عناصر من شرطة الاحتلال
القدس المحتلة، لندن ـ محمود قزموز/ سليم كرم
أثارت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المرتقبة إلى عدد من دول الشرق الأوسط، من بينها إسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن، التكهنات بشأن مدى تأثيرها على تحريك عملية السلام بين الجانبين، فيما حوّلت سلطات الاحتلال مدينة القدس إلى "ثكنة عسكرية"، لسبب إجراءاتها الأمنية المشددة، عشية زيارة
أوباما للمنطقة.
ويجمع الفلسطينيون، على اختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الحليف الأول للاحتلال، ويتمنون في الوقت ذاته أن تشكل زيارته بداية سياسة أميركية جديدة في المنطقة.
وأكد الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية اللواء عدنان الضميري، في تصريح خاص لـ "العرب اليوم" جاهزية السلطة الفلسطينية التامة لاستقبال أوباما، وشدد على أهمية هذه الزيارة، لاسيما وأنها تأتي بعد إعلان فلسطين "دولة مراقب في الأمم المتحدة"، مضيفًا أن هذه الزيارة ينبغي أن يجسد فيها الأمن الفلسطيني السيادة الفلسطينية على الأرض.
في حين رأى محللون سياسيون أن التحفظ الرسمي الأميركي بشأن أهداف الزيارة، يهدف إلى الحد من التوقعات، فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي.
وصب نشطاء فلسطينيون جام غضبهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على الرئيس أوباما، وقالوا "إن أوباما غير مرحب به في فلسطين، ما دام الدعم الأميركي لإسرائيل مستمرًا وبلا حدود"، وانتشرت في رام الله لافتات تدعو أوباما لترك هاتفه الذكي في بيته لأن الاحتلال الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من استخدام تقنية الجيل الثالث (3G) التي تتيح الاتصال الدولي المتنقل، كما وانتشرت لافتات اخرى تدعوه للحضور باكرًا خشية تأخيره على حاجز قلنديا العسكري.
وأنتجت مجموعة من الناشطين الفلسطينيين أغنية بعنوان "أوباما جاي"، والتي تحاول إيصال رسائل سياسية عدة بأسلوب ساخر وناقد، حيث تصور الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدى قدومه إلى مدينة رام الله، عبر حاجز قلنديا الإسرائيلي الفاصل بين مدينتي رام الله والقدس، ليعلق في أزمة سير خانقة، يعاني منها الفلسطينيون يوميًا، ولا يجد ما يبعد عنه حر الصيف على ذلك الحاجز، إلا بائع عصائر محلي، وتحاول الأغنية التركيز على المواقف السياسية الأميركية من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لاسيما الانحياز الأمريكي لإسرائيل، من خلال استعمال حق النقض "فيتو" مرات عدة، لإحباط أي قرارات دولية لمصلحة الفلسطينيين وضد إسرائيل، حيث تصور الأغنية الرئيس الأمريكي وهو يرفع ورقة كتب عليها بالإنكليزية "veto" وذلك لإبعاد مجموعة من الأطفال كانوا يلعبون في أحد الشوارع الذي حاول الرئيس الأمريكي السير فيه.
وتزامنًا مع هذه الاحتجاجات، بدأت الاستعدادات الفلسطينية الأميركية المشتركة تمهيدًا لزيارة أوباما بمشاركة وفود أمنية ودبلوماسية من الطرفين.
وأكد العقيد غسان نمر مدير دائرة الإعلام في الحرس الرئاسي "إنه وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، سيشرف الحرس الرئاسي بصورة تامة على ترتيبات زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمدينتي رام الله وبيت لحم، بما يحافظ على السيادة الفلسطينية".
وأشار نمر إلى أن "الحرس الرئاسي وضع خطة كاملة، كانت محمل إعجاب واحترام وموافقة الوفد الأمني للرئيس أوباما، ما يعني أن المواطن الفلسطيني لن يرى سوى طاقم الحرس الرئاسي، وطواقم الأجهزة الأمنية الأخرى، في المناطق والمحاور التي سيقوم الرئيس الضيف بزيارتها، سواءًا كان ذلك أثناء زيارته لمدينة رام الله أو مدينة بيت لحم".
فيما أعلنت الشرطة الإسرائيلية، أن "حوالي 5 ألاف شرطي سينتشرون يوميًا، وعلى مدار الساعة، في أنحاء مدينة القدس كافة، للحفاظ على الأمن أثناء زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي تبدأ الأربعاء، وتستغرق 3 أيام، إضافة إلى مساندة جهاز الأمن العام (الشاباك) الذي يقوم بتنفيذ مهامه ومسؤوليته، والتي تتضمن تأمين سلامة حياة الشخصيات المهمة".
