القاهرة - أ.ش.أ
يحتفل العالم بعد غد باليوم الدولي للتنوع البيولوجي 2014 تحت شعار"التنوع البيولوجي الجزري " ، واختير موضوع التنوع البيولوجي على الجزر ليتزامن مع تعيين الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2014 العام الدولي للدول الجزرية الصغيرة النامية ، وتشكل الجزر وما يحيطها بالقرب من المناطق البحرية الشاطئية نظماً أيكولوجية فريدة تضم أنواعاً متوطنة من النباتات والحيوانات لا نجدها في أي مكان آخر على الأرض.
وكإرث من التاريخ التطويري الفريد ، هذه النظم الأيكولوجية هي كنوز لا بديل عنها. كما أنها ذات أهمية كبيرة لسبل العيش والاقتصاد والرفاهية والهوية الثقافية لدى 600 مليون نسمة من سكان الجزر الذين يمثلون عشر سكان العالم. والأنواع الجزرية فريدة أيضاً في هشاشتها: ومن بين 724 حالة انقراض مسجلة للحيوانات خلال الأربعمئة سنة الماضية، نصفها من الأنواع الجزرية.
وخلال القرن الماضي، تعرض التنوع البيولوجي الجزري لضغوط شديدة من قبل الأنواع الغريبة الغازية وتغير الموائل والإستغلال المفرط وبشكل متزايد من تغير المناخ والتلوث. وتتأثر إقتصاديات الجزر بشكل كبير من هذه الضغوط. وتعتبر الدول الجزرية الصغيرة النامية (SIDS) من بين البلدان النامية الأكثر ضعفاً وتعتمد على حفظ التنوع البيولوجي الجزري واستخدامه المستدام من أجل التنمية المستدامة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في ديسمبر عام 2000 بموجب القرار 201/55 يوم 22 مايو يوما دوليا للتنوع البيولوجي لزيادة الفهم والوعي بقضايا التنوع البيولوجي. وخصص هذا التاريخ تحديدا لإحياء ذكرى اعتماد نص اتفاقية التنوع البيولوجي في 22 مايو عام 1992 بحسب الوثيقة الختامية لمؤتمر نيروبي لإقرار النص المتفق عليه لاتفاقية التنوع البيولوجي.
ويحتضن كوكب الأرض ما يزيد على 100 ألف جزيرة تأوي أكثر من 500 مليون نسمة. وتغطي مساحة اليابسة والمناطق الاقتصادية الخالصة لهذه الجزر مجتمعة أكثر من سدس المساحة الكلية للكرة الأرضية. فالجزر والتنوع البيولوجي البحري القريب من السواحل والمحيط بها تشكل نظما إيكولوجية مستقلة ذاتيا وذات حدود خاصة ، ولكل منها مجموعة فريدة، وعادة ما تكون محدودة للغاية من التنوع البيولوجي الخاص بها. ومن منظور تراث التنوع البيولوجي الجزري تتراوح هذه بين أغنى أنواع التنوع البيولوجي على وجه الأرض مع وجود مستويات عالية للغاية من الاستيطان ، إلى أكثرها فقرا حتى أنه لا يوجد بها إلا القليل من الاستيطان الطبيعي أو أنه غير موجود على الإطلاق. وكلا النوعين معرض لتهديدات خطيرة ويشكل أولويات عالمية في مجال الحفظ. ومن منظور الجزر ذات الموائل الغنية، نتج عن عزلة البيئات الجزرية في الغالب تطور مجموعات نباتية وحيوانية متوطنة وفريدة من نوعها.
والواقع أن 104 من 218 منطقة من مناطق الطيور المتوطنة تختص بها الجزر بصورة كلية ، بينما تتألف 36 من 143 منطقة من المناطق البيئية البرية ( حسب نظام Global 200) تتألف من جزر. وتتكون عشرة من المناطق ذات التنوع البيولوجي الشديد البالغ عددها 34 منطقة من جزر كلية (البقاع الساخنة)، بينما يتضمن الكثير من المناطق المتبقية جزراً أيضا. ويوجد في الجزر ما لا يقل عن 218 من المواقع الفردية البالغ عددها 595 موقعا والتي تأوي كل الأعداد الكلية في العالم من نوع أو أكثر من الأنواع المهددة تهديدا خطيراً . وقد تبين من تحليل عالمي للفجوات أجري مؤخرا لتغطية الأنواع الفقارية البرية داخل المناطق المحمية أن معظم الفجوات كان مكونا من "مناطق جبلية أو جزرية في الأقاليم المدارية".
