بدأت الشرطة في إندونيسيا في شن حملة اعتقالات، في إطار التحقيق الذي تجريه بعد الكشف عن حسابات "تويتر" وهمية تنشر الأخبار الكاذبة، حيث تعتقد الجهات الأمنية أنها كشفت عملية لبث أخبار سرية وهمية تهدف إلى إفساد العملية السياسية وزعزعة استقرار الحكومة، بحسب صحيفة "غارديان" البريطانية.
وفي سلسلة من الاعتقالات في أنحاء الأرخبيل خلال الأسابيع الأخيرة، كشفت السلطات عن أعمال داخلية لشبكة انترنت جهادية أعلنت نفسها باسم "الجيش السيبراني المسلم"، وتتهم الشبكة الإلكترونية التي كشفت عنها الشرطة بنشر أخبار مزيفة وخطاب كراهية لإثارة الانقسامات الدينية والعرقية، وإشعال الغضب ضد المثليين من الرجال والنساء، والشيوعيين والصينيين في إندونيسيا، ونشر محتوى تشهيري لإضعاف مكانة الرئيس.
ونقلت صحيفة غارديان عن الشرطة الإندونيسية، إن الشبكة كانت تُدار من خلال التواصل عبر مجموعة على تطبيق "واتسآب" تُدعى "أسرة الجيش السيبراني المسلم"، وقد تم تكليف أحد أفراد المجموعة بتخزين محتوى يثير الانقسامات ليتم نشره، في حين تم استخدام فريق "قناصة" منفصل لاختراق الحسابات ونشر فيروسات الكمبيوتر على الأجهزة الإلكترونية لخصوم الجيش السيبراني، وقالت الصحيفة إن تلك هي المرة الثانية التي يتم فيها إلقاء القبض على مجموعة من هذا النوع؛ مما زاد من المخاوف بشأن قابلية تأثر إندونيسيا بالانتشار الخبيث للأخبار المزيفة.
أكاذيب وحسابات مزيف
ولفتت الصحيفة إلى أن إندونيسيا وهي أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة بالعالم، وتُعتبر من بين أكبر خمسة دول مستخدمة لتطبيقات "فيسبوك" و"تويتر" على مستوى العالم، لذا يرى البعض أن ليس من الغريب أن يظهر التشدد الديني والانقسام العنصري على الإنترنت بشكل كبير، ففي في هذه البيئة وُلد جيل الجيش السيبراني المسلم، وازدهرت في مجتمع مليء بالحسابات الإلكترونية المزيفة والصراع الرقمي والأكاذيب.
وكشف تحقيق أجرته هيئة "غارديان" على مدار أشهر عدة، عن مجموعة منشقة من الجيش السيبراني المسلم على تويتر، وأظهر التحقيق نظاما يضم أكثر من 100 حساب وهمي آلي وشبه آلي، وروابط بين الجيش الإلكتروني وأحزاب المعارضة، وكذلك الجيش بالإضافة إلى تفاصيل 103 حالات من التحريض "الوحشي"من قبل "الجهاديين الإلكترونيين".
وحدّدت الصحيفة هدف الشبكة الوحيد، وهو نشر "تغريدات" منظمة ومصممة لتأجيج الانقسام الاجتماعي والديني، وتعزيز التطرف الإسلامي ومناهضة الحكومة، مؤكدة أن الرسائل التي تم تصميمها من قبل المجموعات الإلكترونية شديدة الذكاء لتلتمس التعاطف الإسلامي الواسع.
كانت الشبكة الإلكترونية الإندونيسية تعمل بين شهري يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني 2017، تشتمل على جميع علامات برنامج "بوت" للحسابات الوهمية الآلية وشبه الآلية، وكانت المشاركات بشأن اضطهاد المسلمين في ميانمار وفلسطين مختلطة بقضايا أخرى محلية، مثل كراهية الأقلية الصينية، أو دعم شخصيات إندونيسية متشددة، وغالبًا ما كانت المشاركات متماثلة، مع تكرار نفس النص، وفي بعض الأحيان، تغرد الحسابات ب 30 مرة في اليوم، كانت جميع الحسابات مُبهمة، بدون اسم أو مكان، بحسب الصحيفة.
ويوضح هذا الاكتشاف كيف تعمل مجموعات المصالح المختلفة داخل شبكة الجيش السيبراني من أجل أغراض سياسية شائنة، كما يسلط الضوء أيضًا على سهولة اللعب بشبكات التواصل الاجتماعي، خاصةً تويتر، مع وجود جيوش من الروبوتات، حسابات شبه مؤتمتة ومزيفة، من السهل نسبياً التأثير على الإدراك العام، أو دفع هاشتاج إلى قائمة مؤشرات، أو هندسة استطلاع على الإنترنت، علمًا أن مشكلة الأخبار الزائفة برزت في إندونيسيا خلال الانتخابات الرئاسية في 2014، إذ انتشر خطاب معاد للصين والمسيحية في جاكرتا، وعززت تهم أضرت بالحاكم باسوكي تجاهاجا بورناما "أهوك"، بعد انتشار أخبار زائفة حوله، بهدف منع إعادة انتخابه.
وركزت الأخبار على خلفيته الإثنية "صيني" ومعتقداته الدينية باعتباره مسيحي، ما أجج الانقسامات الداخلية الدينية في إندونيسيا، وخاصة بعد نشر ادعاءات بأن الرئيس الإندونيسي يُعتبر جزء من مؤامرة صينية للسيطرة على البلاد، ما أدى إلى اندلاع موجهات عنيفة ضده، وبسبب تلك الجيوش الإلكترونية؛ تم استهداف الأشخاص الذين اعتبروا أنهم انتقدوا الإسلام على حسابات وسائل التواصل الاجتماعية بشراسة، وترهيبهم، وضربهم، وإجبارهم على تسجيل اعتذارات بالفيديو، وفي بعض الحالات كانت هذه الأنشطة بموافقة صريحة من الجيش الإندونيسي.
ويهتم دامار جونيارتو، من شبكة "حرية التعبير" في جنوب شرق آسيا، بدراسة الجيش السيبراني المسلم، إذ أكد أنه وجد أربع مجموعات منهم، كل مجموعة لها جدول أعمال خاص بها ولكنها منشقة في مجموعات، وحتى الآن تحاول الشرطة البحث عمن يقف وراء الشبكة، ولكنهم يدركون تمامًا أنه من المؤكد وقوف ممول واحد على الأقل مؤثر سياسيًا وراء الشبكة، بينما يصف المتخصصون في الشأن الاستراتيجي الرقمي، الشبكات السيبرانية مثل الجيش السيبراني المسلم، بأنهم يقومون بحرب نفسية تحدث في "العصور المظلمة للإنترنت".
وتعمل الجمعية الإسلامية الأكبر في العالم "نهضة العلماء"، على تصعيد المعركة ضد الأخبار الزائفة في البلاد، بمساعدة خبراء في تكنولوجيا المعلومات، وتركز الجمعية التي تضم نحو 50 مليون عضو، على تمويل المستشفيات والحفاظ على المدارس الداخلية الإسلامية، لكنها حددت أهدافًا جديدة لها في مجال التكنولوجيا، إذ بدأت بالتعاون مع خبراء في مجال تكنولوجيا المعلومات وبعض المجموعات المؤيدة لها، والعمل لكشف سلسلة من الخدع الطائفية والأخبار الكاذبة المتداولة، منذ عام 2016، على تطبيق "واتساب" وموقعي "فيسبوك" و"تويتر".
أرسل تعليقك