يعد الببغاء الأسترالي الليلي من الطيور التي تعيش في المناطق الأسترالية النائية لأكثر من 100 عام، وروت بعض القصص عن مشاهدته في حانات الصحراء أو المخيمات النارية، وتم الإبلاغ حاليًا عن مشاهدة الببغاء الأسطوري ولكن دون تأكيد، ويصف العلماء ومراقبو الطيور وحتى الشعراء هذا الطائر بكونه بعيد المنال والأكثر غموضًا في العالم, وأنشأت مجموعة بوش للتراث الأسترالي محمية العام الماضي من أجل حماية ببغاوات الليل، وتعد المجموعة غير هادفة للربح، وتدير أماكن خاصة من أجل حفظ النباتات والحيوانات المحلية، وجاء الكثيرون إلى هذه المحمية رغبةً في رؤية ببغاء الليل وعلى الرغم من وجوده إلَّا أن رؤيته مسألة ليست بسيطة.
وعلى الرغم من كون الببغاء الليلي بعيد المنال إلَّا أنَّه كان طائر شائع بصورة معقولة في معظم أنحاء أستراليا الداخلية، ووصف للمرة الأولى من قبل العلماء عام 1845م وسُجلت رؤيته عدة مرات في عام 1870، وقبل ذلك ربما بآلاف السنين حظى الطائر بأهمية بين الشعوب الأولى في وسط أستراليا بما في ذلك "شعب مايوالي" وهم أصحاب أرض المحمية، وأوضح داريل ليون من مايوالي الذي يعيش في كيرنز أن أسلافه كانوا يستخدمون ريش ببغاء الليل في الملابس الإحتفالية لرقصات المطر المشهورة بين الجماعات المجاورة، ولكن حدث شيء ما قبل حوالي 100 عام، ففي عام 1912 تم ضبط ببغاء ليلي حي وكانت هذه آخر رؤية مؤكدة قبل أن تصبح هذه الأنواع أسطورية.
وكان العلماء يشككون في إنقراض هذه الأنواع، ونشر الشاعر دوروثي بورتر كتاب كامل من القصائد باسم الببغاء ويركز على الطيور الغامضة، وفي عام 1989 عرض رجل الأعمال المحافظ ديك سميث مكافأة 25 ألف دولار لمن يكتشف ببغاء حيًا أو ميتًا، ويذكر أن ثلاثة من علماء الطيور المرتبطين بالمتحف الأسترالي كانوا يقودون في الطريق جنوب غرب ولاية كوينزلاند وتوقفوا على جانب الطريق من أجل تصوير بعض الطيور، وكان اثنان من هؤلاء من بين عدد قليل من الرجال الذين تعاملوا مع ببغاوات الليل، وأثناء عودة المجموعة إلى السيارة شاهد أحدهم طائر ميت على الطريق وقد قتلته السيارة وكان الطائر ببغاء الليل، وعلى الرغم من قتله إلَّا أنَّ هذا يعنى أنَّ النوع لا يزال على قيد الحياة، وزعمت الجماعة أن البحث عن الببغاوات الحية بدأ بشكل جدي.
ولم يتم العثور على أي ببغاء لمدة 16 عامًا، حتى عثر على طائر آخر ميت ملقى على الأرض دون رأس في الجنوب الشرقي، ويعتقد أن الطائر قطع رأسه بنفسه على خط السياج، وبعدها لم يعثر على شيء حتى 7 سنوات، ولكن فتحت القضية مرة أخرى عام 2013 عندما عثر عالم الطبيعة جون يونغ على ببغاء حي في صورة بكاميرته الخاصة، وبعد 15 عامًا و17 ألف ساعة من البحث عن الصورة قدم يونغ سجلًا تاريخيًا لأول رؤية مؤكدة لببغاء الليل خلال أكثر من قرن من الزمان، وعرض الصورة وفيديو صوتي إلتقطه على مجموعة من العلماء، وبعد مرور عامين حصل عالم البيئة ستيف ميرفي وزوجته راشيل بار على ببغاء واحد وإستطاعوا جمع بيانات موثوقة للمرة الأولى.
وكان شئ لا يصدق أن يتم جمع بيانات حاسمة تساعد في العثور على المزيد من الطيور ومن ثم الحفاظ عليها، وعلى الرغم من حفاظ ميرفي على الببغاء إلَّا أن شئ ما حدث خطأ وجُرح الطائر، وأضاف ميرفي, " إذا كان هناك أي طريقة أخرى لفحصه كنا سنفعلها"، وحتى هذا اليوم كان ميرفي وزوجته بار فقط هم الأحياء الذين تعاملوا مع ببغاء الليل، وبالإضافة إلى يونغ فهناك ثلاثة أشخاص أكدوا رؤية الببغاء.
وواصل ميرفي وزوجته بار دراسة الطائر منذ عام 2005، وقاموا بربط جهاز راديو للتعقب في الطائر الذي وجدوه وعلى عكس وصف القرن التاسع عشر يبدو أن الطائر عاش لفترة واسعة وكان يسافر مسافة 8 كيلو متر في بعض الليالي، واستطاع ميرفي مراقبة الببغاء في الليل وشوهد وهو يخرج بهد حوالي ساعة من غروب الشمس للاختلاط مع بقية ببغاوات الليل الأخرى، ونجح ميرفي في التقاط تسجيلات لنداءات الببغاء وصديقه ما فتح النافذة لإجراء المزيد من البحوث وإنشاء محطة للتسجيلات، وتمكنوا من تسجيل 4500 نداء، وعلموا أن الببغاء يتزواج بعد هطول الأمطار، وأضيفت هذه الاكتشافات للمعرفة الضئيلة لدى الباحثين.
ويصل حجم الببغاء البالغ إلى 24 سم، وعندما يطير الببغاء يظهر ريشه الأصفر في جناحيه ويمكن ملاحظة ذلك من خلال صور الطائر حيًا وميتًا، ويعيش الطائر في وسط أستراليا القاحلة وشوهد في القرن التاسع عشر في البر الرئيسي في كل ولاية والإقليم الشمالي، وأشارت بعض التقارير إلى بقاء الببغاء بالقرب من الماء والشرب منه والمكوث بجانب أعشاب سبينفيكس، إلَّا أن ملاحظات ميرفي أشارت إلى أن الأمر ربما لا يكون كذلك، ويصدر الببغاء أصوات مختلفة بعضها يشبه الجرس والبعض الأخر مثل صوت الضفادع، ولا تزال المعلومات عن الموائل التي يعتمد عليها الطائر وما يأكله بالضبط وأين يبني عشه غير معروفة.
وإتجه ميرفي في بحثه عن الببغاء الليلي إلى المناطق التي يكثر بها تواجد عشب سبينفيكس حيث يعتقد أنها المناطق المثلى للعثور على الببغاوات، وسار ميرفي لفحص المنطقة سمعيًا إستخدام ميكروفون طويل وسماعات الرأس لتسجيل كل ما يحدث، ويقول ميرسفي أنه سمع في الليالي السابقة ما يصل إلى ستة أصوات فردية في وقت واحد، موضحًا أنه يركز على الاستماع لصوت يشبه الجرس أو صوت يشبه صوت الضفاع، ويعتقد ميرفي بوجود العشرات أو ربما 100 من الطائر جنوب غرب ولاية كوينزلاند، موضحًا أنه من المحتمل العثور على أعداد في مناطق أخرى ولكن لم يستطع أحد العثور عليها.
ويعد العثور على الطائر بالنسبة لميرفي وغيره أكثر من مجرد فضول، ولكن يرتبط الأمر بمهمة حماية طائر لا يعرف عنه شئ وهو ما يعد أمرًا مذهلا، وعاد ميرفي وفريق مجموعة بوش للتراث الأسترالي إلى الأساسيات، حيث إشترت المجموعة قطعة أرض يُعرف أن الطائر متواجد فيها وعُرفت باسم محمية "بولن بولن"، وتضم المحمية الكثير من عشب سبينفيكس حتى يجثم الطائر فيه، فضلا عن وجود فجوات بين العشب تمنع انتشار الحرائق، وتم التركيز أيضًا على إستبعاد إثنين من أكبر التهديدات المحتملة للطائر وهما القطط والبشر.
وذكر مدير فرع شمال أستراليا من مجموعة بوش للتراث الأسترالي, روب ميرفي, "يعتبر البشر مصدر قلق حقيقي" مشيرًا إلى مجموعات الصيادين، ويعد طائر نادر مثل الببغاء الليلي مصدر للمال الوفير بالنسبة لجامعي الطيور، ويقول ميرفي أنه أذيع أن سعر الببغاء وصل إلى 50 ألف دولار لكنه ليس لديه فكرة عما إذا كان ذلك حقيقيا أم لا، وفي المحمية تم تثبيت كاميرات تعمل بالطاقة الشمسية وتتصل بالأقمار الصناعية لمنع الصيادين والتقاط صور لأي شيء يحدث داخل المكان.
وأضاف ميرفي, "نحن محظوظون جدًا لأنه ليس هناك الكثير من شبكات الطرق في هذه المحمية حتى نتمكن من السيطرة على الناس الذين يدخلون ويخرجون"، ويسهل التحكم في البشر نسبيًا إلَّا أنَّ القطط تعد مصدر للقلق حيث تنتشر في جميع أنحاء أستراليا، ولذلك تم تجربة حل جديد يتعلق باستخدام فخاخ تكنولوجية للقطط اخترعها عالم البيئة جون ريد تقوم بنشر السم في فراء القطط، وبالاعتماد على حقيقة أن القطة تقوم بلعق جسدها لتنظيف نفسها فإنها تموت من أثر السم.
ويخطط ستيف ميرفي وزوجته إلى إجراء دراسات مقبلة بعد الحصول على بعض المعلومات عن الببغاء الليلي، حيث يسعون للإمساك بطائر أو طائرين وتثبيت أجهزة تعقب متطورة في أجسادهم، ومن خلال أجهزة GPS وأجهزة التتبع التي تظل في الطيور لمدة اسابيع يستطيع الباحثون تسجيل الأماكن التي يزورها الطائر، وربما يبدوا ذلك قدر محدود من المعلومات ولكن هذا كل ما يمكن الوصول إليه، مضيفا " نحاول الحصول على أجزاء بسيطة من المعلومات وتجميعها معا لبناء صورة منطقية".
ويشعر ميرفي بالقليل من الشك في احتمالية العثور على طائر الببغاء الليلي، حيث قضى بعض الأيام محاولًا الإستماع إلى أصواتها ولم يسمع شيء إلَّا أن رحلته في البحث عن هذا الطائر تشير إلى أنه عدم سماع أصواتها لا يعني أنها غير موجودة.
أرسل تعليقك