باريس - العرب اليوم
وسط إجراءات أمنية استثنائية لم يعرف قصر فرساي التاريخي والمدينة التي تحمل الاسم نفسه تدابير بهذه القسوة منذ عام 1982، بمناسبة انعقاد قمة مجموعة السبع. فالسلطات الأمنية بصدد نشر 1500 رجل شرطة ودرك، إضافة إلى أجهزة الأمن الداخلي السرية ومنع الطيران فوق الموقع ومنع توقيف السيارات وإخضاع سكان المحيط لضوابط أمنية مشددة وإغلاق للمحال التجارية والمطاعم.
ويستقبل الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يرأس الاتحاد الأوروبي حتى شهر يونيو (حزيران) المقبل، مصحوباً برئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، نظراءه لقمة استثنائية غير رسمية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ بالنظر إلى الغزو الروسي لأوكرانيا والتهديد الواضح لأوروبا وأخطار الحرب التقليدية والنووية وأزمة الطاقة وتدفق اللاجئين والمهاجرين ورغبة ثلاث دول «أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا» في الانضمام إلى النادي الأوروبي «سريعاً»، وغيرها من الملفات الحارقة المطروحة في هذه المرحلة.
وفي رسالة الدعوة التي وجهها شارل ميشال إلى القادة الـ27، ركّز على الملفات التي يريد أن تتم مناقشتها في قمة اليومي (الخميس والجمعة)، وهي كالتالي: مناقشة تعزيز القوات الدفاعية الأوروبية وخفض تبعية القارة القديمة لغاز ونفط وفحم روسيا والدفع باتجاه بناء اقتصاد أوروبي أكثر صلابة. ويبدأ الاجتماع عصر اليوم وينتهي مساء الغد. وأفاد ميشال بأن المبتغى، في اليوم الأول، بحضور رئيس البرلمان الأوروبي، هو التركيز على الوضع في أوكرانيا وعلى المسائل الخاصة بالشؤون الدفاعية والطاقة، فيما اليوم الثاني سيركز فيه على بلورة نموذج اقتصادي ــ استثماري ــ مالي صلب بحضور رئيسة البنك المركزي الأوروبي ورئيس مجموعة «يوروغروب».
واستبق ماكرون القمة بالإعلان أمس، بمناسبة استقباله رئيس وزراء هولندا، أن «الحرب على التراب الأوروبي تفرض علينا أن نقوم بالمزيد وأن نستخلص منها كل النتائج على المديين القصير والمتوسط»، مشيداً بـ«الوحدة التاريخية» التي أظهرها الأوروبيون بعد انطلاق الغزو الروسي و«سرعة اتخاذ القرار». ونوه ماكرون بـالتنسيق الوثيق بين الأوروبيين في الأسبوعين الأخيرين وبالتواصل مع الحلف الأطلسي ومجموعة السبع. أما مارك روته، فقد رأى أن الرسالة الرئيسية للقمة، باتجاه روسيا، يجب أن تكون «وحدة أوروبا في مواجهة الاعتداء الروسي الهمجي والخالي من أي شفقة». ورداً على الذين كانون يدعون لـ«استقلالية استراتيجية» أوروبية بعيداً عن الأطلسي، قال المسؤول الهولندي إنه «علينا العمل بشكل أكثر وثوقاً مع الحلف الأطلسي لحماية بلداننا» ما يعني عمليا التمسك بالمظلة الأميركية ــ الأطلسية في زمن الشدة.
أما الدعوة لوقف مشتريات منتجات النفط والغاز من روسيا، فقد رأى روته، على غرار العديد من القادة الأوروبيين، أن «تصرفا كهذا غير ممكن» بالنسبة للأوروبيين الذين يواجهون تحديات «أكبر من التحديات الأميركية»، بسبب التبعية في مجال الطاقة لروسيا. وفي عرضها القمة، عصر أمس، استبعدت مصادر الإليزيه استجابة أوروبية لطلب أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا الانضمام سريعاً إلى الاتحاد الأوروبي، داعية للالتزام بموقف أوروبي موحد من جهة ومن جهة ثانية توجيه رسالة لأوكرانيا وللآخرين بأن الانضمام إلى النادي الأوروبي «ليس الأولوية في الوقت الحاضر». وفي ردها على سؤال لـ«الشرق الأوسط» قالت هذه المصادر: نقول لأوكرانيا وغيرها إنكم «جزء من الأسرة الأوروبية» وهذه رسالة سياسية. ولكنّ هناك أصولاً وقيوداً تمنع الضم السريع لأي عضو جديد، إذ يتعين أن تتوافر له جميع الشروط والمؤهلات للانضمام، وأن هذا يتطلب مفاوضات طويلة وشاقة، وأن الانضمام «لا يتم بين ليلة وضحاها». وأضافت هذه المصادر أن الأهم اليوم هو وقف الحرب «الفظيعة» التي تضرب أوكرانيا وتنشيط المبادرات الدبلوماسية من أجل وضع حد للحرب الدائرة اليوم. وفي أي حال، ترى هذه المصادر أن انضمام دولة من 44 مليون نسمة (أوكرانيا) كما يطالب رئيسها زيلينسكي بشكل متواتر «لا يمكن أن يقرر بين ليلة وضحاها».
بيد أن هذه المصادر لم تشر لرفض روسيا انضمام أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا التي يجمع بينها أن موسكو اعترفت بوجود كيانات انفصالية داخلها. وأشارت مصادر سياسية أخرى لـ«الشرق الأوسط» إلى أن رد روسيا على اتفاقية الشراكة بين كييف وبروكسل في عام 2014 وعلى مظاهرات ساحة «ميدان» التي أسقطت النظام السابق الموالي لموسكو كان اجتياح شبه جزيرة القرم وضمها لاحقاً واقتطاع جزء كبير من منطقة الدونباس عن أوكرانيا بعد حرب أوقعت 14 ألف قتيل من الجانبين. وثمة سبب آخر لتردد أوروبا لا يشير إليه المسؤولون وهو أن الانضمام، وفق معاهدة لشبونة لعام 2007، يلزم الدول الأوروبية بتفعيل المادة 42، الفقرة السابعة من الاتفاقية المذكورة التي تلزم جميع أعضاء النادي الأوروبي «في حال تعرض دولة عضو لاعتداء مسلح خارجي على أراضيها بتقديم المساعدة والدعم بكل الوسائل المتوافرة». وهذا يعني عملياً أن الدول الـ27 في حال أصبحت أوكرانيا عضواً، تدخل الحرب إلى جانبها ضد روسيا، وهذا ما لا يريده الحلف الأطلسي ولا الأوروبيون.
وتجدر الإشارة إلى أن السويد وفنلندا أرسلتا كتاباً للقادة الأوروبيين تطلبان فيه حماية الاتحاد في حال تعرضهما لعمليات عسكرية روسية. وستوكهولم وهلسنكي عضوان في الاتحاد، ولكن ليس في الحلف الأطلسي. وفي أي حال، فإن زيلينسكي واجه رفضاً أوروبياً ــ أطلسياً لطلب الانضمام إلى الحلف وإلى الاتحاد، وبشأن طلب إقامة منطقة حظر طيران. رغم ما سبق، فإن باريس تنظر إلى القمة الأوروبية على أنها «قمة الانتفاضة الأوروبية والسيادة»، وترى أن الرد الأوروبي على الغزو جاء «سريعاً، موحداً وقوياً» من خلال عزل الرئيس بوتين وفرض أقسى عقوبات ممكنة. وقال الأوروبيون إنهم «يحضرون لعقوبات إضافية. بيد أن هذه العقوبات لن تشمل قطاع الطاقة بسبب تبعية أوروبا للغاز والنفط والفحم الحجري الروسي، إلا أن أحد أهداف القمة، وفق الإليزيه، هو «البحث في كيفية الحد من التبعية» لروسيا، ما يعني ضرورة التوصل إلى خطة مشتركة تركز على المديات القصيرة والمتوسطة والطويلة، مع الحرص على خفض استهلاك الطاقة والبحث عن موارد بديلة، وأيضاً التوجه نحو الطاقة النووية، «وهو أمر خلافي بين الأوروبيين»، والاستثمار في تطوير الطاقة المستدامة وباختصار: الذهاب نحو الاقتصاد النظيف.
يبقى أن ملف أوروبا الدفاعية سيكون حاضراً بقوة، إلا أن الملاحظ أن مصادر الإليزيه لم تشر إلى تبني ما يسمى «البوصلة الاستراتيجية» التي كانت أحد المحاور الرئيسية للقمة حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا. وبحسب باريس، فإن الهدف هو «التوصل إلى استراتيجية مشتركة» بحيث تقوي الجناح الأوروبي للحلف الأطلسي ولا تكون بديلاً عنه بالتوازي مع تعزيز الاستثمارات في القطاعات الدفاعية مثلاً في إنتاج طائرة المستقبل المشتركة التي تعمل عليها فرنسا وألمانيا أو دبابة المستقبل أو الطائرات المسيرة التي أثبتت فاعليتها في حرب أوكرانيا.ويريد الأوروبيون تعزيز التعاون والتنسيق مع الحلف الأطلسي الذي ينتمي إليه غالبيتهم والذي بيّنت الأحداث أنه المظلة الوحيدة التي يراها الأوروبيون قادرة على حمايتهم.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك