بقلم : حسن البصري
ما إن عاد حمودة إلى بيته بعد أداء صلاة العيد، حتى استوى أمام الحاسوب واستنجد بالحاج "غوغل" كي يدله على عنوان إلكتروني للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وحين اهتدى إليه بادر بسؤال يسكنه:
أديت صلاة العيد في مصلى عبارة عن ملعب لكرة القدم محاط بالمدرجات والمنازل وعلى جنباته سور، وهذا الفضاء مخصص للعب واللهو، هل صلاتي جائزة؟
انتظر حمودة إلى حين بلوغ صبيب الإنترنت ذروته، وبعد لحظات جاءه الرد:
صلاتك صحيحة وعليك أن تتصل بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لأنها صاحبة القرار المحدد لأماكن صلاة العيد. حكمت اللجنة بعدم الاختصاص، فبادر حمودة إلى الاتصال بفضيلة الشيخ رشيد الحبيب، وسأله عن حكم الصلاة في ملعب، اعتبر الشيخ الصلاة في ملعب الكرة أمرا مخالفا للسنة لأن "الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم صلى في مكان متسع خارج البلدة بينما الملعب داخل المدينة ولا يخلو من أوساخ وقد يكون أُسس من مال الرهان الرياضي، وحول جنباته علامات إشهارية للقمار، فالصلاة فيه ليست من السنة".
استغرب حمودة من تباين الآراء بين مفتي وآخر، وتساءل: لماذا نترك المساجد ونبحث على فضاءات للعب نصلي فيها يوم العيد؟، ما الحكمة من إغلاق المساجد في صلاة العيدين؟ وما الغاية من التجاء بعض المصلين إلى القاعات المغطاة لأداء الصلاة على قبلة مرمى؟ هل تدخلت وزارة الأوقاف في اختصاصات وزارة الشباب والرياضة؟
في مدينة فاس زحف العقار على أغلب المصليات، لم يجد المندوب الجهوي للأوقاف والشؤون الدينية بدا من الاستنجاد بملاعب العاصمة العلمية، وأصدر بلاغا يرشد فيه المصلين إلى المركب الرياضي بطريق صفرو، ولملاعب السعديين ولملعب باب لفتوح وملعب حي الزهور، وكأنه يصدر البرنامج الأسبوعي للمباريات مع اختلاف بسيط يكمن في تعيين إمام بدل طاقم تحكيم.
رفض أحد المتعصبين للمغرب الفاسي أداء صلاة العيد في ملعب الغريم الوداد الفاسي، وفضل بعض المصلين الجلوس في مدرجات الملعب لسماع الخطبة، قبل أن يلتحقوا بالمصلين، بينما بحث مصلون عن ملاعب بعشب اصطناعي وقطعوا من أجلها المسافات كي لا يؤدون الصلاة على أرض متربة كانت مرتعا للندامى والكلاب الضالة.
في حي البرنوصي يقوم ملعب لفرق الأحياء مقام المصلى، وقبل أن يغادر المصلون المكان كان لاعبو فريق الحي الصفيحي المجاور يقومون بتسخينات لخوض نهائي بطولة رمضانية، في ما انكب المنظمون على إعادة تخطيط جنبات الملعب وإزاحة مكبرات الصوت، ومنهم من التمس من القائد تمديد مقامه في الملعب لإعطاء انطلاقة النهائي، هذا في الوقت الذي تملك فيه وزارة الأوقاف إمكانيات مالية تكفي لاقتناء وعاء عقاري يخصص لصلاة العيدين ويوفر الحد الأدنى من فيض المشاعر الدينية.
في مدينة بوجدور ثار المصلون في وجه إمامهم أثناء صلاة العيد، في ملعب داهمه شغب الحاضرين الذين احتجوا بقوة على رئيس المجلس العلمي في المدينة، بسبب أخطاء فادحة في الإمامة، وردد الغاضبون عبارات مستوحاة من مدرجات الملاعب وقالوا بصوت واحد “والإمام سير فحالك لمصلى ماشي ديالك”، وأوضح شاهد عيان أن الإمام افتقد التركيز، فنسي التكبير وقفز على الفاتحة وأسرع في تلاوة سورة الغاشية، وفي الركوع والسجود.
ونال إمام بملعب في الحي المحمدي بأكادير قسطا من الاحتجاج، بعد أن أقدم على تقديم صلاة العيد بربع ساعة عن موعدها المحدد حسب المجلس العلمي المحلي في السابعة ونصف، واضطر للصلاة بمن حضر في ما يشبه “الويكلو”، فحرم مئات المواطنين من صلاة العيد التي تعتبر مسك الختام للشهر الفضيل.
في ظل الزحف على المصليات وتحويلها إلى عقارات، أصبح لزاما على وزارة الأوقاف الاستنجاد بالملاعب الكبرى، فهي تتوفر على غرف الملابس ومكبرات صوت مع إمكانية وضع علامات إشهارية لشركات العطور والمسك والعنبر، إذا كان المقام يسمح والله أعلم.