أثار قرار رئيس الحكومة، هشام المشيشي، المتعلق بإقالة وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، جدلا واسعا في الساحة السياسية، خاصة لوجود علاقة ما اعتبره البعض أسبابا غير موضوعية تقف خلف هذا القرار، في وقت تعالى فيه الحديث عن تحوير وزاري مرتقب في الحكومة.وكان المشيشي قد أعلن أول أمس في بيان مقتضب نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة أنه قرر إعفاء وزير الداخلية توفيق شرف الدين من مهامه، على أن يتولى بنفسه الإشراف على وزارة الداخلية بالنيابة في انتظار تعيين وزير داخلية جديد.
وفي تفسيره لأسباب الإقالة قال المشيشي في تصريح صحفي مساء أمس الأربعاء إنها تأتي على خلفية ارباكه للمؤسسة الأمنية من خلال إجراءه تحويرات طالت مناصب عددا كبير من القيادات الأمنية دون علم أي طرف من وزارة الداخلية ودون الرجوع لرئيس الحكومة، على حد قوله.
وفي هذا الصدد، قال النائب عن الكتلة الديمقراطية نبيل حجي لـ"سبوتنيك"، إن من صلاحيات رئيس الحكومة الدستورية أن يقيل ويعين وزراء في حكومته باستثناء وزيري الخارجية والدفاع اللذان يجب أن يتشاور بشأنهما مع رئيس الجمهورية.
وتابع "لكن المنطق والشفافية يفرضان على رئيس الحكومة أن يفصح عن أسباب إقالة وزير الداخلية قبل أن يتم اختيار من سيعوضه"، منتقدا تنصيب المشيشي نفسه وزيرا بالنيابة للداخلية في مشهد مشابه لأساليب الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ويرى حجي أن قرار الإقالة غير مفاجئ باعتبار أن الأحزاب الداعمة للحكومة وفي مقدمتها حركة النهضة وقلب تونس صرّحا علنا يوم جلسة منح الثقة أنه سيتم تغيير سبعة وزراء في الحكومة وعلى رأسهم وزير الداخلية توفيق شرف الدين.
واعتبر حجي أن قرار الإقالة مدبّر ومدروس منذ البداية، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة هشام المشيشي خضع لضغط وابتزاز أحزاب حزام الحكومة البرلماني وخاصة حزبا النهضة وقلب تونس.
وقال حجي إن تأخر رئيس الحكومة في الإعلان عن سد الشغورات الحاصلة في وزارتيْ الثقافة والبيئة مردّه إما الخوف من عدم نيل الثقة في البرلمان، أو أن الأحزاب الداعمة له تناور وتبتز من أجل تعيين مواليين لها في الوزارات الشاغرة.من جانبه اعتبر النائب عن حركة الشعب عبد الرزاق عويدات في حديثه لـ"سبوتنيك" أن خلفيات الإقالة تتوزع بين أسباب ظاهرية وأخرى باطنية مخفية.
وأوضح، أن السبب الظاهر يتمثل في أن وزير الداخلية أصدر جملة من التعيينات لم تعجب رئيس الحكومة فأقاله، وبالتالي فإن الإقالة مردّها عدم احترام وزير الداخلية المقال توفيق شرف الدين للتسلسل الإداري وقيامه بتعيينات دون استشراة رئيس الحكومة.
وأضاف أن القرينة الدالة على ذلك هو إصدار المشيشي لبرقية أبطل بمقتضاها تعيينات وزير الداخلية.
أما عن الأسباب الباطنة فيتفق عويدات مع الحجي في أن الحزام البرلماني الداعم لحكومة هشام المشيشي هو من ضغط في اتجاه هذا القرار.
ومن بين المسؤولين الذين أقالهم وزير الداخلية توفيق شرف الدين، المسؤول الأمني في سفارة تونس في باريس المحسوب على الشق الأبرز الداعم للحكومة وهو حركة النهضة.
وقال عويدات إنه ليس من المنطقي أن يقع إقالة وزير الداخلية لسبب يمكن التراجع عنه دون اتخاذ قرار الإعفاء، وتابع "وبالتالي فإن فرضية مطالبة الحزام البرماني بتغيير الحكومة واردة جدا".
ويتوقع عويدات أن لا يقتصر رئيس الحكومة على إقالة وزير الداخلية، وأن تحمل الأيام القادمة إقالات أخرى.
على الجانب الآخر، يذهب النائب عن التيار الديمقراطي رضا الزغمي إلى القول إن "الخلافات الحادة التي مرت بها هذه الحكومة منذ تكليف المشيشي بتتشكيلها من قبل رئيس الجمهورية تفسر ما بلغه الوضع اليوم".
وأوضح الزغمي في تصريح لـ "سبوتنيك" أن سبب الإقالة قد يعود إلى الخلاف الدائر بين رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس الجمهورية قيس سعيد، والذي أشعله انحراف الأول عن المسار الذي رسمه الثاني في عدم احترامه للتوجه نحو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة بعيدة عن الأحزاب وانحيازه للائتلاف البرلماني الذي به ضمن لاحقا مرور حكومته.
وقال الزغمي إن وزراء في الحكومة الحالية جاؤوا بدفع أو توصية من رئيس الدولة قيس سعيد ومن بينهم وزير الداخلية المقال توفيق شرف الدين المحسوب على رئيس الجمهورية، مضيفا أن "شرف الدين أراد أن يكون وزيرا فعليا للداخلية وأن يمارس صلاحياته ويتدخل بشكل مباشر في التعيينات في المناصب الأمنية العليا وهو ما لم يرق لرئيس الحكومة الذي اعتبر ذلك تجاوزا له".
ولفت الزغمي إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الجمهورية رفقة وزير الداخلية المقال والتي تظهر أن وزير الداخلية يتعاطى مباشرة مع رئيس الجمهورية أكثر من تعاطيه مع مسؤوله المباشر رئيس الحكومة.
وأكد الزغمي أن الأيام القادمة ستحمل تحويرا وزاريا مرتقبا سيشمل وفقا لمعلوماته 6 حقائب وزارية، من بينها الوزارات الثلاثة الشاغرة وهي حقيبة الداخلية، حقيبة الشؤون الثقافية، وحقيبة البيئة والشؤون المحلية. وأضاف أن التحوير قد يشمل أيضا وزرتيْ الصناعة والصحة، أما الحقيبة الثالثة يقول الزغمي إنه يتحفظ عن ذكرها.
من جانبه، يرى المحلل السياسي الفاضل الطياشي أن إقالة وزير الداخلية ستكون فاتحة لإقالات أخرى قد يكون السبب الرئيسي فيها هو الضغوطات التي تمارس منذ فترة على رئيس الحكومة هشام المشيشي من قبل الحزام السياسي الداعم له ممثلا أساسا في حركة النهضة وحزب قلب تونس وبدرجة أقل ائتلاف الكرامة.
وقال الطياشي لـ"سبوتنيك" "لم يعد خفيا على الجميع الضغوطات التي تمارسها هذه الأحزاب من أجل دفع المشيشي إلى القيام بتحوير وزاري وتحويل صبغة الحكومة من حكومة كفاءات مستقلة إلى حكومة حزبية يشرّك فيها أسماء تنتمي إلى هذه الأحزاب".
وتابع أن هذه الضغوطات ستتدعم بوجود شغور في وزارتيْ الثقافة والبيئة يضاف إليهما الشغور الأخير في وزارة الداخلية، مضيفا أنه "من الطبيعي أن يحتم ذلك التحوير الوزاري لأن الحكومة لا يمكن أن تسير بوزراء بالنيابة".
وأشار الطياشي إلى وجود نوع من تصفية الحسابات بين القصبة وقرطاج، قد تدفع المشيشي نحو استبعاد الوزراء المحسوبين على الرئيس قيس سعيد حتى تكون الحكومة تحت إشرافه تماما.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
رئيس الحكومة هشام المشيشي يرجئ زيارته إلى إيطاليا
الجيش التونسي يتدخل بعد نزاع بين الأهالي على قطعة أرض خلف قتيلا و60 جريحا
أرسل تعليقك