دمشق - العرب اليوم
تختلج سكان مدينة القامشلي مشاعر متباينة؛ غالبيتهم ندّدوا بالهجوم العسكري التركي، وفصائل سورية موالية، فيما يشكّك آخرون بجدية المباحثات المزمع عقدها مع النظام الحاكم، والتطمينات الروسية، ويرى آخرون أنّ الانسحاب الأميركي أعاد رسم حدود مناطق التماس في بلد مزقته نيران الحرب منذ 8 سنوات ونصف السنة.
رافع إسماعيل (36 سنة)، الذي يمتلك بسطة شعبية بوسط سوق القامشلي المركزي يبيع عليها مستحضرات التجميل والعطور، وصف الإعلان الأميركي عن سحب القوات بمثابة ضوء أخضر لتركيا لشن هجومها على المناطق الكردية وشرق الفرات، وقال: “ترك صدمة وخيبة أمل، هي دولة منافقة تبيع الشعوب المضطهدة بالمزادات بهدف مصالحها”.
وأضاف رافع الذي كان واقفًا أمام عربته، وبدت عليه علامات الاستغراب والحيرة مما آلت إليه الأوضاع في مسقط رأسه بعد الهجوم التركي الأخير، أن “قوات سورية الديمقراطية” قد خاضت حروبًا ضد تنظيم داعش الإرهابي على مدى 5 سنوات، ولم يخفِ رغبته ببقاء القوات الأميركية لحماية شعوب المنطقة، رغم التطمينات الروسية التي صاحبت تسيير دوريات مشتركة مع تركيا في مناطق شرق الفرات.
وتصدرت ساحات القامشلي وأعمدة الكهرباء والشاخصات الإعلانية صور رجال ونساء قتلوا في الحرب ضد تنظيم داعش المتطرف. ويوميًا في هذه المدينة تشيع جنازة، وتجوب شوارعها احتجاجات شعبية منددة؛ سابقًا كانت للضحايا الذين قضوا نحبهم في معارك ضد التنظيم، أما اليوم فهم أولئك الذين يقتلون بعد أنّ شنت القوات التركية وفصائل سورية متحالفة هجومها عبر الحدود في وقت سابق من الشهر الماضي.
وتقول هيفين، البالغة من العمر ثلاثين عامًا، التي تنحدر من مدينة القامشلي، وتعمل موظفة لدى الإدارة الذاتية الكردية، إن: “أميركا من يومها خائنة؛ كنت متوقعة هذا القرار، مصالحها انتهت وفرغت من حروبها، وتخلت عن حلفائها الأكراد. أنا خائفة جدًا على مصيرنا، فالمنطقة باتت على صفيح من نار”.
أما سولين، التي كانت برفقة صديقتها هيفين، حيث تتجولان في سوق المدينة المركزية، فأعربت عن مشاعرها المشوشة منذ الهجوم التركي الأخير، ونقلت أنها لم تعد تشعر بالحياة، وكل شيء قد انقلب رأسًا على عقب في مدينتها، وقالت: “الكل خانوا الأكراد، أميركا وروسيا وتركيا، وحتى النظام الحاكم، نحن شعب من دون سند أو دعم”.
وأعرب سيامند (53 سنة)، الذي يمتلك متجرًا لبيع الأحذية الرياضية والرجالية بالسوق المركزية في القامشلي، عن أن الإعلان الأميركي أربك المنطقة برمتها، وأدخلها بنفق مظلم، وأشار إلى أن “قرار ترمب مخيب للآمال. وإذا انسحبت بشكل كامل، ستفتح الأبواب لفوضى عارمة، وتدخل المنطقة في حروب لا تنتهي”، وقلل من أهمية التدخل الروسي، ورعاية الاتفاق بين الحكومة السورية والقوات الكردية، منوهًا: “لا أحد يثق بروسيا ووعودها؛ عودة النظام تعني عودة القبضة الأمنية والاعتقالات، والأمثلة كثيرة في درعا وحمص وغوطة دمشق”.
غير أن الهجوم التركي، والانسحاب الأميركي، والتدخل الروسي، أعاد رسم خريطة سورية العسكرية بشرق الفرات مرة أخرى. ووسط الاشتباكات الدائرة في محيط بلدة تل تمر ورأس العين شمالًا، الواقعتان بالقرب من الحدود مع تركيا، ينتظر فرهاد وأسرته، بلا حول ولا قوة، معرفة ما ستتمخض عنه المنافسات والتحالفات سريعة التغير، وعبر عن حالته اليوم قائلًا: “انتهينا من توضيب الحقائب. في حال تجدد الاشتباكات أو عودة القوات النظامية، سنهرب إلى إقليم كردستان العراق، كحال معظم المدنيين وسكان المدينة”.
ويصر مسؤولون أكراد على أن الاتفاق مع دمشق عسكري بحت، ويقتصر فقط على انتشار قواتها في نقاط حدودية، ولا يمس بمؤسسات الإدارة الذاتية التي أنشأوها منذ عام 2014.
قد يهمك أيضًا
قائد قوات سورية الديمقراطية يعلن أن الهجوم التركي مستمر ونحمل ترامب والولايات المتحدة مسؤولية ذلك
الجيش السوري ينتشر في ريف القامشلي لحماية السكان من الأتراك
أرسل تعليقك