محمد سلماوي
سألنى أحد الصحفيين الأمريكيين فى نادى الصحافة، أثناء وجودى فى واشنطن حول التجاوزات التى تحدث فى مصر الآن ضد حرية الصحافة، رغم قيام ثورتين تطالبان بالحرية، فقلت: إن فترات التحول الثورى فى تاريخ البشرية كثيراً ما تشهد بعض التجاوزات، فالثورة فى حد ذاتها هى تجاوز خارج على العرف الديمقراطى، وقد تتذكرون هنا فى أمريكا أن إبراهام لنكولن، محرر العبيد، والزعيم الوطنى الأكبر، أغلق ما لا يقل عن 300 جريدة، واعتقل أكثر من 1300 شخص، أودعهم السجون أثناء فترة رئاسته للبلاد، وهذه حقيقة تاريخية لا جدال فيها، لكن عيبنا نحن الصحفيين هو أننا كثيراً ما نفتقر إلى النظرة التاريخية البعيدة، ولا نعود نرى إلا الحادث الآنى الذى يصلح خبراً فى صحفنا اليومية.
إن أحداً فى مصر ليس سعيداً بحال الصحافة والإعلام فى الوقت الحالى، لكن الصحافة لم تكن أكثر حرية مما هى الآن، فالصحف المستقلة تتصدر المشهد الصحفى مع القنوات التليفزيونية الخاصة، ولا أحد يملك السلطة فى أن يملى عليها ما تقول، وإذا كان أداؤها لا يعجبنا فيجب أن نبحث عن سبب ذلك بعيداً عن قضية حرية الصحافة، فالصحافة بحاجة لأن تبحث عن الطريق السليم الذى تصل به إلى الرأى العام، مستخدمة تلك الحرية الجديدة التى تتمتع بها الآن، إنها ليست قضية حرية صحافة، وإنما قضية البحث عن الدور.
وقلت: لقد قامت الصحافة المصرية والإعلام بدور عظيم فى التعبير عن رفض الشعب لنظام الإخوان الاستبدادى، وكان لها دور تعبوى ملأت به القصور، المعيب فى دور الأحزاب السياسى، لكن تلك الفترة مضت وعلى الصحافة المصرية الآن أن تبحث عن دورها الجديد فى ظل عملية إعادة بناء المجتمع وتأسيس الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التى نص عليها الدستور، وهى فى ذلك حرة تماماً لا تكبلها أى قيود.
وقلت للصحفيين الحضور: لقد كنت رئيساً للتحرير قبل ثورة 25 يناير 2011، وتركت موقعى بإرادتى، كما كنت رئيساً للتحرير بعد الثورة، وفى الحالة الأولى كنت أعمل فى ظل ظروف ضاغطة لا يمكن أن توصف بأنها ضامنة لحرية الصحافة، فقد كانت معركتنا اليومية أنا وزملائى هى حماية الجريدة من التدخلات المستمرة للسلطة السياسية، أما بعد الثورة فلم تكن هناك أى تدخلات ولا كنا نتلقى توجيهات سياسية تحظر نشر بعض المواد أو تطالب بنشر مواد أخرى.
وأنهيت حديثى قائلاً: لقد اطلعت لتوى على التقرير الذى كتبه صديقنا القديم ليونارد داونى، أكبر مراسلى صحيفة «واشنطن بوست»، حول «إدارة أوباما والصحافة» والذى يشير فيه إلى التدخلات المستمرة التى يقوم بها البيت الأبيض، والتى فاقت كل ما سبقها فى الإدارات السابقة، لكنا لا نستطيع أن نقول إن الصحافة الأمريكية ليست حرة.