نشرت عمليات متكررة، اختطاف نشطاء سياسيين في قطاع غزة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، المخاوف من استخدام حركة "حماس" الحاكمة في القطاع، نوعًا من الترهيب ضد معارضيها، تُجرى تحت مظلة "الانفلات الأمني" المحسوب، بعدما كانت تستخدم القبضة الحديدية الرسمية ضدهم.
ولم يجد الكثيرون من سكان القطاع، تفسيرًا مقنعًا لما يحدث، سوى أن الحركة الحاكمة تريد أن تبعث برسائل قاسية من دون أن تظهر في الصورة، ما أثار قلقًا متناميًا حول الحريات التي تتعرض أصلًا لتضييق كبير. وتزامنت عمليات الاختطاف "مجهولة الهوية"، مع عمليات "اعتقال" نفذها "النظام الرسمي" في غزة، ضد نحو 17 من النشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي وصحافيين، وصفتهم حماس بـ"مروّجي الشائعات"، قبل أن تفرج عن بعضهم، بعد التوقيع على تعهدات لدى أجهزتها الأمنية، وتبقي على آخرين ستقدمهم للقضاء.
وطالت الاعتقالات، كلًا من الصحافية تغريد أبو ظريفة، والناشطة النسوية، رويدة سليمان أبو محارب. في حين رفض كثيرون ممن أفرج عنهم أو اختطفوا، الحديث إلى "الشرق الأوسط"، في مؤشر على حجم الرعب والخوف الذي تركته عمليات الاختطاف أو الاعتقال في نفوسهم، لم يتردد محمود الزق، أمين سر هيئة العمل الوطني التي تضم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، من اتهام حماس مباشرة بالوقوف وراء اختطافه وضربه وتعذيبه قبل أسابيع.
وقال الزق، وهو أسير محرر قضى عشرات السنوات في السجون الإسرائيلية وأُبعد إلى خارج فلسطين: "إن الرسالة التي أوصلها الخاطفون لي بعد الضرب والتعذيب، تؤكد أن من يقف خلف عملية الاختطاف هم من الجهات التي تحكم قطاع غزة". وأضاف: "حماس تتحمل المسؤولية الكاملة وما حدث كان تنفيذًا فعليًا لتوصيات عليا".
ويعاني الزق، الذي يبلغ من العمر 62 عامًا، من أمراض ناتجة عن اعتقاله لدى الاحتلال لسنوات طويلة. وكان قد اختطف من وسط حي الشجاعية شرق غزة، المكتظ بالسكان، وفي وضح النهار، بعدما أوقف 4 مسلحين سيارته وأخرجوه منها بالقوة، ثم عصبوا عينيه واقتادوه إلى جهة مجهولة.
ويشرح الزق كيف قاموا بالاعتداء عليه، وطلبوا منه عدم الحديث في القضايا السياسية، والتزام منزله، وعدم الخروج منه. وقال: "ينم هذا عن عقلية متوحشة تلجأ إلى أساليب مرفوضة أخلاقيًا ووطنيًا". ويربط الزق بين ما حدث معه، ومواقفه السياسية التي يتحدث بها علنًا، وفي الاجتماعات التي تحضرها الفصائل بما فيها حركة حماس.
وكان الزق أحد أكثر السياسيين الفلسطينيين الذين انتقدوا تشكيل حماس للجنة الإدارية، واصفًا ذلك بأنه منحى خطير وجدي في مسار الانقسام، ويذهب بغزة إلى الانفصال، ويعني ضرب المشروع الوطني وضرب الهوية الوطنية. وقال الزق "أنا تصديت لذلك وقلت لحماس إن عليها أن تتخلى عن نهج تحويل الانقسام إلى انفصال، وأن تنهي عمل تشكيل اللجنة الإدارية التي قامت بتشكيلها بعد أن أفشلوا عمل حكومة الوفاق". وأضاف: "انتقدت بشدة، أيضًا، اختلاق الأزمات في قطاع غزة. تحدثت عن أزمات الحياة من كهرباء ومياه وغيره، وحالة الفساد في إدارة ملف الكهرباء... أعرف أن غالبية المواطنين من الطبقة المسحوقة مقتنعون بما أقوله، لكن حماس اعتبرت تصريحاتي تحريضًا عليها، ما دفعهم لارتكاب جريمة بشعة بحقي"، على حد قوله.
وأردف "ما حدث معي ومع غيري ليس إلا فلتانًا أمنيًا لمنظومة أمنية متكاملة". والزق ليس الأول أو الأخير الذي اختطف. وعلى الرغم من أن اختطافه ترك ضجة كبيرة، بما في ذلك داخل حماس نفسها، التي خرج نائب رئيس مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق مطالبًا الحكومة بفك لغز اختطافه، تكررت عمليات الاختطاف بعد ذلك. فقد اختطف مجهولون الناشط عبد الله أبو شرخ، وقبل يومين اختطفوا الناشط عامر بعلوشة (أعلنت شقيقته نور على صفحتها في "فيسبوك"، عن إطلاق سراحه ظهر الأحد). وأوضحت مصادر مطلعة لـ"الشرق الأوسط"، أنه "أثير أمر هؤلاء لأنهم معروفون، لكن هناك آخرين ما زالوا مختطفين". وأضافت: "4 ناشطين على (فيسبوك) على الأقل، اختطفوا في الفترة الماضية، وبعض المعارضين لحماس المحسوبين على تيارات متشددة ولا يعرف مصيرهم حتى الآن".
وذكر عضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض: "نحن على أبواب الفلتان الأمني". وأضاف: "لكنه فلتان رسمي. إن الذين تعرضوا للاختطاف والاعتقال تلقوا تهديدات بعدم الحديث في السياسة وانتقاد سلطة الأمر الواقع في غزة". وتابع: "هذا مؤشر على أن هناك مجموعة خارج الأجهزة الأمنية في غزة، تقوم بمثل هذا الدور الذي يهدف إلى تكميم الأفواه ويمنع الرأي والرأي الآخر". وحذّر العوض من مغبة الاستمرار في هذا النهج، مطالبًا الأجهزة الأمنية في غزة بردع هذه المجموعات التي انفلتت في الآونة الأخيرة.
ويرى العوض أن على سلطة الأمر الواقع في غزة (حماس) "أن تتحمل الانتقادات والآراء الأخرى، وأنه في حال كان لها أي إجراءات يجب أن تتبع القانون ضد معارضيها وليس من خلال سياسة الاختطاف والتهديد"، مضيفًا: "هذه السياسة لن تصمد ولن تكسر إرادة كل صاحب رأي، وبالعكس تحفزنا على مزيد من الدفاع عن قضايا الوطن ووحدته والمواطنين وكرامتهم وحقوقهم".
وانتقد العوض "غضّ الأجهزة الأمنية البصر عن الخاطفين". وعمليًا لم تعقب وزارة الداخلية التابعة لحماس على الأمر مطلقا، إذ لم تؤكد أن عناصرها يقفون وراء الاختطافات ولم تنف ذلك أيضًا. لكن العوض قال إن حماس تنصلت من أي مسؤولية عن عمليات الاختطاف، عندما أثير الأمر في لقاءات فصائلية.
وقال نافذ المدهون من مركز الميزان لحقوق الإنسان، إن ما يجري يعد أحد مظاهر الفلتان وتغييب القانون. داعيا الجهات الأمنية إلى العمل على وضع حد لنموذج "أخذ القانون باليد". ودعا المدهون في حديث لـ"الشرق الأوسط"، الجهات الأمنية لفتح تحقيق في جميع الحالات، بغض النظر عن الخلفيات، وتقديم المسؤولين عن عمليات الاختطاف إلى القضاء لضبط الأوضاع الأمنية وللتماشي معها قانونيًا.
أرسل تعليقك