خالد الإتربي
أشعر وأنني أدفع صخرة كبيرة من على صدري لا أطيق تحملها، وبالكاد أستطيع أن أتنفس كي أعيش، حينما يطرأ على مجتمعنا، لفظ من أحد العباقرة المتخصصين في الثرثرة الفارغة والغير مدروسة، والصبيانية أحيانا، والجنونية في أحيان كثيرة أيضًا.
بل والأكثر من ذلك حالة الهيجان، والثرثرة في التعليق على ثرثرة، والهجوم من هذا على ذاك والعكس، وفي النهاية نكاد نستيقظ من هذا العبث، لتجد نفسك تغط في سبات عميق من العبث الجديد، ونعود تارة أخرى لحالة من الثرثرة المتواصلة لتصبح حياتنا ثرثرة في ثرثرة.
مقدمة قد تشعر أنها طويلة، لكن من وجهة نظري أرى أنها بسيطة جدًا في شرح حالة "الثرثرية" التي تدفعنا إلى أعماق الأعماق من الجهل والتخلف، والتعصب، الغير مبرر.
ليس من الطبيعي أو المنطقي أن ينتفض شعب الـ "فيسبوك" و"تويتر"، على خالد الغندور، بسبب مطالبته لجماهير "الزمالك" بمقاطعة شركة "فودافون"، بسبب رعايتها للنادي "الأهلي"، وغطلاق حملة تحت شعار عودتهم لكتابة تاريخ جديد للكيان.
إذا كان الغندور بهذا التأثير في الناس، وكلامه بهذه القوة، إذًا لابد من وضعه في كتب التاريخ، مثل الزعيم أحمد عرابي الذي مازلنا نتذكر كلامه مع الخديوي توفيق حينما قال "لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا، ولن نستعبد بعد اليوم"، ويجاور مصطفى كامل الذي نتذكر له أيضًا "لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريا".
والأكثر غرابة ايضًا هل الغندور بالقوة التي تجعله زعيما للزمالكاوية، ويقود حملة ضد الشركة "الظالمة" لـ "الزمالك" من وجهة نظره، فإن كان كذلك، فإنه سيكون سببًا آخرًا لدخول التاريخ.
ألهذا الحال من الفراغ المتناهي وصلنا؟، هل أصبحنا جميعًا رعاة للآراء الذكية؟، ورقباء على الأخرى الغبية.
نسمع كثيرًا نصائح حول وضع الأمور في نصابها الطبيعي، وعدم اعطائها أكبر من حجمها، ولا ينبغي التهوين أو التهويل، لكننا وبأمانة شديدة، نتبع العكس، وننبش بـ "مشرط" جراح عن التفاهات حتى نستخرجها، ونصدرها إلى المجتمع، لينشغل بأمور بعيدة تمامًا عن واقعه المرير، بدلًا من "النبش" عن حلول قد تساعدنا على أقل شيء من حقوقنا التي قد تبقينا على قيد الحياة وهي التفاؤل.
أتفق تماما أن رؤية لاعب "الزمالك" السابق، للأمر كانت خاطئة، وكان ينبغي التعامل معها كذلك، انه رأي خطأ، وليس كل صاحب رأي خطأ، يهاجم بهذا الشكل الكبير، ونهدر معه وقت أكبر، للدرجة أننا أصبحنا لا نتقدم خطوة بسبب رغبتنا الملحة في التعليق على الأخطاء، وليس دراسة كيفية عدم تكرارها.
أعلم أن الكلام لن يأتي على هوى الكثيرين، وأعلم أن من سيقول أنني أعيش في واقع من الخيال، وبعيد عن المجتمع، وأعيش في حالة من المثالية الصعب تحقيقيها، وللأسف هؤلاء كثر، وصدور هذا الشعور السلبي إلى المجتمع حتى صار الهزل حقيقة، والجد والاجتهاد ضرب من ضروب العبث.