فر هرتموت ريشتر من النظام الشيوعي الذي كان يحكم المانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين، سابحا باتجاه الشطر الغربي، ثم عاد ليساعد ثلاثين من مواطنيه على أن يحذوا حذوه.
وكان هرتموت ريشتر، البالغ اليوم من العمر 66 عاما، شابا عالقا وراء الستار الحديد في دولة المانيا الشرقية ويحلم بالحرية، وكان يحب السباحة في بحيرات بوتسدام في برلين.
ويقول لوكالة فرانس برس بالتزامن مع الاحتفالات بالذكرى الخامسة والعشرين لسقوط جدار برلين "وصلت الامور الى درجة ادركنا معها ان اصلاح النظام من الداخل صار امرا مستحيلا".
في كانون الثاني/يناير من العام 1966، نفذ هرتموت محاولته الاولى لمغادرة بلده، لكن تلك المحاولة "الغبية" كما يصفها، فشلت سريعا، اذ اوقف وهو متجه الى النمسا، وبحوزته اوراق ثبوتية مزورة.
وبعد اشهر قليلة، بدأت فكرة مبتكرة تراود خياله، وهي عبور قناة تيلتو سباحة للوصول الى ضفاف برلين الغربية من نهر براندبورغ.
ويقول "كانت مهمة لا يمكن الاعتماد فيها سوى على مقدرتي الخاصة فكان علي ان اطورها".
وفي احد ايام شهر آب/اغسطس، قفز الشاب في المياه الباردة للقناة، وسبح على مدى اربع ساعات لم تخل من المخاطر والقلق، وصولا الى ضفاف برلين الغربية.
ويروي قائلا "هاجمني طائر بجع، ونبحت علي الكلاب، وانخفضت حرارة جسمي، وحين وصلت الى الضفة الاخرى كنت خائر القوى".
لكن ضفاف برلين الغربية كانت ارض الاحلام والحياة الجديدة لدى هذا الشاب. وهو بدأ اولا بالعمل في مدينة هامبورغ الشمالية، ثم وسع حدود رحلته الاستكشافية للعالم الغربي الى الولايات المتحدة، حيث تعرف على حانات الجاز قبل ان يعود الى المانيا لمواصلة تعليمه.
لكن شيئا ما ظل يشده الى ما وراء الجدار، وهو الرغبة في مساعدة الراغبين من الخروج من ذاك السجن الكبير في المانيا الشرقية.
ولاحت الفرصة له لتحقيق هذه الرغبة في مساعدة مواطنيه، حين قررت المانيا الشرقية في العام 1972 تسهيل اجراءات زيارة الالمان الغربيين لاراضيها، رغبة منها في الحصول على اعتراف دولي.
واغتنم هرتموت ريشتر هذه الفرصة، فكان يستخدم سيارته لتهريب اصدقاء له ومعارف كانوا يختبئون في صندوق السيارة، ويعبر هو بهم الى الشطر الغربي، وبلغ عدد من انقذهم من الحياة في خلف الستار الحديد نحو ثلاثين شخصا.
لكن الحيلة هذه اخفقت مع شقيقته وخطيبها في الرابع من اذار/مارس من العام 1972.
فقد شك حرس الحدود به، وطلبوا منه الدخول في مكان خاص لتفتيش السيارات، وسرعان ما انقضت الكلاب البوليسية على صندوق السيارة..وحكم على ريشتر بالسجن 15 عاما.
ويروي ريشتر انه عانى من بعض التعذيب الجسدي، لكن المعاناة الاكبر كانت مع التعذيب النفسي على يد "جلادين اكثر موهبة من مدربيهم السوفيات".
وفي العام 1980، منحت سلطات المانيا الغربية بعض التسهيلات المالية لسلطات المانيا الشرقية، في مقابل الافراج عن عدد من السجناء. فنال ريشتر حريته بفضل ذلك.
بعد ذلك بتسعة اعوام، في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1989، فجرت سلطات المانيا الشرقية قنبلة من العيار الثقيل حين اعلنت فتح الحدود.
ويذكر ريشتر انه ركض باتجاه البوابة الحدودية حيث كان الناس يتدفقون بالالاف.
ويقول "بكينا معا..كنت سعيدا جدا لسكان المانيا الشرقية، وما زالت عيناي حتى الآن تدمعان لتلك الذكرى".
واقيمت في برلين معالم عدة تحيي ذكرى قتلى راحوا ضحية محاولاتهم الخروج من السجن الكبير في المانيا الشرقية..منهم من قضى قرب الجدار ومنهم من غرق في مياه النهر.
نقلًا عن "أ.ف.ب"
أرسل تعليقك