تمسكت ليبيا بولايتها القضائية، والتأكيد على مبدأ عدم الإفلات من العقاب، بقصد «تحقيق العدالة وتعزيز سيادة القانون»، في حين سادت حالة من الجدل في الأوساط السياسية بالبلاد بعد قرار عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، تعيين عماد الطرابلسي، أحد أبرز قادة التشكيلات المسلحة، لمهام وزير الداخلية.
وفي ثاني لقاءاته بالمسؤولين في ليبيا، التقت وزيرة العدل في حكومة الدبيبة، حليمة عبد الرحمن، بمكتبها، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وأعضاء الوفد المرافق له، مساء أمس، وبحثت معه في ملف حقوق الإنسان في البلاد.
وقالت وزارة العدل في بيانها إن الوزيرة أبدت اهتماماً بـ«تحقيق العدالة وتعزيز سيادة القانون»، والتأكيد على «مبدأ عدم الإفلات من العقاب مع ولاية القضاء الليبي».
ونقلت الوزارة عن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، شكره لحكومة «الوحدة الوطنية»، على «التعاون والتسهيلات التي قدمتها لوفده خلال الزيارة، مما يعكس التقدم في التعاون مع دولة ليبيا»، مشيرة إلى أنه أكد على «مزيد من التنسيق بين الجانبين في مجال تكريس العدالة وحقوق الإنسان».
كما تضمن اللقاء بحث أوجه التعاون حول مبدأ التكامل بما يتسق مع «القضاء الوطني» ومكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية، في عدد من القضايا ذات الأهمية المشتركة.
وكان كريم خان، الذي استقبله محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، في مستهل زيارة إلى ليبيا، التقى أيضاً الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي، بمقر البعثة في العاصمة طرابلس.
ولم تصدر البعثة الأممية، أي بيانات عن اللقاء، لكن المحكمة الجنائية الدولية، غرّدت عبر حسابها على «تويتر»، بأن المدعي العام، أعرب عن شكره لـ«الدعم القوي» من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا خلال زيارته إلى ليبيا.
في سياق آخر، أثار قرار رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة، تكليف عماد الطرابلسي، بتسيير مهام وزارة الداخلية «مؤقتاً»، موجة من الجدل في ليبيا، بالنظر إلى أن الأخير يُعد أحد أبرز قادة الميليشيات المسلحة في غرب البلاد.
وقالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، إنها تابعت «بشديد الاستياء والاستنكار» تكليف رئيس حكومة «الوحدة»، لعماد مصطفى الطرابلسي، بمهام وزير الداخلية، مشيرة إلى أن الأخير يُعد واحداً من قادة التشكيلات المسلحة، الذين يُشتبه في «ارتكابهم انتهاكات جسيمة» لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في ليبيا.
وسبق للدبيبة، إقالة وزير الداخلية اللواء خالد مازن، في يوليو (تموز) الماضي، على خلفية اشتباكات شهدتها طرابلس، مواكبة لمحاولة فتحي باشاغا دخول العاصمة، وأسند مهام تسيير الوزارة إلى بدر الدين التومي، وزير الحكم المحلي.
ورأت اللجنة الوطنية، أن الطرابلسي، يُشتبه في ارتكابه العديد من انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، خلال سنوات 2014 و2019 و2022، والمشاركة في أعمال العُنف والاشتباكات المسلحة طوال السنوات الماضية، وهو ما اعتبرته أنه يرتقي إلى «جرائم حرب»، وهو الأمر الذي نفاه الطرابلسي، غير مرة.
ورأت اللجنة، أن قرار تعيين الطرابلسي، في هذا المنصب، يُمثل «تعزيزاً لثقافة الإفلات من العقاب السائد في ليبيا»، و«يعطي الضوء الأخضر لقادة وعناصر الجماعات المسلحة بالاستمرار في ارتكاب مزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي».
كما اعتبرت اللجنة أن إسناد مهام وزارة الداخلية للطرابلسي هو، بمثابة «منح حصانة قانونية لهذه الجماعات، من المساءلة والملاحقة القضائية، جراء ما ارتكبوه من جرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا على مدار السنوات الماضية».
وذهبت اللجنة إلى أن القرار «يُمثل أيضاً انتكاسة خطيرة لقيم ومبادئ حقوق الإنسان والعدالة في ليبيا، وكذلك إجهاضاً لجهود تحقيق الاستقرار والسلام، إلى جانب إفشال مساعي هيكلة وإصلاح القطاع الأمني».
وطالبت اللجنة، حكومة «الوحدة الوطنية»، بإعادة النظر في قرارها، لما وصفته بأن له «آثاراً وتداعيات جد خطيرة على جهود ضمان حماية حقوق الإنسان وبسط سيادة القانون والعدالة في ليبيا»، كما رأت أنه يتنافى مع التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق السياسي الليبي، وتعهداتها بشأن تعزيز جهود المساءلة والعدالة، وتقديم المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان للعدالة المحلية والدولية.
ونوّهت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، إلى أن «المصلحة العامة ومقتضياتها تستدعي في مَن يشغلون مناصب أمنية مهمة، أن يتمتعوا بسجل نظيف، وليسوا متورطين في انتهاكات وقمع للحريات العامة».
وفيما أُعد بأنه بمثابة بلاغ، دعت اللجنة الوطنية، لجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا، لتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي أرقام (2174) و(2259) و(2570) و(2571)، المطالبة بملاحقة كل مَن يخطط أو يوجّه أو يرتكب أفعالاً تنتهك القانون الدولي أو حقوق الإنسان في ليبيا، وكذلك مَن يدعمون أعمالاً تهدد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو تعرقل أو تقوّض عملية الانتقال السياسي في البلاد.
وكان الطرابلسي، وهو آمر جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية، يشغل منصب الوكيل العام لوزارة الداخلية، قبل صدور قرار الدبيبة، تكليفه بتسيير مهام الوزارة، «إلى حين إشعار آخر».
وسبق لفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي السابق، تكليف الطرابلسي بمنصب نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، في ديسمبر (كانون الأول) 2020، إلى جانب كونه آمر جهاز الأمن العام بغرب ليبيا.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك