أسرار المضيفات في السماء ليست كذلك على الأرض

أسرار المضيفات في السماء ليست كذلك على الأرض

أسرار المضيفات في السماء ليست كذلك على الأرض

 العرب اليوم -

أسرار المضيفات في السماء ليست كذلك على الأرض

بقلم : مادونا خفاجا

تختال بجمالها ودلالها كأنها البارحة فازت بلقب ملكة جمال العام. تسرح مخيلة العابرين بالمطارات ليعتقدوا أنّها تمرّ على المسرح تحيي الجمهور باليد اليسرى، وتلامس خصلات شعرها بيمناها، الحاملة باقة الأوركيد البيضاء المتدلية على أسفل جسدها.

هي واحدة من مضيفات الطيران، صاحبات الزي الموحد، من نحسدهم على ما يملكن من وظيفة مميزة وقدرة على خوض تجارب فريدة تتنوّع بين التعرف على أناسٍ جدد والترحال والسفر وزيارة الأماكن الجديدة. ولا نحسدهن على ما تخفيه هذه المهنة من صعوبات وأخطار على ارتفاع 30000 قدم. صعوبات كثيرة غالباً ما نكون نحن المسافرين السبب الرئيسي الكامن خلفها.

المضيفة ليست نادلة

تعيش لارا، وهي مضيفة طيران، التجربة بحسناتها وسيئاتها، اخترنا أن نطلق عليها هذا الاسم لامتناعها عن الكشف عن هويتها خوفاً من أن تخسر عملها. تحرص لارا على اتباع التعليمات التي تدربت لأشهر على أدائها. تقول: "طاقم الطائرة من مضيفين ومضيفات يتدرّب بشكل نظري وتطبيقي على تدابير تأمين السلامة، وكيفية التعامل مع المسافرين المرضى والأطفال والعُجٓز وإخلاء الطائرة في حالات الطوارىء. ونحصل على شهادات في السلامة العامة وشهادات طبية قبل توزيع المهمات علينا".

المضيفة ليست نادلة تعمل في مطعم طائر كما يعتقد الكثير من أصحاب الطلبات الغريبة: "هل يمكن أن أحصل على همبرغر؟ هل تقدّمون الفوشار مع الأفلام؟". نستطيع الجزم أحياناً أن المسافر يشعر بأنه في "مطعم جوي" ولا يستخدم الطائرة على أنها وسيلة نقل بالأساس.
هبوط اضطراري للأحلام من عليائها

هي مهنة مستنفدة للذّات والجسد، وتتطلب مجهوداً كبيراً، كما يقول العديد من مضيفي الطيران. "لا يمكنكم تخيّل كمّ التغييرات التي تطرأ على أجسادنا، بدءاً بما هو بسيط كأن تكسب ما يعادل 3 كيلوغرامات في أقل من 10 أيام، أو تفقد المقدار نفسه في أسبوع"، تضيف لارا.

الإجهاد في العمل ساعات متواصلة خصوصاً في الرحلات الطويلة يُضعف جهاز المناعة، فضلاً عن تغيّر كم الطعام ونوعه والساعات المحددة له، وهذا ما يساهم بحالات من الصداع والغثيان في أحيان كثيرة". ويتعرض طاقم الطائرة بشكل دائم للأمراض بسبب تغيُّر الطقس من بلد لآخر. وتفشي الفيروسات فضلاً عن اختلاف الأمراض الشائعة، كالإيبولا، والملاريا، والتي أودت بحياة إحدى مضيفات الطيران اللبنانيات، سيبيل البواري، بسبب عدم تلقيها للعلاج الوقائي قبيل سفرها إلى أبيدجان في بداية 2016.

ومنعاً لتسمم عنصرين بدلاً من واحد، توصي بعض شركات الطيران أن يأكل ربّان الطائرة ومساعده من طعام مغاير، خوفاً من تسمم الإثنين في الوقت نفسه، ما قد يسبب كارثة حقيقية. أمّا عن بقية طاقم العمل، فقد يُضطرّ المضيفون إلى تنظيف الحمامات في الرحلات الطويلة، وبالطبع لم يعرفوا عن ذلك في وقت مبكر، بل مباشرةً بعد تسلّم مهماتهم.

طائرة
ما في نوم بعد اليوم!

في الأسابيع الأولى من العمل كمضيفة طيران يسهل عليك تنظيم فترات النوم، لأن معظم الرحلات التي تكلّفين بها تكون قصيرة المدى. لكن الأمر يتغير في الأشهر اللاحقة، ليوضع على جدولك الزمني الرحلات الطويلة التي تتطلّب منك المبيت في البلد المقصود.

تقول لارا: "تتطلّب منك الرحلات الطويلة ما قد يصل إلى 16 ساعة بلا نوم". هنا يصبح التكيّف مع اختلاف التوقيت الذي يتخطى في بعض الأحيان 9 ساعات زيادةً أو نقصاناً، هو بالفعل التحدي الحقيقي الذي يواجه المضيفين والمضيفات. وتضيف "تحدي النوم يستمر لفترة بعد عودتك لديارك، كي تستطيع أن تعيد ساعات نومك لسابق عهدها".
زر الاستدعاء ألدّ أعداء كل مضيفة طيران

إحذر، زر الاستدعاء هو عدو كل مضيف أو مضيفة طيران.. نصيحة لا تنقر!

مسافرون كثر يعتقدون بوجوب الإفادة من جميع الخدمات المؤمنة لهم على متن الطائرة من أكل ومشروبات. يظنّ هذا النوع من المسافرين أنه يحاول استرجاع المبلغ، الذي دفعه مقابل التذكرة، من خلال الطلبات المتلاحقة التي لا تنتهي.

"أيّها المسافر، إن كنت تعتقد بأن الأغطية الناعمة والسماعات الصوتية التي نقدّمها لك هي جديدة كلياً فأنت مخطىء بل يتمّ تنظيفها وتغليفها من جديد بعد كل رحلة".

كذلك يُخيّل لبعض المسافرين وبالتحديد الرجال منهم، أن المضيفة هي عارضة الأزياء التي ستختال أمامه. ليقيّم العرض فاتحاً ثغره بابتسامة بلهاء، وغمزات، ثمّ لمسات مستترة، قد تصل إلى التحرّش اللفظي والجنسي. والأوقح أنه يبرر لنفسه فعلته بالقول إنهن يحببن ذلك وهنّ تواقات للاهتمام.

ما لا يعرفه الكثيرون أن طاقم الطائرة يملك الحق بطرد المسافر عن الطائرة في أول محطّة، إذا صدرت عنه ألفاظ بذيئة أو تصرفات غير لائقة.
6 ساعات في الجو كفيلة بفضّ كافة الأسرار

سيدهشكم عدد المسافرين الغرباء الذين يقصّون حكاياتهم على مسامع طاقم الطائرة. تبدأ الحكاية بالحديث عن خوفهم من ركوب الطائرة أو من السفر، وترك أحبابهم، أو كونهم معلّقين في السماء، ويودون الاعتراف بما يخفونه خشية عدم الوصول إلى وجهتهم. كأن كلام السماء يمكن أن يُمحى على الأرض.

كذلك الأمر بالنسبة إلى فريق العمل في الرحلة نفسها، خصوصاً إذا كانت الرحلة طويلة. فلا بدّ للمضيفات البوح بما يتعلّق بأمورهن العائلية والشخصية، وبما يعرفنه عن زملائهم في العمل. ففي رحلة تمتد ست ساعات مثلاً يمكن أن تعرف أدقّ التفاصيل عن علاقة إحدى المضيفات بصديقها، وعن العلاقة التي يخفيها ربّان الطائرة مع المضيفة المسؤولة. أو مرض والدة أحد المساعدين في فريق العمل، أو إحساس إحدى المضيفات بالتقصير تجاه أطفالها لعدم قدرتها على قضاء وقت كافٍ معهم.

"أعتقد أننا نحتاج لخلق هذه المساحة للحديث عن الأمور الشخصية"، تقول لارا، "بسبب الوقت الذي نمضيه للحصول على جواز المرور والكشف الأمني، للصعود إلى الطائرة، ووضع حاجاتنا. لكن لن أُخفي أن للحكايات طعماً آخر في السماء، وكأن ما نفتقده على الأرض نجده في السماء، فتلتقط أسرارنا الغيوم كما يفعل البحر مع الصيّاد الشاكي".
لم أكن أعلم أنني سأكون الحمّال والمسعف وحاضن الأطفال

يجرّب الكثير من المسافرين الخمور للمرة الأولى على الطائرة، فتحدث الكارثة. إذ يمكن للشخص أن يثمل في رحلة لا تتعدى الساعتين ولك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث.

يقول مضيف آخر على أحد الخطوط الجوية العربية: "عند إغلاق باب الطائرة نتحوّل أطباءها وشرطييها ومسعفيها ورجال أمنها، وقد تدربنا على آداء هذه المهمات بسرعة قياسية".

هي مهنة تحتاج للكثير من الصبر والقدرة على استيعاب الأشخاص، خصوصاً أنك تتعامل مع مسافرين من ثقافات وجنسيات مختلفة". ويضيف: "ما تقوم به عن حسن نية يمكن أن ينقلب عليك بالسوء إذا ما كان يتعارض مع ثقافة وسلوك المسافر".

ومن الأمور التي تحدّث عنها مضيف الطيران هي التجربة الناقصة، إذ يمكنك أن تذهب في رحلات متعددة إلى برلين، من دون أن تجد الوقت لاكتشافها والاستمتاع بها.

يعلم طاقم الطائرة أن المسافرين يصلون متعبين بعد طول انتظار في المطار، للذهاب إلى الطائرة. لكن لا ضرر في طلب ما يريدون بشكل مهذّب واستخدام كلمات "من فضلك... وشكراً".

رسالة من طاقم الطائرة إلى المسافرين: "نحن لسنا حمّالين (مع كامل احترامنا لهؤلاء). فإذا فضلت أن تصحب حقيبتك على الطائرة لتضعها في المكان العلوي المخصص لها، عوضاً عن أخذها للشحن في المطار، يجدر بك أن تحملها لتضعها في مكانها، ولا تتوقّع منّا المساعدة إلاّ على سبيل المجاملة".

مهنة ذات قبعة الرأس المزركشة، ترتديها صاحبتها وتنطلق مع الكثير من الأحلام. وتذهب في رحلتها بحسب الجدول المحدد مسبقاً. جدول لا يشبه جداول حياتنا التي اعتدنا كتابتها وتعليقها على باب الثلاجة. جدول يحول أيامك لمجموعة غيوم تسير كما يحلو لرياح العمل، مع الكثير من التعب والقليل مما تبقى من أحلام.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسرار المضيفات في السماء ليست كذلك على الأرض أسرار المضيفات في السماء ليست كذلك على الأرض



GMT 14:19 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 10:32 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

أعلنت اليأس يا صديقي !

GMT 14:36 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:09 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 20:31 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 12:52 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 18:56 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 10:35 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 23:10 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

داليا البحيري تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - داليا البحيري تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 18:39 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

دواء للاكتئاب يقلل احتمالات زيادة الوزن

GMT 18:00 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تشيلسي يعلن رسميًا ضم مارك جويو مهاجم برشلونة

GMT 21:12 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

مطبات جوية شديدة تصيب 30 راكباً
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab