الخيال وحروب المستقبل 12

الخيال وحروب المستقبل (1-2)

الخيال وحروب المستقبل (1-2)

 العرب اليوم -

الخيال وحروب المستقبل 12

عمار علي حسن

يفيد الخيال المحاربين سواء وهم يخططون للقتال، من حيث تحديد المكان والزمان والوسائل والمقاتلين، أو وهم يديرون المعركة فى الميدان نفسه، بعد أن تُقرع الطبول وتنطلق حمم النار، وكذلك حين يجلس هؤلاء ليتصوروا شكل الحرب فى المستقبل. وربما قاد «خيالهم الاستراتيجى»، إن صح التعبير، مجالات عدة فى الحياة إلى التطور والتقدم خطوات إلى الأمام، من زاوية أن كثيراً من الاختراعات الحديثة خرجت من رحم الصناعات العسكرية، أو كان التفكير فى كسب الحرب دافعاً للتوصل إليها، والحاجة إلى الهيمنة أو الردع هى أم اختراعها.

ويقر «كلاوزفيتس» بأن «جميع القادة العظماء قد تطرفوا انطلاقاً من فطرتهم، وحقيقة أن فطرتهم كانت دائماً سليمة هى جزئياً مقياس لعظمتهم وعبقريتهم الطبيعية». ويعود تركيز كلاوزفيتس على الحدس أكثر من التفكير الواعى إلى درايته بأن الحروب لا تديرها المعادلات الحسابية على الورق إنما التصرف فى الميدان.

لهذا تحدّث الخبراء والمؤرخون الحربيون عن «الفنون العسكرية»، منطلقين من أن التاريخ العسكرى هو وقائع وأحداث متتابعة من ممارسة فن الحرب، التى كان لها دور كبير فى تطور مجالات أخرى. وهنا يقول فرنان شنيدر فى كتابه «تاريخ الفنون العسكرية»: «إن التاريخ العسكرى، منذ عصر أجدادنا سكان المغاور إلى عصرنا الذرى، قد ساهم مساهمة فعالة فى التطور المستمر للعلوم البشرية، هذه العلوم التى ساهمت أيضاً، بنسب متفاوتة، فى تحسينه وازدهاره. إن فنون القادرة الكبار قد تأثرت تأثراً كبيراً بعلوم معاصريهم وطرق تفكيرهم، فهؤلاء القادة يستفيدون أنهم نشأوا على أفكار رؤسائهم السائدة فى زمانهم. فالإسكندر اقتبس تكتيكه من الفكر الإغريقى، كما استمد بونابرت غذاء نبوغه من نظريات مفكرى القرن الثامن عشر، عسكريين كانوا أو مدنيين، أضف إلى ذلك أن المؤلف القيّم الذى وضعه كلوزفيتس عن الحرب، وهو أفضل ما كُتب فى باب الفنون الحربية، لا يعتبر ثمرة دراسة لفنون نابليون فقط، بل إنه إلى ذلك دراسة لسلسلة من المذاهب المستوحاة من أفكار من هم أمثال كانط وهيجل».

وكان المفكر والمؤرخ العسكرى ليدل هارت يرسم لوحة بالكلمات يتخيل فيها وضع الحرب قائلاً: «فى الحرب نماثل رجلاً يبذل كل جهده للبحث عن عدو فى الظلام، والمبادئ التى تحكم تصرفنا ستكون مماثلة لتلك التى يمكن أن يتبناها على نحو طبيعى. يمد الرجل ذراعاً لكى يتلمس طريقه إلى عدوه (استكشاف). وحينما يلمس خصمه يتحسس طريقه إلى رقبة الأخير (استطلاع)، وبمجرد أن يبلغها يمسكه من ياقته أو من رقبته حتى لا يتمكن خصمه من الفكاك أو الرد عليه بطريقة مؤثرة (تثبيت) ثم يضرب بقبضته الثانية عدوه، الذى أصبح عاجزاً عن تفادى الضربة. ضربة قاضية حاسمة (هجوم حاسم)، وقبل أن يستطيع عدوه أن يفيق يتابع وضعه المميز لكى يجعله فاقد القوة نهائياً (استثمار)».

وهناك رؤى عملية أشمل عن سيناريوهات وُضعت لحرب مقبلة، مثل تلك التى حواها تقرير أعده مجموعة من الخبراء الأمريكيين برئاسة الأدميرال دافيد جيرميه، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، يعرض مسارات الصراعات المحتمل وقوعها بقوة بعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى المنهار، وعقب حرب الخليج 1991، ويحدد عدد ونوعية القوات والأسلحة التى ستستخدمها القوات الأمريكية والميزانية اللازمة لذلك. وحدد التقرير نطاقاً زمنياً يتراوح بين عامى 1994 و1999، متصوراً سبع أزمات محتملة قد تجر واشنطن إلى الحرب وهى: تهديد جديد فى منطقة الخليج على يد العراق، وهجوم مباغت من قبَل كوريا الجنوبية على جارتها الشمالية، وإمكانية حدوث هذين السيناريوهين بشكل متزامن، ونشوب توترات فى دول البلطيق، واحتمال حدوث انقلابات عسكرية تهدد أمن أمريكا ومصالحها أو قيام حرب بين فصائل الجيش الفلبينى بعد تخفيض الوجود العسكرى الأمريكى هناك، وإمكانية تحالف الإرهابيين وتجار المخدرات والعصابات فى بنما بما يهدد الملاحة، واحتمال قيام روسيا بعملية عسكرية توسعية فى أوروبا. ورغم أن هذه الحروب المتخيلة لم تقع فإنها ساهمت فى تعزيز جاهزية العسكرية الأمريكية وتفوقها.

لكن الحاجة إلى الخيال لا تقتصر على إبداع طرق أو أساليب للتعامل مع الميدان أو التفكير فيما سيجرى فيه، إنما تمتد إلى تخيل وضع الحرب فى المستقبل، وما إذا كانت ستظل مرتبطة بدوافعها القديمة مثل تحقيق المصلحة وتعزيز المكانة والانتقام وحفظ الأمن، أم أن قيوداً جديدة ستطرأ على الدول فى اتخاذ قرار الحرب على خلفية أى من هذه الدوافع. وفى كل الأحوال فإن باب التفكير سينفتح على مصراعيه ليتخيل شكل الحروب ونوع السلاح المستخدم فيها والمهام الجديدة التى ستجد الجيوش نفسها أمامها والأماكن التى ستطلق فيها النيران. وفى كل الظروف أيضاً ستبقى الحرب هى «إزميل سيئ لنحت الغد» كما قال مارتن لوثر كينج.

arabstoday

GMT 09:43 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 09:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 09:39 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

متى يخرج السيتى من هذا البرميل؟!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيال وحروب المستقبل 12 الخيال وحروب المستقبل 12



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab