بقلم : يونس الخراشي
نجح الزميلان عبد الهادي رازقو وأحمد مدفاعي، برفقة ثلة من التقنيين في قناة الرياضية، تحت قيادة مديرها حسن بوطبسيل، في استعادة ملحمة من ملاحم المغرب الرياضي، متمثلة في مسار الراحل العربي بنمبارك، الذي سجل اسمه في الدفتر الذهبي لكرة القدم العالمية، وطواه النسيان لسنوات. وتمكن الزميلان، وفريق عملهما، بتفوق، من رسم الملامح الدقيقة للأسطورة بنمبارك، عبر شريط وثائقي، من جزءين، اشتغلا عليه لأزيد من سنتين، وعرضاه مساء أول أمس (الخميس)، في أحد فنادق مدينة الدار البيضاء أمام عدد من الصحافيين، والوجوه المشاركة في الإعداد.
الشريط الوثائقي، الذي عمل بتقنية "الفلاش باك"، معتمدا في ذلك على ابن الراحل وهو يسرد قصة حياته كما سمعها لمرات من والده العربي بنمبارك، تفنن في تزويد المشاهد المغرب، بل والعالمي أيضا، في شهادات عدد مهم جدا من الإعلاميين ذوي الاختصاص في الموضوع، فضلا عن رجالات عايشوا الراحل عن كثب. وبدا واضحا منذ البداية أن الوثائقي يشتغل على رد الاعتبار للراحل بنمبارك؛ سواء من عنوانه الذي اختير له، وهو "لعربي بنمبارك.. من رماد النسيان"، أو من خلال الشهادات التي قدمت عنه، وكلها صب في تجاه واحد، وهو أن هذا اللاعب كان ظاهرة في تاريخ كرة القدم العالمية تعرضت إجحاف كبير، بفعل غياب التلفزيون.
ينطلق الوثائقي مع فتى صغير يحضن الكرة باستمرار أو يداعبها، وهو يجسد دور الراحل العربي بنمبارك في مستهل حياته بالمدينة القديمة بالدار البيضاء سنوات العشرينات من القرن الماضي، ثم يظهر ابن بنمبارك في الصورة، ويشرع في إخراج أشيائه الخاصة من صندوق، يتمثل به المخرجان كنزا، فيعلق الصورة تلو الصورة، ليخرج منها رسم الملامح، بتصريحات لرجالات إما لديهم خبرة بتاريخ الكرة في الأندية التي عبر منها بنمبارك، أو عايشوه عن كثب.
ولأن التصريحات لا تكفي أبدا لإشباع نهم المتلقين، سيما إذا تعلق الأمر بحكاية عن رجل عظيم، فقد برع الوثائقي في تدعيم الكلام بمقتطفات من الصحف التي ظلت تتابع مسار الأسطورة، فضلا عن صور من الأرشيف، بل وصور متحركة أيضا، كان لها وقعها الأخاذ، بفعل تقريبها الراحل للمشاهدين، وهو قوي، متناسق العضلات، مفتولها، وذات حضور وازن، بل ملكي، في الملاعب التي برع عليها بأدائه الجميل، ثم وهو محمول على أكتاف الجماهير، أو وهو يتحرك أمام كاميرات جاءت خصوصا لتصويره، باعتباره نجما كبيرا جدا.
تبقى الإشارة إلى أن العربي بنمبارك، الذي أراد فريق عمل قناة الرياضية أن يعيد له الاعتبار، حضر مضاعفا في الوثائقي الجميل، إذ فضلا عن صوره، والشهادات في حقه، ومقتطفات الجرائد، وغيرها، فقد كانت الوثيقة التاريخية التي سجلها معه الصحافي الشهير الحسين الحياني، وهو في سن الستين أو أكثر، ذات طعم حلو للغاية، والرجل يحكي عن نفسه، بدارجة بيضاوية ممتعة، بل وساذجة، تنبئ عن رجل استسلم لموهبته فقط، دون أن ينحتها بالتعلم، فقادته إلى ملامسة سقف العالم، ثم هوت به إلى حضيض النسيان، قبل أن يبعث من رماده، بعمل يستحث التنويه.