بيروت - العرب اليوم
أصدر الكاتب المهندس محمود الهايشة كتابًا بعنوان "أيقونات الإدراك" ليجمع الأدب والعلم ثم الثقافة فيه، مفردًا صفات عدة للرواية والشعر والنقد.وتحدّثت الأديبة سناء أبو شرار في مقالها عن الكتاب، مشيرة الى أنه "قد جاء في أحد عناوين الكتاب والتي بحد ذاتها تصلح لأن تكون موضوع كتاب كامل " بالتسامح يقوى ويتطور الجهاز المناعي للأفراد والمجتمع"، إلا أن الكاتب إختزل مفاهيم ومعان عديدة في 229 صفحة فقط من كتابه، ورغم كون الكاتب مهندسًا وله أبحاث علمية عديدة إلا أنه يبدو ضليعاً في عالم الأدب بتحليله وإنتقاده للشعر والرواية وإختيار مقولات عميقة حولهما مثل " ليس كل ما هو سلبي سيء، وليس كل ما هو إيجابي حسن" ويتحدّث عن سرقة الأفكار والكتابات الأدبية :" كأن المبدعون قد ماتوا جميعاً في بلادنا، ولم يعد أمامنا سوى نقل أفكار الغير من الغرب" وهي مشكلة حقيقية ولها جذورها في المجتمع الأدبي العربي بل والإقتصادي أيضاً.
وأضافت أبو شرار :"اشتمل الكتاب على مقالات متنوعة علمية طبية تعليمية وتطرق إلى "آفة الدكتوراة العربية، أرقام وأقوال لها معنى!!" وبكون شهادة الدكتوراة أصبحت سلعة للبيع والوجاهة والرقي لا للكفاءة العلمية، وذكر الدكتور مصطفى عبد الرازق بصراحة وبصدق بقوله:"حصلت على الدكتوراة لا لشيء سوى هدف واحد هو الوجاهة الإجتماعية"
وأردفت أبو شرار : "لم يكتفي الكاتب بمقالاته العلمية والأدبية بل تطرق إلى العنوسة، والحب "فلا سبيل للتقدم والرقي إلا بقيمة الحب"، مقولة صحيحة وأثبتتها جميع الدراسات العلمية والإجتماعية ولكن من منا يستطيع تطبيقها فعلياً بحياته وعلى مستوى عالٍ من الرقي، أما عن الثرثرة الإلكترونية فهو سبب من أسباب إندثار أحد فنون الأدب والفكر ألا وهي فن التراسل؛ فقد أفرد الكاتب مقالًا كاملًا حول هذا الموضوع الهام جداً والذي أسهم بالأمية الفكرية العربية بشكل تراجيدي وخطير ، "هل يستوي العقل المرتب والمنظم، بالعقول الخاوية أو المليئة بالكراكيب" مقولة رائعة وتجعلنا نختصر كلمات كثيرة حول الواقع الفكري العربي والذي نتيجة له تراجعت الدراسة والأبحاث وكذلك المستوى الفكري للمواطن العربي:" فما بالنا بأننا لا ننتج المعرفة من الأساس، فلنا أن نتصور وضع الإنسان العربي بين بني البشر على ظهر الأرض!!" تساؤل خطير لابد أن تطرحه كل مدرسة وجامعة ووزارة في الوطن العربي، لأننا أصبحنا شعوب مستهلكة تقضي أكثر أوقاتها في الأسواق والمقاهي ولا وجود لها في الصروح العلمية، ويتطرق الكاتب في مقال آخر إلى موضوع الجنسية المصرية والتنازل عنها وهو موضوع لا يخص مصر بل جميع الدول العربية، ففئة كبيرة من العرب يتناولون عن جنسياتهم ليس كرهاً بها ولكن لأن هذه الجنسيات لم تعد تقدم لهم أي نوع من الضمان الإجتماعي أو الإقتصادي خصوصاً بعد التقدم في العمر فيصبح الإنتماء أكبر حيث يوجد ذلك الأمان الشخصي والعام".
وأوضحت أبو شرار : "لفت إنتباهي مقاله النادر حول أن النرويج لديها أكبر مخزون للحبوب في العالم فهو خبر أو مقال مميز وهام ولم أقرأ عنه من قبل وبه إفادة علمية كبيرة لشعوب لا تغفل حتى أدق الأمور، ويقول الحكيم الصيني "كونفوشيوس":"مهما بلغت درجة إنشغالك، فلابد أن تجد وقتاً للقراءة، وإن لم تفعل...فقد سلمت نفسك للجهل بمحض إرادتك". مقال رائع يتحدث عن أن القراءة من تحديات الناقد؛ فالإنسان الذي لا يقرأ جاهل بقرار ذاتي. وربما يكون على الناقد أن يقرأ أكثر من الكاتب لأنه هو من يحمل العدسة المكبرة ولن يستطيع أن يعرف قيمة ما يقرأ إن لم يكن لديه مخزون ثقافي يساعده على النقد والتحليل، ولم يكتفي الكاتب بالموضوعات المتنوعة السابقة بل كتب عن موضوع بمنتهى الأهمية وهو: "أولادك إستثمارك" وأهميته تكمن بأن بعض الآباء فقدوا هذه النظرة لأبنائهم ومنهم من يعتبر أن حياته أهم من أولاده، وأن عمل المرأة أهم من تربية أولادها وأولويات كثيرة تم تغييرها وشطب البعض منها وإدراج أخرى بآخر القائمة، أما عن التحرش والإنتماء الوطني، فهذا مقال يمثل فكر نقي صحيح ولابد من تعميمه وتدريسه في المدارس، لأنه يمس فعلاً الإنتماء الوطني والغيرة على القيم والأخلاق هي في صلب الإنتماء الوطني، ولكن موضوع هام لفت إنتباهي وهو:"هل أفريقيا حاضرة في الشعر والأدب المصري!"، تساؤل هام جدا وعلة وزارة الثقافة المصرية الإجابة عليه، فمصر جزء من أفريقيا ولكن هناك فجوة ثقافية عميقة بين أفريقيا ومصر رغم رغبة أفريقيا بهذا التقرب، فأوروبا أفردت إهتمام كبير للثقافة الأفريقية ولها مساحة واسعة على الساحة الأفريقية ولها علاقات قوية مع الكتاب والأدباء الأفارقة فلماذا تقصر مصر بهذا المضمار رغم أهميته وهي من أهم الدول الأفريقية!"
وختمت أبو شرار مقالها قائلة: "ولم يكتفي الكاتب بهذه المقالات الغنية الثرية إنسانياً وثقافياً وعلمياً والتي وضع بها جهد لا يستهان به من حيث البحث والأرقام والمعلومات بل أفادنا بمقالات علمية أخرى على درجة عالية من المستوى العلمي، هناك كتب تقرأها وتشعر بأن نافذة ما أو نوافذ عديدة تم إغلاقها في التفكير والنفس والعقل، ولكن هذا الكتاب بكل رحابته الفكرية والنفسية وطاقته الإيجابية الثقافية تفتح نوافذ وأبواب، لأنها مقالات أدبية وعلمية وثقافية ومعلوماتية تضيف لنا ولا تأخذ منا، من أجمل الكتب التي قرأتها لأنها شاملة متنوعة عميقة وجميلة".
أرسل تعليقك