رشيد الضعيف يواصل النبش في الدفاتر القديمة في “خطأ غير مقصود”
آخر تحديث GMT20:11:28
 العرب اليوم -

رشيد الضعيف يواصل النبش في الدفاتر القديمة في “خطأ غير مقصود”

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - رشيد الضعيف يواصل النبش في الدفاتر القديمة في “خطأ غير مقصود”

غلاف “خطأ غير مقصود”
القاهرة - العرب اليوم

لا أثر لكلمة “رواية” أو “سيرة ذاتية” على غلاف الكتاب الجديد للأديب اللبناني رشيد الضعيف، المُعنّون بـ”خطأ غير مقصود”، وهي نصوص قصيرة حرّة، متتابعة، لكل منها عنوان خاص، وموضوع بمقدورك أن تقرأه بمعزل عما قبله أو تربطه

بما يليه. ثمة شخص يروي حكايته مع عائلته ومع ذاته، جاهدًا أن يفهم انعكاسات تلك الحياة الأسرية الحميمة عليه منذ كان ابن شهرين، فطمته أمه بـ”قسوة لا تحتمل”، عن رضاع ثدييها، إلى أن بلغ سبعيناته.

تعجبك كتابة رشيد الضعيف أو ترى فيها سذاجة لا تحتمل، فقد بنى الرجل لنفسه أسلوبًا فيه من البساطة الذكية ما يجعله يكتب ما يحلو له، بخفة لافتة دون أدنى سطحية، يخلط بين الجدية الصارمة والظرف الذي لا يخلو من سخرية، كما يقارب أشد

المواضيع تعقيدًا من خلال مواقف فردية ينسبها غالبًا إلى شخصيات تشبهه في المزاج والملامح. لذلك؛ تكاد لا تفرق كثيرًا عنده بين رواية وسيرة، وهو على أي حال لا يبذل جهدًا كي يقنعك بذلك أو أنه في الأصل يتقصد أن يضع قارئه باستمرار في

هذه المنطقة المليئة بالظلال، والتي تسمح له بأن يتعرى دون حرج، وأن يبوح دون مواربة.

في “خطأ غير مقصود” كما في كتابه “ألواح” يعود رشيد الضعيف إلى الخلط بين السيرة الذاتية والتخييل، وهي مهارة تمنحه قدرة على الولوج إلى مناطق محرمة، على اعتبار أنها مجرد لعبة أدبية. ففي “ألواح” الذي يمكن اعتبار الكتاب الجديد،

جزءًا إضافيًا له، يقول عن الحكايات التي يرويها: “ثمّة أحداث لم تحدث، لكنّها لو حدثت لكانت حدثت كما دوّنتها”. وفي “خطأ غير مقصود” لا أهمية للتصانيف الأدبية طالما أن القارئ يجد متعته وهو يقلّب الصفحات، مشغولًا بالبصبصة على

خصوصيات الراوي الذي يتحدث بصيغة الأنا ويحمل اسم رشيد (الكاتب نفسه) وكامل ملامحه الشخصية، من عمره السبعيني إلى مهنته كاتبًا وأستاذًا جامعيًا، ويشاركه علاقاته بأصدقائه الذين يسميهم بالاسم، ومغامراته العاطفية كرجل مطلق منذ ما

يقارب أربعين سنة، يعيش وحيدًا في بيروت، ويبحث كما لو أصابه مسّ عن امرأة يقضي معها بعض الوقت.

يزيد الطين بلة هذا التضخم في البروستات، الذي بحسب الطبيب لا بد من انتظار شهرين أو ثلاثة، وإجراء فحص، للتأكد من الإصابة بمرض السرطان أو النجاة. مهلة ثقيلة يقرر الراوي أن يقضيها في تحقيق أمرين اثنين، أولهما استكمال مشروعه

في كتابة سيرته العائلية التي وصل إلى أميركا ليجمع شتاتها، والآخر اختبار قدرته كرجل وفعل أفضل ما يستطيع في وداع فحولته. والنص بين أيدينا هو تحقق للرغبة الأولى متضمنًا محاولات رشيد الملحاحة للوصول إلى المبتغى الآخر.

يبدأ الكتاب بالعبارة التالية التي ستشكل مفتاحًا للنص: “أساس مشكلتي ومبدؤها الأول، قد تأكد بالبرهان: أخطأت أمي خطأ قاتلًا إذ فطمتني باكرًا”. هذا الفطام الذي وقع صاعقًا، فمن لحظتها يقول الكاتب “لم يعد العالم لي ملكي وأنا ملكه. من تلك

اللحظة ارتسمت حدودي من كل الجوانب”. هذا المدخل الفرويدي يخيّم بظلاله على الكتاب كله، حيث ستتم قراءة كل الأحداث الأخرى على وقع هذه الصدمة المبكرة. فالأم لها شخصية قوية “حين تغضب يرتجّ البيت”. وهي ترمي كلماتها جزافًا،

لكنها تبقى عالقة في ذهن الطفل. فليس قليلًا أن تقول لابن السنوات العشر: “من وقت خلقت وأنت شرير”. “الناس جميعًا يرون في وجه أمي، إضافة إلى كامل قوامها، جمالًا صريحًا لا عيب فيه” مع ذلك “أنفها يزعجني لأنه كان رفيعًا، وكان هذا

الرفع يبديه طويلًا ومروسًا؛ ما يعني أن رائحة الشم لديها شديدة الانتباه”. دون سبب وجيه نقرأ تلك العبارة الموجعة: “أنا، إذن أكره أمي دون أن أدري”.

