عمال كادحون وعمال مدللون

عمال كادحون وعمال مدللون

عمال كادحون وعمال مدللون

 العرب اليوم -

عمال كادحون وعمال مدللون

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

كتب والد لابنه، فقال: «ولدي الصغير عندما تكبر وتصبح شاباً، وتحقق أمنية عمري، ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أنني بريء، وأموت من أجل قضية شريفة، ولهذا لا أخاف الموت، وعندما تكبر ستفخر بأبيك، وتحكي قصته لأصدقائك». تلك كلمات تنضح نبلاً، ويمكن الافتراض أن أي أبٍ، بأي من مشارق الأرض، أو المغارب، قد يتركها وراءه، ليس بقصد أن يوصي بها ولده فحسب، بل أيضاً كي تكون بلاغاً منه للملأ أجمعين، يبلغهم عبره، جيلاً بعد جيل، ما مضمونه أن كل المؤمنين بعدالة قضاياهم، سوف يبصرون نور العدل، ويعيشون فرح انتصار الحق ذات يوم، وإن اضطروا لانتظار وصوله ردحاً يستغرق قروناً من عقود الزمان تستمر طويلاً.

وضع أوغست سبايز كلمات تلك الوصية لطفله جيم، قبل أن يُساق يوم الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1887 لتنفيذ حكم جائر بإعدام أربعة أميركيين، أدينوا ظُلماً بجرم ما ارتكبوه، بعدما ألقى مجهول قنبلة وسط تجمع عمالي حاشد في «هيماركت»، نهار الثالث من مايو (أيار) عام 1886، مما أدى إلى مقتل أحد عشر شخصاً، بينهم سبعة ضباط شرطة، ثم تبين بعد تحقيقات مكثفة، لاحقاً، أن الفاعل كان شرطياً أراد إشعال نار الفتنة بين العمال المطالبين بحقوقهم، وبين قوات أمن مهمتها حماية المتظاهرين أنفسهم، بل وتمكينهم من توصيل رسالتهم، لأنه على الأرجح كان مدفوعاً، أو متأثراً، بتحريض من قبل كبار أصحاب المصانع، ومُلاك كبريات المزارع، وقطاعات الأعمال في الولايات المتحدة، زمنذاك، الذين كانوا متشددين في رفض مطالب العمال بتحديد ساعات العمل فلا تزيد عن ثماني فقط، إذ رأوا في ذلك تصدياً لجشع أرباح تجارتهم، وبالتالي تهديداً لمصالح ورثتهم فيما بعد.
بيد أن زمناً سوف يأتي فيثبت كيف أن الصحافي أوغست سبايز، الذي كان مسؤولاً عن تحرير صحيفة عمالية، ورفاقه المنخرطين في صفوف الدفاع عن حقوق العمال، قدر ما أنهم كانوا على حق فعلاً، فإن نضالهم العادل، بما حقق من مكاسب للعمال الأميركيين، سيوصل فيما بعد، إلى نوع من الشطط في أوساط عمال مجتمعات دول العالم الصناعي المتقدم، تحديداً خلال النصف الثاني من القرن الماضي، إذ أن قادة النقابات العمالية، خصوصاً بعدما استولى عليها ملتزمون بمناهج أقصى اليسار المتطرف، حيثما توجد في أغلب الدول الصناعية، انطلقوا يرون أنفسهم قيادات سياسية أكثر منها مِهنية فقط، وراحوا يطالبون بأدوار تتجاوز نطاق اختصاصاتهم بكثير، ولم يترددوا في وضع شروط كانت تبدو مُذلة للسياسيين، أحياناً، كلما تعلق الأمر باسترضاء مواقفهم خلال المعارك الانتخابية. ظل هذا النهج سائداً حتى مجيء مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية، التي خاضت معركة «كسر عظم»، كما توصف، ضد نقابة عمال المناجم أولاً، ثم مع عموم النقابات، وفي مقدمها اتحادات عمال المطابع، التي كانت تتحكم حتى بمستويات التطور التقني داخل مؤسسات صحف «فليت ستريت»، وبما حققت ثاتشر من انتصار في معاركها العمالية تلك، جذبت إليها الأنظار عبر العالم ككل، فأطلِق عليها وصف «السيدة الحديدية».
جانب ثان أتى مع مكاسب نقابات العمال في الدول الصناعية تمثل في نزوع أعداد معتبرة منهم نحو نوع من الاستعلاء في التعامل مع غيرهم من طبقات المجتمع. الأرجح أن كل من اضطر لطلب تدخل سريع من عامل كهرباء، أو بناء، أو صرف صحي، أو غير ذلك من الخدمات المنزلية، بأي مجتمع أوروبي، يستطيع أن يستحضر كم المعاناة التي مر بها مع معظم هؤلاء. السبب واضح كل الوضوح، وخلاصته أن عمال المجتمعات الأوروبية باتوا يشكلون نوعاً من «الطبقة المُستبدة»، التي تستغل حاجة الآخرين إليها بقصد أن تُملي شروطها، حتى لو أنها في منتهى الإجحاف. في المقابل، يظل السواد الأعظم من عمال الدول النامية، أو المجتمعات الفقيرة، يكدح معظم ساعات النهار، وأحياناً الليل كله، لأجل توفير طعام صغار العيال، وربما الكبار منهم أيضاً، ممن لا يجدون العمل، ولا الوظائف، في ظل انتشار البطالة، وارتفاع معدلات الغلاء. أولئك عمال أميركا وأوروبا المدللون، يقابلهم عمال باقي دول العالم الكادحين. الفارق كبير على الضفتين، إنما يصر كل منهما على حق الاحتفال بيوم أول مايو كل عام، حتى لو لمجرد التمتع بنهار إجازة.

arabstoday

GMT 06:11 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

ليلة الفقر في موسكو

GMT 06:10 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

هل ستعود الحياة إلى غزة ؟!

GMT 06:08 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

جولة في مطاعم الطبق الأوحد

GMT 06:06 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

اجترار جمال الكلاسيكو

GMT 06:05 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

أسئلة للجنة الفنية عن بطولتى إفريقيا

GMT 06:04 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

معنى قبول حماس للاتفاق

GMT 06:03 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

جمهورية صغار الموظفين.. ‎وتعطيل التصنيع والتصدير

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عمال كادحون وعمال مدللون عمال كادحون وعمال مدللون



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 03:23 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

أنتوني بلينكن يكشف عن خطة "تشمل قرارات صعبة" لغزة بعد الحرب
 العرب اليوم - أنتوني بلينكن يكشف عن خطة "تشمل قرارات صعبة" لغزة بعد الحرب

GMT 14:03 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن
 العرب اليوم - رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن

GMT 10:46 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 04:19 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

بايدن يعلن ولاية كاليفورنيا منطقة منكوبة

GMT 07:10 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

GMT 03:27 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

وكالة الفضاء الأوروبية تخطط لاختبار محركات لصواريخ Ariane 6

GMT 05:20 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

إغلاق تسعة شواطئ في سيدني بعد ظهور حطام غامض على شكل كرات

GMT 03:24 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

مقتل 5 عسكريين اسرائيليين من لواء النخبة بمعركة في غزة

GMT 04:37 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

ثغرة برمجية تسمح باختراق بعض هواتف سامسونغ

GMT 04:31 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أنباء تفيد باقتراب حرائق الغابات من مقر ميتا

GMT 14:49 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

كريم محمود عبدالعزيز يكشف عن رأي أولاده في أعماله
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab