حث نائب رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى، الدول المانحة، التي شاركت في مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي عقد في القاهرة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، على الوفاء سريعا بتعهداتها المالية، بما يمكّن الحكومة من بدء خطتها المعدة لهذا الهدف، مشددا على أن "الإغاثة الإنسانية هي أولويتنا لهذه المرحلة".
وأشار مصطفى إلى ثلاث متطلبات أساسية لنجاح عملية إعادة إعمار قطاع غزة، أولها فك الحصار المضروب على القطاع من قبل إسرائيل، بما يسمح بإدخال مستلزمات إعادة الإعمار من مواد بناء ومعدات، وتوفر الأموال اللازمة لذلك، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من العمل في القطاع والإشراف عملية الإعمار.
وقال "من تجربتنا في مؤتمر إعمار غزة السابق في العام 2009، فإن توفر الموارد المالية لا يكفي، دون توفر شرطين ضروريين، الأول: إنهاء الحصار بما يمكّن من دخول مستلزمات عملية إعادة الإعمار، والثاني: تمكين الحكومة من القيام بمسؤولياتها في القطاع، هناك عشرات المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إلى القطاع الخاص، ستشارك في عملية إعادة الإعمار، وهذا يتطلب وجود حكومة مركزية قادرة على التخطيط والتنفيذ وتنسيق هذه الجهود".
وأضاف مصطفى: موضوع إعادة الإعمار معقد للغاية، فهو يحتاج إلى موارد كثيرة، وإلى تمكين الحكومة من العمل هناك بتنسيق كل هذه الجهود، قررنا أن نبدأ بالقضايا التي من الممكن أن نتعامل معها بشكل سريع وضمن الإمكانيات المتاحة.
وكشف نائب رئيس الوزراء عن تحركات لحث الدول التي أعلنت عن التزامات مالية لخطة إعادة إعمار قطاع غزة للبدء بصرف هذه التعهدات.
واستعرض مصطفى المحاور الرئيسية لخطة إعادة إعمار قطاع غزة، والتي عرضتها الحكومة الفلسطينية على المانحين في مؤتمر القاهرة، وأولها التعامل مع الإحتياجات الإنسانية والإغاثية، خصوصا الخدمات الصحية والتعليمية.
وقال: باشرنا بالفعل بتنفيذ هذا الشق من الخطة، فهناك حاجة ماسة للتعامل مع نزوح عدد كبير من المواطنين من منازلهم التي تم تدميرها، وبالتالي تمت بالفعل المباشرة ببرنامج لتقديم المساعدة المالية للمواطنين الذين تضررت بيوتهم من أجل استئجار شقق لمدة 4 أشهر في المرحلة الحالية، أو من خلال تقديم منحة مالية لمن تدمرت بيوتهم جزئيا للبدء بعملية إعادة الإعمار، بانتظار توفر الأموال اللازمة لإعادة بناء البيوت المدمرة".
فيما يركز المحور الثاني على وضع آليات لتمكين القطاع الخاص من إعادة إصلاح المنشآت الصناعية والزراعية التي تضررت جزئيا ويمكن إصلاحها بشكل سريع حتى تستطيع إعادة العمل بالإنتاج من ناحية، والمساهمة في عملية إعادة الإعمار من ناحية أخرى، مؤكدا أن خطة أعدت بالتنسيق مع القطاع الخاص والاتحاد العام للصناعات والغرفة التجارية وغيرها لهذا الهدف، "ونأمل أن نبدأ سريعا مع البنوك المحلية من أجل العمل على تمكين هذه الشركات من الحصول على تسهيلات مالية من خلال البنوك وذلك ضمن ضمانات تقدمها مؤسسات دولية".
أما المحور الثالث فيتعلق بالخدمات العامة وعلى رأسها المياه والكهرباء، حيث "شرعنا تم بإصلاح جزء من الشبكات التي تم تدميرها بما فيها محطة الكهرباء وبعض أجزاء شبكة المياه، ولا تزال فرق العمل مستمرة بعمليات الإصلاح ونأمل أن يتحسن الوضع خلال 4-6 أشهر".
وقال: كل هذا العمل يتم ضمن الإمكانيات الحالية للحكومة ريثما تبدأ المساعدات بالوصول، ليتسنى البدء بتنفيذ المشاريع الكبرى لإعادة الإعمار ضمن القطاعات والأولويات التي حددتها الخطة التي قدمناها إلى المانحين في القاهرة، والتي تم اعتمادها من قبل الحكومة كخطة عمل للمرحلة القادمة.
وأوضح نائب رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى أن خطة إعمار قطاع غزة تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف على مراحل متتالية، الأولى تحقيق الاحتياجات الطارئة للإغاثة خلال فترة ستة إلى تسعة أشهر، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة التعافي المبكر، يلي ذلك مرحلة إعادة الإعمار، والتي تشتمل على أكثر من 200 برنامج، بالإضافة إلى العديد من المشاريع الضرورية لتحقيق الأغراض الآنية والقصيرة المدى من الخطة"، مع الأخذ بعين الإعتبار الإحتياجات التصورية لقطاع غزة ليصبح ركناً من أركان الاقتصاد الفلسطيني.
وقال "بالإجمال، الهدف الأساسي لهذه الخطة إعادة إعمار قطاع غزة، وبناء اقتصاد متعافٍ من آثار الدمار والحصار".
وبدأت السلطة الوطنية الفلسطينية مؤخرا ترتيب جولة مرتقبة على عدد من الدول المانحة لحثها على الإسراع في صرف تعهداتها، بما في ذلك تعهدات سابقة للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وكذلك الاستفادة من أية موارد أخرى موجودة من خلال مشاريع تنموية تشمل الضفة الغربية وغزة بحيث تعطى الأولوية لمشاريع في قطاع غزة ضمن الخطة التنموية للحكومة".
وعن عمل الحكومة في قطاع غزة، أشار مصطفى إلى تحسن في هذا المجال، حيث يقوم أن الوزراء بالتنقل بين الضفة وغزة ويمارسون صلاحياتهم كما في الضفة.
وقال "الوضع الآن أفضل، لكنه بحاجة لتسريع تنفيذ اتفاق المصالحة، وفي المقدمة توحيد المؤسسات، وتطوير عملها بما يمكنها من تقديم خدماتها للمواطنين".
وجاء العدوان الإسرائيلي بعد أيام من تشكيل الحكومة ومنعها من المباشرة بتنفيذ هذه الإجراءات، لكن مصطفى أكد تصميم الحكومة على استكمال هذه المهمة في أسرع وقت، حيث بات موضوع توحيد المؤسسات أكثر إلحاحا من أي وقت مضى في ضوء ما حصل في قطاع غزة وفقدان جزء كبير من الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، والحكومة ملتزمة بمسؤولياتها".
وقال "بعد مؤتمر القاهرة، فإن مرحلة جديدة بدأت لإنجاز أكبر عدد ممكن من المشاريع في المجالات والقطاعات المختلفة. وهذا يتطلب ضمان استقرار الوضع على الأرض وتعاون كل الأطراف بما يضمن إنجاح تنفيذ هذا البرنامج حتى تكون فائدة لأبناء شعبنا بأكبر وأوسع قدر ممكن".
وأضاف: نحن الآن بصدد مراجعة الأرقام التي تم الالتزام بها في مؤتمر القاهرة، وقد طلبنا من الأطراف تقديم وثائق رسمية تؤكد حجم كل مبلغ يتعهد به ولأي غرض، وطلبنا أيضا منهم الاستعجال في إيصال هذه الالتزامات لأننا مقبلون على مرحلة جديدة تتطلب توفير هذه الأموال بشكل سريع لأن حجم الإحباط عند المواطنين سيكون كبيرا جدا في حال تأخرت هذه الأموال، خاصة وأن لدينا تجربة سابقة في مراحل سابقة بخصوص عدم وصول الأموال بالشكل الكافي وبالطريق المناسب، وبالتالي نتأمل تحويل هذه الأموال وبشكل سريع.
واعتبر مصطفى نتائج مؤتمر القاهرة "نجاحا بكل المقاييس للقيادة السياسية برئاسة الرئيس محمود عباس ومشروعه السياسي، فما حصل تصويت من العالم على مشروعين أساسيين وهما المشروع السياسي ومشروع إعادة إعمار غزة، وبهذا فقد وضع العالم ثقته في القيادة الفلسطينية بأن تقوم بهذه المهمة".
وتابع: المشاركة الواسعة في المؤتمر، إضافة إلى أن النتيجة المالية جيدة رغم الظروف السياسية الموجودة على الأرض وظروف الإقليم وانشغال العالم بقضايا أخرى، هي بلا شك إنجاز كبير للقيادة السياسية برئاسة الرئيس عباس ومشروعه السياسي، لأن هذا الدعم جاء بعد العدوان على غزة، وأيضا بعد خطابه في الأمم المتحدة والذي أكد فيه أن هذه الحرب، كما الحروب السابقة، تذكّرنا دائما بأهمية وضع حد للإحتلال، وأن الطريق الأمثل لذلك بعد كل التجربة الماضية هو وجود جدول زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية. نعتقد أن وجود هذا العدد الكبير من الوفود من كل أنحاء العالم ووزراء خارجية دول كبرى هو تصويت لهذا المشروع السياسي.
وقال: طلبنا 4 مليارات دولار لإعادة الإعمار لتغطية البرنامج على مدى السنوات 2014-2017، لكننا حصلنا على التزامات بـ5.4 مليار دولار، نصف هذا المبلغ تم الالتزام به من قبل الأطراف المتعددة لإعادة الإعمار والنصف الآخر لدعم موازنة الحكومة للفترة المقبلة".
وأعرب مصطفى عن تحفظ الحكومة الفلسطينية على الآلية التي أعدها ممثل الأمم المتحدة روبرت سيري لإدخال مواد البناء لقطاع غزة ، معتبرا أنها "غير كافية، فما نريده فتح كافة المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل، وليس فقط معبري كرم أبو سالم وبيت حانون. فهذه الآلية لن تكون كافية لوحدها لحل احتياجات قطاع غزة سواء لجهة استيراد مواد البناء أو التصدير، خاصة أننا مهتمون بموضوع التصدير لأنه عصب أساسي في اقتصاد غزة".
وأضاف: طالبنا بفتح معبر بيت حانون أمام مواد البناء، لأن توسيع معبر كرم أبو سالم لن يكون كافيا وحده عند بدء العمل بالحجم الكامل، خاصة عقب توفر الأموال وبدء العمل في مشاريع إعادة الإعمار، وأوضحنا للأمم المتحدة، باعتبارها الجهة المشرفة على هذا الأمر في رسالة رسمية، أننا متحفظون على هذه الآلية لأنها في اعتقادنا لن تكون كافية ونحن نقبل بها كخطوة أولية فقط.
وأوضح أن "العبرة في تنفيذ الآلية، لأنه حتى لو كانت الآلية جيدة فالمهم التنفيذ لأنه إلى الآن لم يتم تنفيذها، وما دخل من مواد بناء إلى الآن مجرد تجربة وبرأيي فإن آلية سيري لم تنجح".
وقال "نريد إدخال مواد البناء دون فرض قيود على كمياتها؛ لضمان تنفيذ برامج إعادة الإعمار والسماح لإدخال احتياجات القطاع من مواد البناء".
وأضاف: في مؤتمر 2009 تعهد المانحون بموارد جيدة لإعادة إعمار غزة، لكن النجاح كان جزئيا لعدم توفر شروط النجاح، إذ واصلت إسرائيل حصارها لقطاع غزة ما حال دون دخول المواد اللازمة لتنفيذ المشاريع، وأيضا لغياب الحكومة عن القطاع بسبب الإنقسام، هذه التجربة تؤكد أن توفر الموارد المالية لا يكفي دون فتح المعابر وإنهاء الحصار بما يمكن من إدخال مستلزمات إعادة الإعمار، ودون وجود طرف مركزي قوي للإشراف على هذه العملية، وهذا أيضا رأي المؤسسات الإقليمية والدولية بشأن عدم نجاح خطة الإعمار في 2009. هذه المرة نحن نصر على ضمانات بأن تقدم إسرائيل التسهيلات اللازمة لإعادة الإعمار بعد كل ما أحدثته من دمار في قطاع غزة.
وعرضت الحكومة الفلسطينية على مؤتمر المانحين في القاهرة خطة لإعادة إعمار قطاع غزة بكلفة تقدر بنحو 4 مليارات دولار، استندت إلى التقييمات التي أجرتها الوزارات والهيئات الفلسطينية بدعم من المؤسسات المحلية والدولية العاملة في قطاع غزة، وقد اتخذت تلك التقييمات الوضع السائد قبل العدوان نقطة انطلاق لها، مع الأخذ بعين الإعتبار الحصار المتواصل على القطاع والمفروض من قبل الإحتلال الإسرائيلي.
وتوزعت الخطة على أربعة قطاعات: القطاع الإجتماعي، وقطاع البنية التحتية، والقطاع الاقتصادي، وقطاع الحوكمة، وأخذت بعين الإعتبار الإغاثة الإنسانية السريعة، والإنعاش المبكر، وإعادة الإعمار، وذلك بهدف الانتقال من جهود الإغاثة إلى تحقيق التنمية طويلة الأمد في غزة.
وخصصت الخطة 414 مليون دولار لسد الاحتياجات العاجلة للمواطنين في قطاع غزة، و1.8 مليار دولار لجهود الإنعاش المبكر، في حين ستحتاج عملية إعادة الإعمار على المدى الطويل إلى حوالي 2.4 مليار دولار.
ففيما يتعلق بالقطاع الإجتماعي، فقد خصصت الخطة 700 مليون دولار لتوفير شبكات أمان اجتماعي أوسع، وخدمات صحية أفضل وتحسين الخدمات النفسية والاجتماعية، وتوفير فرص تعليمية أكبر، بشكل فوري، كما خصصت 183 مليون دولار لدعم عملية إعادة دمج المؤسسات.
وبحسب الخطة، يحتاج القطاع الإجتماعي بتفاصيله المتعددة إلى 701 مليون دولار، وقطاع البنية التحتية إلى 1.910 مليار دولار، والقطاع الإقتصادي إلى 1.235 مليار دولار، وقطاع الحوكمة إلى 186 مليون دولار، وبذلك تصل تكاليف إعادة إعمار القطاع إلى 4.030 مليار دولار، فيما خصصت الدول المانحة مبلغا إضافيا لدعم الخزينة العامة ليرتفع بذلك إجمالي التعهدات إلى 5.4 مليار دولار.
"قنا"
أرسل تعليقك