وعلى الطرف الآخر، فإن بعض الجزر الصغيرة المنخفضة والجزر المرجانية النائية هي من بعض " البقاع الباردة " من وجهة نظر التنوع البيولوجي على وجه الأرض ، إذ أن بها أقل نسبة من التنوع البيولوجي على الأرض ولا يوجد فيها إلا القليل من الأجناس المتوطنة هذا إن وجدت على الإطلاق. غير أنه بالرغم من الاعتماد المفرط على التنوع البيولوجي لجميع أشكال العيش الاقتصادي على هذه الجزر الصغيرة تقريبا، فإن نسبة عالية جدا من تنوعها البيولوجي الأرضي يخضع للتهديد ويحتاج إلى شكل ما من أشكال الحماية.
وتحظى أهمية التنوع البيولوجي البحري في الجزر بالاعتراف الواسع مع وجود أكثر من نصف التنوع البيولوجي البحري الاستوائي في جزر، و 12 من 18 من مراكز دراسة الأنواع المتوطنة و7 من البقاع العشر الساخنة للشعاب المرجانية تحيط بالجزر. ومن زاوية التنوع البيولوجي يحتضن عدد من الجزر بما فيها جزر المنطقة المتجمدة الشمالية أيضا ثقافات فريدة من الثقافات التي طورت طرقا تقليدية لإدارة الموارد والتي مكنت السكان في حالات عديدة من مواصلة الحياة في توافق مع التنوع البيولوجي.
ويوفر برنامج الأمم المتحدة للبيئة فرصة فريدة بوجه خاص لبناء الجسور بين جميع الجزر وجميع الدول الجزرية في جهود لحفظ التنوع البيولوجي الجزري واستعماله المستدام وتقاسمه على نحو عادل.ومن الجزر الصغيرة إلى الكبيرة، ومن البلدان التي بها جزر إلى البلدان التي تتكون كلها من جزر، ومن البقايا القارية الضخمة إلى الجزر المرجانية النائية (الأتول) تنشأ فرص وتحديات لحفظ التنوع البيولوجي واستعماله المستدام. فالجزر نظم إيكولوجية مستقلة ذاتيا وهي ذات حدود جغرافية معرفة تعريفا جيدا وتضم عمليات وتفاعلات إيكولوجية أساسية. وتشمل الجزر جميع المجالات المواضيعية القائمة التي يجري بحثها في إطار الاتفاقية ، أي الغابات، والمياه الداخلية، والأراضي الزراعية، والأراضي الجافة وشبه الرطبة، والنظم الإيكولوجية البحرية والساحلية والنظم الإيكولوجية الجبلية. وسوف يؤدي التواصل بين النظم الإيكولوجية والتفاعل بين البيئة البحرية والبرية إلى إثارة قضايا وفرص محددة لتنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي.
وتحتل الجزر، وخصوصا الدول الجزرية الصغيرة النامية، وضعا خاصا بالنسبة للبيئة والتنمية. حيث تعتمد الدول الجزرية الصغيرة النامية اعتمادا كبيرا على حفظ التنوع البيولوجي واستعماله المستدام لتحقيق التنمية المستدامة، وهي تتعرض لتحديات وضغوط أكثر تحديدا من غيرها. وتنشأ هذه التحديات والضغوط من التفاعل بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مثل ضآلة عدد السكان وحجم الاقتصاد، وضعف القدرة المؤسسية لدى القطاعين العام والخاص ، وبعد هذه الدول عن الأسواق الدولية، وتعرضها للكوارث الطبيعية ، وتغير المناخ فيها (بما في ذلك على وجه الخصوص ارتفاع مستوى البحر) والطابع الهش للنظم الإيكولوجية البرية والبحرية (وخصوصا تأثرها بتنمية قطاع السياحة وأساليب الزراعة والحراجة غير المستدامة)، وارتفاع تكلفة النقل، ومحدودية التنوع في الإنتاج والصادرات، والاعتماد على الأسواق الدولية، وتركيز الصادرات، وتقلبات الدخل، والتعرض للصدمات الاقتصادية الخارجية. كما أن أساليب إدارة الموارد التقليدية والممارسات المرتبطة بالاستعمال المستدام للنظم الإيكولوجية الجزرية معرضة لخطر الانهيار بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الحديثة، وتتطلب اتخاذ التدابير اللازمة لإعادة إحيائها وحمايتها. وقد صرح مون الأمين العام للأمم المتحدة بأن من بين البلدان النامية، فإن الدول الجزرية الصغيرة النامية كمجموعة هي من بين أكثر الدول تعرضا للأخطار. وغالبا ما تتراكم التأثيرات الناتجة عن جوانب الضعف هذه، مما يؤدي إلى المزيد من تفاقم الأخطار على التنوع البيولوجي في تلك الدول.
