كشف الأديب السعودي والروائي براك البلوي، أن روايته "أبواق الملائكة" تتحدث عن قضية اجتماعية، نعيش أثارها حتى اليوم، معللًا نهايتها بملائمته للأوضاع المتردية في المنطقة العربية، عمومًا. ووصف شخصيات الرواية، ومواقفها من خلال السرد، مؤكدًا أن هذا الأمر يتطلب تبادل الأدوار، سواء من خلال البطل نفسه أو البطلة، أو الشخصيات الثانوية الأخرى.
وأضاف البلوي "روايتي شخصياتها محدودة، ولم أستطع الاستمرار في ضمير المتكلم، وكذلك لم يناسبني ضمير الغائب المتعدد، وحينما أردت إدخال المعلومات الموضوعية، سردت بضمير الغائب المحدود أو المتعدد. والقارئ يبحث عما يثير اهتمامه ومن ثم يتعايش مع الحدث المتخيل، ويدخل أجواءه ولا يمكن أن يحصل هذا إن كتبت كلها بصيغة واحدة، على لسان سارد واحد، والمبدع لا يفضل تأطيره بإطار ومعيار يحد من تحليقه في سماء الإبداع، فتبادل الأدوار في السرد رأيت أن أطبقه في روايتي الأولى "أبواق الملائكة"، من دون الالتفات لما هو متداول في أغلب الروايات، ووجدته أفضل من أن يكون السرد بصيغة الراوي العليم أو ضمير المخاطب".
ونفى أن يكون حديث روايته في القاهرة، هو هربًا من البيئة السعودية، قائلًا "بيئتنا جميلة وأنيقة، وشعبنا طيب متسامح معطاء، وكون الرواية تتحدث في ظاهرها عن الحب الذي أقصد به التسامح والتعايش، وهو ما تقوم عليه حياتنا ومرهون فيه بقاؤنا، وجزيرتنا العربية تزخر بقصص الحب العذري في زمن قيس بن الملوح، وجميل بثينة وعنتر وعبلة وغيرهم، كما هناك من القصص ما يفخر به شعب الجزيرة العربية عمومًا، والمملكة على وجه الخصوص من الكرم ممثلًا في حاتم الطائي والكريم لن يكون إلا متسامحًا معطاءً بكل شيء".
وأكد أن بداية القصة نسجت أحداثها المتخيلة في المنطقة الشرقية في السعودية، ثم نقلت أحداثها بنقل الشخصيات للقاهرة ثم العودة للدمام مرة أخرى، حين تزعزع الأمن في مصر، ومن ثم استئناف أبطال الرواية مع شخصيات أخرى للدراسة ثانية في القاهرة، كما أن زياراتي للقاهرة وأماكنها الجميلة ونيلها الشامخ ومقاهيها الشعبية العريقة، استفزتني لأن يسبح الخيال المحلق من هذه الأماكن.
وتابع "في الغربة يكون الإنسان أكثر قربًا من ابن وطنه بل يكون له كالأخ والصديق والقريب، وهذا ما حدث بالفعل في تآخٍ وتلاحم ابن القرية "طارق" التي ينحدر من قرية تتبع محافظة حفر الباطن في شمال شرق المملكة مع "معافا" الذي ينتمي وينحدر من منطقة جازان في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، هكذا هي الأحداث رسمت مخططًا لها وسارت بانسيابية، من دون أن أقصد الهروب من بيئتي لكنها سارت هكذا".
وبشأن استلهامه لشخصيتي "عزام" و"معافا" من شخصيات واقعية، قال "الروائي يكتب من وحي البيئة ومن مخزونه الثقافي، لكنه قد يدمج الواقع بالمتخيل، ويضيف وينقص حسبما يجبره الحدث، وفي شخصية "عزام" الطبيب الفلسطيني، وشخصية "معافا" لم تكن تلك الشخصيتان واقعيتين طبعا، وقد يكون هناك مدلولات على اختيار الأسماء، أو الوصف للشخصية كي يحس القارئ أنه بقلب الحدث، وهذا ما حاولت فعله في روايتي، وحينما كتبت الرواية كان حاضراً في ذهني بأن لا أشتت ذهن القارئ بكثرة الشخصيات في الرواية إلا للضرورة القصوى، ومن هذا المنطلق استحدثت شخصية حسين الشخصية المسطحة، ذات الدور الهامشي المساعد، ففي المشهد الوحيد أصبح دوره ضروريا ليكن مؤانسا للطبيب "عزام" في تلك الرحلة السياحية لمصر، علماً أنني رسمت شخصية البطل الإيجابي "طارق" الملتزم بعقيدة، تنظم أفعاله وأقواله ومن غير المعقول أن أقحمه في تصرفات الطبيب في شقة القاهرة، ولم أضع له أي دور بعد هذا المشهد فمن الطبيعي اختفاؤه".
وواصل البلوي، حديثه قائلًا "أنا شخص متسامح مع نفسي أولاً ومن ثم مع الآخرين، وقد طرحت بالفعل قضية اجتماعية في روايتي، وهذه القضية لا زلنا نعيش آثارها اليوم، فقضية الإرهاب اليد الآثمة العابثة بمستقبل أبنائنا أصبحت تهدد مستقبل الأبناء، والروائي والمبدع مثله مثل أي شخص يستشعر الخطر المحدق بوطنه، فيتخندق بقلمه ضد كل ما من شأنه بث الفتنة وإذكائها وزعزعة الأمن، بل من الجمال أن يوظف الأدب في رسالة سامية، هي نشر الحب والتعايش والتسامح. وتطرقت في روايتي لقضية الإرهاب، التي حاولت تقويض أمن هذا البلد فكان رجال الأمن مع المواطن لهم بالمرصاد".
وتطرق في حديثه إلى أسباب اختيار "حفر الباطن"، قائلًا "قصدت في روايتي أن يكون البطل من بيئة بدوية بعيدة، عن موطن البطلة "زهراء"؛ مما يؤسس لفروقات اجتماعية كبيرة، كان البطل المتخيل ينحدر من قرية في الغرب من حفر الباطن، فقط لأهيئ ذهن القارئ، وأصنع حالة من التأزم من خلال هذا الحب الناشئ بين "طارق" و"زهراء"، مع الفروقات البيئية والمذهبية، أما أنني لم أتطرق لحفر الباطن، بالفعل لم أتطرق لحفر الباطن، ولم يرد أي وصف لها ولا للقرية التي ينحدر منها البطل كون روايتي صغيرة الحجم، تقع في (165) صفحة، وحاولت أن ابتعد عن الحشو الذي يقع فيه كثير من الروائيين، وهذا ما يفقد الرواية ترابطها ويبعث السأم والملل لدى القارئ".
وعن بداية الرواية بقصة لقاء "طارق" و"زهراء" في المستشفى على لسان "طارق"، ثم إعادتها بعد نصف الرواية على لسان "زهراء"، قال "الرسائل بدأت من صفحة (121)، وانتهت بصفحة (132) أي (11) صفحة هي رسائل البطلة، التي باتت تدونها في المشفى وفي غرفتها، وبغضّ النظر عن إعادة القصة مرة أخرى، وطريقة الحدث فإن الرسائل صيغت بلغة أخرى، تواكب اللحظات الرومانسية التي يعيشها حبيب ومحبوبته، ثم أنني لم أتطرق في بداية الرواية لتفاصيل شعور "زهراء" بنشوة الحب، فتم تعويضها بهذه المذكرات التي تعتبر من تقنيات الرواية، التي لها محل التقدير، حين ظهورها في القرن السابع عشر، حتى القرن الثاني عشر الميلادي، إلى أن ظهر نمط آخر في القرن الحادي عشر، يشبه نمط الرواية الرسائلية، ويعطي شعورًا للقارئ بانتمائه لهذه الشخصيات، وهذا ما حدث في رسائل زهراء، وحاولت إيصاله للقارئ".
وفسر نهاية الراوية قائلًا "بالفعل هي نهاية حزينة، لكن الوضع الذي نعيشه من حولنا في عدة دول عربية تسيل الدماء فيها، بل القتل أصبح على الهوية والانتماء للمذهب، فمن غير الممكن أن تتم الأفراح بزواج "طارق" من "زهراء" واعتبرت مشاكلنا معلقة لم يتم البت فيها، على الرغم من أن الزيجات كثيرة حصلت على أرض الواقع من كل الطرفين، ولكن أردت أن تكون النهاية مؤلمة لنشعر بمعاناة هؤلاء الأشخاص، ونعيش آلامهم، وطريق الحياة ليس مفروشًا بالورود دائما، إنما هناك آلام البشر التي صنعوها بأنفسهم، لا بد أن نستشعرها كقراء ومبدعين".
أرسل تعليقك