وأوضحت شرطة الاحتلال أنه "سيتم إلغاء العطلات العادية والمستحقة كافة لعناصر الشرطة أثناء هذه الزيارة، كما تم الإعلان عن تشكيل قوات مشتركة من جهات أمنية مختلفة، والجبهة الداخلية والجيش، وأنشأت غرف للقيادة والإشراف والتنسيق على عمل هذه القوات في الفنادق التي يستضاف فيها الرئيس الأميركي والوفد المرافق له"، مشيرة إلى أن "نحو 1000 شرطي سيقومون بتأمين أوباما والوفد المرافق من مكان هبوط المروحية الخاصة باستقبال الملوك والرؤساء التي ستقله من مكان إلى آخر، حتى نهاية الزيارة".
وأفادت مصادر من القدس لـ"العرب اليوم"، أن "دوريات الشرطة الإسرائيلية تنتشر في شوارع وطرقات مدينة القدس كافة، وسط انتشار مكثف لجنود الاحتلال وتسيير للدوريات الراجلة والمحمولة والخيالة في شوارع وطرقات المدينة".
وذكرت بعض الصحف البريطانية، أن الزيارة، التي تبدأ الأربعاء، وتُعد الأولى لأوباما منذ أن أصبح رئيسًا في كانون الثاني/يناير عام 2009، قد يكون لها تأثير كبير على الوضع في الشرق الأوسط، وأنها تمثل فرصة لإعادة بدء المحادثات الإسرائيلية / الفلسطينية التي توقفت منذ العام 2010، بعد استئناف إسرائيل بناء المستوطنات.
وقالت صحيفة "التايمز" البريطانية، في مقال لمراسليها روجر بويز ووزميلته تشيرا فيرنكيل، "إن زيارة أوباما إلى إسرائيل تُشكل أملاً أكثر منه تغييرًا، يؤكد من خلالها للإسرائيليين أن واشنطن لا تزال مهتمة بمنطقة الشرق الأوسط، وأن الرئيس الأميركي سيصل إلى منطقة محفوفة بالمخاطر، فالحرب الأهلية في سورية لا تبعد كثيرًا عن الحدود الشمالية لإسرائيل".
وأكد الكاتب والصحافي والروائي الإسرائيلي ديفيد غروسمان، في مقال له في صفحة الرأي في جريدة "يديعوت أحرنوت" العبرية، أن "حكومة نتنياهو التي أدت اليمين الدستورية الإثنين، ليست مهتمة بالتوصل إلى اتفاق يضمن قيام دولة فلسطينية، وأنه حتى في حال تبني نتنياهو مبدأ التوصل إلى حل الدولتين فإنه لن يجد له شريكًا في هذه الحكومة الجديدة".
وتساءلت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، في تقرير لمراسها أليستر دوابير، "هل يستطيع أوباما التوصل إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط؟"، مضيفة أنه "على الرغم من خيبات الأمل المتتالية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أن الدبلوماسيين يرون في زيارة أوباما إلى إسرائيل فرصة ذهبية، لتحريك عجلة المفاوضات المتعثرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأن أوباما سيحتاج خلال هذه الزيارة المقررة الأربعاء، إلى الاستعانة بكلمتين كانتا هما شعارا حملته الانتخابية في 2008، (الأمل والتغيير)، وذلك ليكون بمستوى التوقعات التي يتوقعها له الجانبان في محاولته الجديدة لرأب الصدع بين الجانبين".
ورأى الكاتب دوابير أن "الشعب الإسرائيلي فَقد الأمل في التوصل إلى أي حلول بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، ويظهر ذلك الأمر جليًا في استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها صحيفة (معاريف) العبرية في وقت سابق، والتي أظهرت أن 10 % فقط من الإسرائيليين يرحبون بزيارة أوباما للبلاد، وأن الفلسطينيين غير متفائلين أيضًا بالزيارة، كما أنه من المتوقع أن تستغرق الزيارة إلى الأراضي الفلسطينية أقل من 5 ساعات"، فيما يتوقع أن تكون قضية الأسرى الفلسطينيين من المواضيع الأولى التي سيتطرق إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارة أوباما إلى الضفة، وذلك بحسب تصريحات لأحد المسؤولين الفلسطينيين.
وأضاف تقرير "الإندبندت" أن "أوباما استطاع التوصل إلى إقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان في 2010، إلا أن المفاوضات بين الجانبين لم تستطع إحراز أي تقدم يذكر، واليوم تؤكد الحكومة الاسرائيلية بأن وتيرة بناء المستوطنات في إزدياد بكثير عما قبل، ومن المقرر أن يعقد أوباما اجتماعًا مع نتنياهو لمدة 5 ساعات، قبل أن يتوجه إلى الضفة الغربية للقاء الرئيس عباس، ثم يتجه إلى عمّان لمناقشة أزمة اللاجئين السوريين مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني".
أرسل تعليقك