إن التنوع البيولوجي ضعيفا بصورة خاصة في الجزر الصغيرة والهشة. وتتطلب نواحي الضعف والهشاشة التي تميز الجزر الصغيرة ليس اهتماما خاصا فحسب ، بل اهتماما عاجلا سواء من سكانها أو من المجتمع الدولي. فالأنواع التي نشأت على الجزر تطورت بعيدا عن المنافسة مع الأعداد الضخمة من الأنواع الأخرى ، وهي لذلك معرضة لغزوات الأنواع الغريبة. وتميل أعداد الأنواع من المجموعتين النباتية والحيوانية في الجزر إلى أن تكون بطبيعتها صغيرة ، وتتركز الأنواع عادة في مناطق صغيرة خاصة، حيث تتعرض لضغوط طبيعية وبشرية تهدد بقاءها. وتمثل هذه الأنواع أعلى نسبة مسجلة من انقراض الأنواع، وما زالت تتعرض لتهديدات خطرة من الأنواع الغريبة الغازية، وتغير المناخ وتقلباته، والكوارث الطبيعية والبيئية، وتدهور الأراضي، والتلوث البحري من مصادر أرضية.
وتضم الجزر كأستراليا ونيوزيلندا ومدغشقر وأرخبيل هاواي والجالاباجوس نسبة عالية من أنواع الحيوانات والنباتات المستوطنة والخاصة. ويحد العزل الجغرافي للجزر من هجرة الأنواع الجديدة، مما يسمح للأنواع الراسخة بالتطور إلى جانب بعض الأحياء المفترسة والأنواع المنافسة. في حين نجد أن الأنواع الغريبة الغازية التي أدخلتها الأنشطة البشرية على التأثيرات الهائلة على النظم الإيكولوجية المنعزلة كالجزر وهي من الأسباب الرئيسية وراء إنقراض الأنواع.
وباتت الجزر أكثر عرضة لدخول الأنواع الغازية بسبب نقص المتبارين الطبيعيين والأحياء المفترسة التي تسيطر على المجتمعات في النظم الإيكولوجية الأصلية. ولطالما كانت الجزر محمية إيكولوجية لم يتم تعبئتها بسبب المسافات التي تفصل ما بين المجتمعات المستعمرة، مما يحد من إحتمال الغزوات الناجحة. وتشكل الأنواع الغريبة الغازية تهديداً خاصاً للبلدان النامية الجزرية الصغيرة عبر تهديدها النظم الإيكولوجية وسبل العيش والإقتصاديات والصحة العامة للسكان.
إن التجارة المتزايدة والسياحة والنقل هي ناقلات ذات أهمية كبيرة للأنواع الغريبة الغازية وأبرز مسارات الإنتقال تصريف مياه صابورة السفن وهياكل الطحالب البحرية المترسبة على قيعان السفن ، ومواد التغليف والسلع غير المعالجة كالمنتجات الخشبية والزراعية ، والأنواع الغذائية المستوردة كالأسماك والمستوردات النباتية والبستنة ومواد النفايات والأنشطة العسكرية والعوامل البيولوجية التي تسهل مكافحة الآفات. وتقدر كمية مياه الصابورة التي تحملها السفن عبر الكرة الأرضية كل عام بما يتراوح بين 3 إلى 10 مليار طن ، والغرض من حمل هذه المياه من السفن هو توفير التوازن والاستقرار، ومع المياه تدخل دون قصد إلى السفن بعض الأنواع البحرية. وقد تسافر لآلاف الكيلومترات قبل أن يتم التخلص منها في ميناء الوجهة النهائية.
وهناك ما يقدر بنحو 7000 نوع على الأقل من الكائنات يتم حملها في صهاريج مياه الصابورة بالسفن حول العالم. وحين تلقي الكائنات في مياه شبيهة بمنشئها يمكن أن تصبح مستقرة في بيئتها الجديدة. وتتفاقم هذه المشكلة نتيجة تضاعف حجم التجارة الدولية بسبب العولمة، علاوة على أن ما يزيد على 90 % من تجارة البضائع في العالم يتم نقلها عن طريق البحر. وكان إدخال بلح البحر من النوع المعروف بـ «زيرا» إلى البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية واحدة من أسوأ حالات نقل الكائنات من خلال مياه الصابورة. فقد لوث بلح البحر امدادات المياه المحلية وأدى إلى تدمير البنية التحتية التي تقع تحت المياه، وقد بلغت التكلفة الإجمالية لرفع الآثار الناجمة عن ذلك ما يقرب من مليار دولار أمريكي في الفترة بين عامي 1989 و 2000.
وتفسر نظرية الاتزان للجغرافيا البيولوجية للجزر أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر تأثيراً سلبياً على تنوع الأنواع والأجناس على الجزر وغيرها من الموائل المنعزلة (وعلى سبيل المثال الجبال التي تحيط بها الصحارى والبحيرات التي تحيط بها الأراضي الجافة وأجزاء الغابات التي تحيط بها المناظر الطبيعية المشوهة بفعل الإنسان) تحت الظروف الطبيعية. وتفيد نظرية الجغرافيا البيولوجية للجزر بأنه يتم المحافظة على غنى الأنواع من خلال التوازن بين النسب المتعارضة من الإستيطان والتنوع ومن جهة أخرى الإنقراض. إن التوازن ما بين الإنقراض ومعدل الهجرة يحدده عاملان مهمان : المسافة من البر الرئيسي وحجم الجزيرة.
إن الجزر الكبيرة قادرة على دعم المزيد من الأنواع ولها نسب إنقراض أكثر إنخفاضاً من الجزر الأصغر لأنها تغطي مناطق واسعة ذات تنوع كبير في الموائل وفي الموارد. وتسعى الجزر الأقل إنعزالاً الى دعم المزيد من الأنواع أكثر من الأنواع البعيدة، ذلك أنها تملك نسب هجرة عالية من الهجرة. وتقوم الخبرات الميدانية بدعم هذه النظرية ولكن هناك أيضاً إستثناءات. والنباتات والحيوانات الغازية التي أدخلها البشر لا تتبع توقعات الجغرافيا البيولوجية الجزرية. فالأنواع الغريبة الغازية غالباً ما يكون لها تأثيرات تتجاوز الى حد بعيد ما يمكن أن تسعى نظرية الجغرافيا البيولوجية للجزر توقعه. فعلى سبيل المثال، تدخل الأنواع الغريبة الغازيَة جزيرة هاواي بسرعة تتخطى المعدل الطبيعي بمعدل 2 مليون مرة. وتتسبب هجرة نوع غريب غاز إلى إنقراضات عديدة وهي تتسبب بانقراضات عديدة تغير وبطريقة جزرية البيئة الطبيعية.
وتشكل الأنواع الغازية من الحيوانات والنباتات والكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض تهديدا للطيور الجزرية وتعتبر من العوامل الأكثر شيوعا التي تؤدي الى انقراضها عالمياً. ففي السنوات الـ 500 الماضية ساهمت الأنواع الغريبة الغازية في انقراض ما يقرب من نصف الطيور العالمية التي أدخلت في معظمها عبر الفئران والقطط والأمراض . وتعتبر الجزر الصغيرة الأكثر عرضة لخطر الأنواع الغريبة الغازية ، حيث نجد أن 67 % من الطيور العالمية التي تعيش في الجزر مهددة بانقراض ، مقارنة ب30 % من الطيور العالمية المهددة والتي تتأثر بها الأنواع الغربية الغازية علي القارات ، ونجد أكثر من نصف الطيور المتوطنة في جزر هاواي باتت منقرضة نتيجة فقدان الموائل ودخول الأنواع الغريبة من الأحياء المفترسة والأمراض.
نقلًا عن "أ.ش.أ"
أرسل تعليقك