تغيب الأم عن النصوص ثم تعود لتطل برأسها، فلا وجود للأب مهما بلغت أفعاله من الخطورة إلا من خلال عيون الزوجة - الأم. وهنا يعود إلى تيمته الأثيرة في “ليرننغ انغلش” أي إلى الثأر الذي يصنع الرجال في مجتمعات تقليدية لها مفاهيمها عن

القوة والكرامة. فالأب في “خطأ غير مقصود” لا يستحق أن يعامل كرجل في البيت إلا بعد جريمة قتل ورد اعتبار، يسترد بعدها صفتَي “الشجاعة” و”الاحترام” في عيون أولاده.

في الكتاب يعرّج رشيد الضعيف على تجربته القصيرة في ألمانيا، وذهابه إلى أميركا بحثًا عن الجدة المهاجرة ذات السيرة التي تستحق وحدها كتابًا منفردًا، فمن البيع المتجول، وتسول أي طريقة للحصول على ما يكفي للعيش في المهجر، إلى إيصال

أولادها لأرقى الجامعات في لبنان، حيث أصبحوا “هم وأحفادهم من خيار الناس غنى في النفس والمال”.

يكاد يكون الثلث الأخير من الكتاب، نبشًا حادًّا في الدفاتر القديمة عن نساء عبرن وما زال الراوي بمقدوره استعادتهن ولو لزيارات ولقاءات عدة، لكنها غالبًا ما تنتهي إلى إحباط وقطيعة جديدة. رجل يبحث عن امرأة تكسر رتابة الوحدة، وتقنعه أنه لا

يزال مرغوبًا أو على الأقل مقبولًا في نظرها. كل القضايا القومية والوطنية الكبرى لو تحققت لن تعطي رشيد الضعيف الفرح الكامل الذي يسعى إليه. فالرجل في مثل هذه السن في سعي دائب إلى الأفراح اليومية الصغيرة، الانتصارات الفردية

الإنسانية المتواضعة. لكن هذه وحدها لا تكفي يقول إذ “لا يمكنني أن أعيش أفراحي التي أحلم، دون أن تقاسمني إياها شريكة رائعة”. شريكة عصية يصعب العثور عليها رغم كثرة النساء. في هذا الجزء بالذات، يذهب رشيد بعيدًا في توصيف علاقاته

الحميمة، كتابة تبلغ من البوح حدًا يصل إلى الفجاجة غير المألوفة عند الرجال، في الأدب العربي المعاصر. ورغم أن المأخذ على رشيد الضعيف كأديب، هو الإمعان في دخول هذا الجانب الحسي بشكل متكرر في غالبية كتبه، وإطالته في الوصف.

إلا أنه بمرور الوقت بات يتفرد كأديب في كشف ما يعيشه رجل من حميمات لا بد أن كثيرين، لا يجدون الجرأة الكافية للحديث عنها. جريء أم مقزز؟ شجاع أم مبالغ؟ تلك أسئلة تحتاج إلى وقت لتختمر الإجابات عنها.

بين الفطام المبكر، والعلاقة التي تبقى غامضة ومشوشة مع الأم؛ لأن رشيد وحده دون إخوته الذين سبقوه والذين تلوه هو الذي استحق هذه المعاملة المجحفة، وصولًا إلى العمر المتقدم الذي تصبح فيه خيانة الجسد وخيانة الذاكرة وخيانة الماضي،

أمرًا يوميًا، لا بد أن يشعر القارئ بالصلة بين فقد العلاقة الحميمة العضوية بثدي الأم المرضعة في الصفحات الأولى، وغياب المرأة الشريكة الموجع في الصفحات الأخيرة.

في “خطأ غير مقصود” ثمة رجل يراجع علاقته المضطربة بالنساء عمومًا، من الأم إلى الجدة والجارة والصديقة وحتى القارئة والمعجبة ومدبرة المنزل. كلهن عبرن واختفين، ولكل منهن سببها وحكايتها. لكن “يا آدم الغبي: مهما تطل إقامتك أو

تقصر، تبق حواء معبرك إلى الجنة... يا آدم الغبي: هي من سببت حزنك وهي من ستعيدك إلى رحم فردوسك. وإنك إليها ما هي إليك”. لم يسبق لرشيد الضعيف أن كتب في مديح المرأة ما سجله في هذا الكتاب، وبخاصة المرأة المتزينة التي يصفها

بأنها “أجمل من شجرة حرة، وأجمل من شجرة مفردة على أرض قاحلة، وأجمل من شجرة فخورة. إنها الدليل على وجود الجنة؛ لأنها هابطة منها بإرادتها”.

 

قد يهمك أيضا :

رواية لمؤلفة مقيمة بدبي تتحول إلى عمل تلفزيوني


سلسلة "افطر مع رواية" ترصد مسيرة اغتراب الشعب الفلسطيني في أرضه

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رشيد الضعيف يواصل النبش في الدفاتر القديمة في “خطأ غير مقصود” رشيد الضعيف يواصل النبش في الدفاتر القديمة في “خطأ غير مقصود”



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 العرب اليوم - الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab