذه التجربة الغيطانى منقسماً دوماً بين إدراكه للقوة فى الواقع، والقوة فى نصه الأدبى، فهى فى الأول بيد السلاطين والملوك والأمراء وقادة الجند والأعيان، الذين سجل المؤرخون سيرهم، وفى الثانى هى للناس، ملح الأرض وخمير العجين، ممن لا تكتمل الرواية إلا بهم، فهم قد يصبحون أبطالها أو شخصياتها الضاجة بالحياة، وصانعى سياقها، ومنتجى حكاياتها الصغيرة، وخلفياتها الاجتماعية المتينة التى لولاها لما فارق الأدب ما سجله المؤرخون القدامى.

وظل «الغيطانى» موزعاً بين هذين الصنفين من القوة، فقد ارتبط ارتباطاً وثيقا بالجيش المصرى، الذى يُنظر إليه باعتباره النواة الصلبة فى البلاد، منذ أن كان «الغيطانى» مراسلاً حربياً لصحيفة «الأخبار» على خط النار فى معركة الاستنزاف وأكتوبر 1973 ضد إسرائيل. وظلت القوات المسلحة المصرية تتعامل معه على اعتبار أنه واحد من أبنائها، وهو ما ظهر بوضوح فى نعيها له. وفى الوقت ذاته كان على الغيطانى أن يتعامل كمثقف، بما يعنى انحيازه للناس، أو تبنيه فى مطلع شبابه لأفكار لا تروق لتصورات الجيش وعقيدته وانضباطه، ودخل بسببها السجن، لكن سرعان ما فارق هذه المحطة، لينتظم بقلمه فى صفوف الجهد الحربى، ومنه وله يبدع نصوصاً عديدة، من بينها قصته الجميلة «حكايات الغريب»، ثم يقترح سلسلة كتب عن المؤسسة العسكرية، ويشرف عليها، ويصدر بعضها بالفعل عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

وقد أغمض «الغيطانى» عينيه فى أحد مستشفيات القوات المسلحة، التى دافع عن دورها السياسى بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان، لكنه كان قبل أن ينقل إليه فاقداً الوعى، غارقاً فى كتب التراث وتجارب واقعه، ليخط على الورق فى أقصى سرعة ممكنة بعض ما حلم أن يكتبه، وتمنى لو منحه الله عمراً إضافياً لينجز هذه المهمة، لكن قدر الله أن تتوقف رحلته عند هذا الحد، وله وحده سبحانه المجد والدوام.

arabstoday

GMT 10:33 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

الرجل الذي زرع الكوفية

GMT 10:28 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

كأنهم خطفوا مقاعد الأحزاب !

GMT 10:22 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

تصعيد مجنون

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 09:57 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

رأس الجبل العائم

GMT 09:48 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

دفاتر الحيرة القومية

GMT 09:42 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

عاطف بشاي.. الساخر حتى آخر نفس

GMT 09:36 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

إحياء القدوة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغيطاني  والعودة إلى الجذور 22 الغيطاني  والعودة إلى الجذور 22



هيفاء وهبي تتألق في إطلالة مُميزة بصيحة البولكا دوت

القاهرة - العرب اليوم

GMT 08:00 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

من جديد «صحوة البحر الأحمر»

GMT 08:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

بئس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab