الرباط ـ وسيم الجندي
تُعيد مكتبة خزانة القرويين التي تعود إلى القرن التاسع، افتتاحها للجمهور في سبتمبر/ أيلول بعد أعوام من الترميم في شمال شرق المغرب، مع نظام أمني مشدد، وقناة تحت الأرض لحماية المخطوطات الثمينة.
وأوضحت عزيزة شاوني، المهندسة المكلفة بترميم المكتبة وإحدى مواطني فاس، قائلة "لقد كان الأمر بمثابة التئام الجروح، وعثر على الباب الحديد على طول الممر، والذي كان يربط المكتبة بمسجد القرويين، ويشكل الإثنان مركز للتعلم والحياة الثقافية في فاس، وتم الاحتفاظ بداخل المكتبة على المجلدات الأغلى، فضلًا عن الاحتفاظ بمفاتيح الأقفال الأربعة الخاصة بالمكتبة لدى 4 أشخاص مختلفين، ويجب أن يتواجد كل منهم لفتح الباب".
وتضم المكتبة نظام صرف صحي جديد وقناة تحت الأرض بعيدًا عن الرطوبة التي تهدّد بتدمير العديد من المخطوطات الثمينة، إضافة إلى مختبر جديد متطور للحفاظ على المخطوطات ورقمنة النصوص القديمة، وتشمل الآلات المتطورة ماسحات ضوئية رقمية يمكنها تحديد الثقوب الصغيرة في لفات الورق القديمة، وآلة للحفاظ على المخطوطات تمدها بسائل ترطيب لمنع التشقق، وهناك غرفة خاصة ذات إجراءات أمنية مشددة وأدوات لضبط درجة الحرارة والرطوبة، وتتميز المكتبة باحتفاظها بنسخة القرن التاسع للقرآن الكريم المكتوبة بالخط الكوفي المزخرف على جلد الجمل. وأضاف أحد القائمين في المكتبة "الناس الذين يعملون هنا يشعرون بالغيرة أثناء حراسة الكتب، يمكنك أن تضرنا ولكن لا تضر الكتب".
وتأتي استعادة المكتبة في الوقت الذي يجوب فيه المتطرفون في المناطق التراثية، ونفذّ متطرفو "داعش"، فظائع ثقافية ونهبوا مكتبة كبيرة في الموصل وحرقوا آلاف المخطوطات ودمروا المدن الآشورية القديمة مثل نمرود والحضر في العراق وفجروا معبد بل في تدمر ونهبوا تحف مدينة الواحة فضلًا عن تدمير المقابر والأضرحة الشيعية والقيديين المسيحيين، إلا أن هذه المشاكل تبدو بعيدة عن المغرب التي استطاعت البقاء في سلام من هذه الفتنة، وقدّم الملك إصلاحات مرضية للطبقة الوسطة دون تقويض الكثير من السلطة لدى البرلمان الذي يهيمن عليه الإسلاميون، وتمت استعادة السلام إلى حد كبير بعد احتجاجات 2011، وفي عام 2012 طلبت وزارة الثقافة من شاوللي تقييم مكتبة القرويين وكانت مفاجأة سارة لشركتها المعمارية للحصول على هذا التعاقد في مجال تقليدي يغلب عليه الرجال.
وتأسست المكتبة من قبّل امرأة في القرن التاسع هي فاطمة الفهري، ابنة تاجر ثري من القيروان في تونس، والذي جاء إلى فاس وبدأ في وضع حجر الأساس لمجمع شمل المكتبة ومسجد القرويين وجماعة القرويين وهي أقدم مؤسسة تعليم عالي في العالم، ويشمل خريجوها الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون، والمؤرخ المسلم الكبير ابن خلدون والدبلوماسي الأندلسي ليو أفريكانس، وتمتد مدينة فاس من سقف المكتبة حيث يمكنك مشاهدة شوارعها الضيقة بينما يتحرك السكان على الرغم من الصيام في الوقت الحار في رمضان، ويعمل الحرفيون في ورش العمل، وفي الأزقة الضيقة يختلط صوت مزج الجلود مع الدعوة للصلاة.
وكشف الحرفيون أنه يصعب كسب العيش هذه الأيام مع ارتفاع أسعار المواد الخام وإغراء السلع الرخيصة ذات الإنتاج الضخم التي سحبت العملاء بعيدًا، وتروي عزيزة شاولي كيف سافر جدها الأكبر على بغل من قرية أجداده في المغرب للدراسة في جامعة القرويين في القرن 19، مضيفة "كان أحد منازله هو المكتبة، لديه هذه الهالة السحرية"، وكانت شاولي التي نشأت في فاس تزور ورشة عمها في موقع النحاسين بالقرب من المكتبة في مواجهة بابها الضخم عند المدخل، وكانت تتساءل ما الذي يمكن وراء هذا الباب الضخم، وعندما تولت عملية الترميم أرادت فعل أكثر من مجرد إصلاح البلاط المكسور".
وتابعت شاولي "يجب أن تستمر في الحياة، أتمني أن تفتح المكتبة قريبًا ويأتي الجمهور ويستمتع برؤية المخطوطات للمرة الأولى، أتمنى أن يستخدمها الناس بمثابة منزل ثان لهم، قيمة المكتبة ليست في الحفاظ عليها للسياح ولكن في تأدية وظيفتها للجمهور"، وعمل المهندسون على تحديد مدى سلامة هيكل المكتبة وساعدهم في ذلك قيام فرنسا بمشروع ترميم كبير في فترة الأربعينات بهدف السماح لغير المسلمين بالوصول إلى المكتبة، وتم تثبيت ثريا جديدة في غرفة القراءة مع مكاتب خشبية مصقولة ومقاعد فضلًا عن النقوش المعقدة على الأعمدة.
ويتوقع إعادة فتح المكتبة للزوار في وقت لاحق هذا العام، ولم يتم تحديد موعد محدد إلا أن المهندسين أكدوا أن الافتتاح سيتم قبل عام 2017، وتفقد الملك محمد السادس العمل في يونيو/ حزيزان ومن المتوقع أن يدشن الملك إعادة فتح المكتبة، ويأتي تجديد المكتبة في إطار خطة استعادة مكانة فاس كعاصمة روحية ثقافية مثلما كانت لعدة قرون، حتى أصبحت الرباط مركز للحياة السياسية عندما كانت المغرب تحت الحماية الفرنسية، وترك العديد من المفكرين والمثقفين مدينة فاس ما منع من تجديد المدينة القديمة وهو ما جعلها تحتفظ بطابعها القديم حتى اليوم، وحاليًا تجري إجراءات التجديد في أماكن أخرى من المدينة وانتشرت المهرجانات الصوفية، وبدأ الشباب يعيد اكتشاف المدينة، ويتم التخطيط لإنشاء معرض يضم مجموعات قيمة من المكتبة.
وتخطط شاولي أيضا لاستعادة النهر في مدينة فاس والمعروف باسم نهر المجوهرات والذي غرق تدريجيًا في نفايات المدابغ المحلية ومياه الصرف الصحي من المناطق السكنية المحيطة، وأصبح النهر مغطى بالقمامة، مضيفة "أود أن يرى أطفالي هذا التراث، وتضم مدينة فاس أكبر شبكة للمشاة وأكبر عدد من المباني التاريخية في الداخل، وأعتقد أنه ليست مدينة للسياح فقط لكنها لا تزال تتغير وتحدث فيها تعديلات، وكنموذج للمشاة إنها مدينة رائعة للاستدامة".
أرسل تعليقك