استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة
آخر تحديث GMT11:33:23
 العرب اليوم -

كنوزها مجهولة سياحيًا وعلوها يحتاج إلى لياقة بدنية

استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة

رحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ
لشبونة - العرب اليوم

ثمّة لحظات تشعر فيها بأن الحياة مثل "لشبونة" متهاوية دعائمها، هجرها الودّ وانسدلت عليها الكآبة واستقرّ في حناياها الحنين، البعض يرى في ذلك جمالاً، أما هنا فنبحث وراء ذلك عن الجمال كلما قادتنا الرغبة وحملنا الشوق إلى هذه المدينة الرابضة عند مصبّ نهر التاج الشقي في المحيط البارد.

ويُعد من أهم ما يُميز لشبونة أنها مدينة تحنّ إليها في كل مرة تغادرها، تحنّ إلى الشوارع الضيقة التي تصعد نحو السماء تاركة البحر على أقدامها، وإلى ضوئها الشفّاف الذي نزفت تحته مئات القصائد في ساعات الصباح الأولى.

موقعها وأسرار تسميتها

تقع لشبونة عند أقصى الطرف الأطلسي للقارة الأوروبية الذي انطلق منه البحّارة أواخر القرن الخامس عشر بحثاً عن بلاد الهند فوصلوا تائهين إلى ما أسموه العالم الجديد، ولا شك في أن هذا الموقع، مضافاً إلى وجود البرتغال على خاصرة إسبانيا، هو الذي جعلها شبه منسيّة سياحيًا طوال عقود إلى أن بدأ العالم مؤخرًا يكتشف مفاتنها ويتهافت على مواطن الجمال ومطارح السحر المعشّشة في ساحاتها وزواياها، بعد كل زيارة يعاودك الحنين إلى هذه المدينة التي تقرأها مثل كتاب لا ترغب في الوصول إلى نهايته، وتشعر بأن لك فيها حياة سابقة تطالعك ذكرياتها في وجوه أو مطارح تألفها العين ويرتاح لها الفؤاد؛ مثل روما، فهي مبنيّة على سبع هضاب تتعرّج في حناياها شوارع ضيقة تظلّلها البيوت القديمة، وتكثر فيها الساحات والنوافير التي تقوم حولها عشرات المقاهي الأثرية التي يرتادها البرتغاليون بشغف وانتظام.

جولة عبر التاريخ

ندخل لشبونة من جسر فاسكو دي غاما، البحّار الشهير الذي دار حول القارة الأفريقية عند رأس الرجاء الصالح، لنطلّ منه على القرميد الأحمر الذي يعلو سطوح المدينة الهادئة في انسجام معماري قلّ نظيره بين العواصم الأوروبية.

وأول ما يطالعنا هي قلعة القديس جاورجيوس المبنية على شكل حصن عند مدخل الحي العربي القديم Alfama، وهو اسم مشتقّ من كلمة "الحمّة" التي تعني عين ماء حارة، وهذا الحي كان وسط المدينة عندما كانت تحت الحكم الإسلامي من عام 714 حتى مطالع القرن الثاني عشر؛ لكن في العصور الوسطى راح سكان المدينة الميسورون ينزحون عنه باتجاه الغرب وبقي حيّاً للصيادين والفقراء.

وعندما تعرّضت لشبونة للزلزال الكبير عام 1755 تدمّرت بكاملها باستثناء حي آلفاما الذي لم يفقد خصائصه التاريخية المهمة التي ما زالت قائمة إلى اليوم، مثل المسجد الكبير الذي تحوّل إلى كاتدرائية.

ونترك الحي القديم وراءنا ونتجّه صعوداً نحو حي Chiado، ملتقى الفنانين والأدباء والشعراء، الذي يشرف على المدينة من باحة سانتا لوسّيا. في الطريق إلى هذا الحي نعرّج على دير الجيرونيموس الذي يُعتبر درّة الفن البارّوكي في البرتغال وحيث يوجد ضريح شاعر البرتغال الكبير فرناندو بيسّوا وراء رخامة نُقِش عليها النص التالي: «يغالبني النعاس، وأتوسّل الآلهة أن تواريني هنا في صندوق يحميني من مرارات الحياة وحلاواتها». وقد بُني هذا الدير من الأموال التي جمعتها الدولة من الضرائب التي فرضتها على التوابل في القرن السادس عشر.

ونواصل طريقنا من هناك أمام نُصب المكتشفين. أحد أهم معالم المدينة التي تفتخر ببحّارتها، ثم نعبر بجانب برج بيت لحم الذي بناه ملك البرتغال منتصف القرن السادس عشر لحماية المدينة من جهة النهر، والذي وضعته اليونيسكو على قائمة التراث العالمي.

وقبل مغادرة الحي الواطئ La Baixa في طريقنا صعوداً، نتوقّف عند «المدفأة الباردة» التي هي بمثابة حديقة للنباتات الاستوائية في وسط المدينة. تذكّرنا بالمستعمرات البرتغالية التي كانت منتشرة في أفريقيا والبرازيل. من هناك نستقلّ مصعد سانتا جوستا الذي يريحنا من عناء تسلّق الشوارع الشديدة الانحدار، والذي بناه المهندس الفرنسي بونسار صديق غوستاف ايفيل باني برج باريس الشهير.

ونقترح على الراغبين في جولة أكثر رومانسية من المصعد، القاطرة الكهربائية الصفراء التي تواظب على نقل الركّاب بين أسفل المدينة وأعلاها منذ بدايات القرن الماضي، وعلى الطريق التي تسلكها القاطرة الصفراء تكثر حانات "الفادو"، الغناء الذي يختصر هويّة البرتغاليين وروح عاصمتهم لشبونة. إنه غناء اللحظات الكئيبة في الحياة، تلك التي يهجرنا فيها الأحبّاء وتتلبّد السماء بغيوم القسوة أو البعد. تكفي قيثارة واحدة لمصاحبة الحزن المنهمر من حناجر المطربين، يروي عذابات سكّان الأحياء المتواضعة والفقيرة وأيامهم المجبولة بالقدرّية والإحباط. والفادو سليل الفلامنكو الإسباني وأصدق وسيلة يعبّر بها البرتغاليون عن مشاعرهم وأحلامهم.

مصدر إلهام للشعراء

كُثُرٌ هم الشعراء الذين ألهمتهم هذه المدينة بدفء شمسها أيام الشتاء وعذوبة نسائمها في عشايا الصيف، والضوء الذي ينساب بين شوارعها وازّقتها الضيّقة، فرناندو بيسّوا، كبير شعراء البرتغالية، أمضى حياته في هذه المدينة، وبخاصة في مقهى "مارتينيو دي آركادا"، حيث كتب معظم قصائده على نفس الطاولة التي ما زالت كما هي في موقعها نفسه إلى اليوم، وجوسيه ساراماغو، الروائي حامل جائزة نوبل، الذي كان يقول إن الوحي الذي يأتيه في لشبونة يعادل ذلك الذي يأتيبه عندما يعود إلى مطارح طفولته في القرية حيث شهد النور.

محطات تنفرد بها لشبونة

ومن المحطات التي تنفرد بها لشبونة وتزيد من تمايزها، مستشفى فريد من نوعه في العالم تأسس في عام 1830، وما زال إلى اليوم يقوم بنشاطه بنفس العناية والاهتمام بسعادة الأطفال. إنه مستشفى الدُمى، المعطّلة أو التي تعرّضت لحوادث، تُنقَل إليه كالمرضى العاديين، في سيارات إسعاف خاصة، ثم على محمل R إلى غرفة العمليات، حيث تُجرى لها زراعة للأعضاء أو تخضع لجراحة تجميلية لتعود كما كانت عليه، ومعها ابتسامات الصغار ودهشتهم الجميلة.

الجولة على المعالم التي تتميّز بها العاصمة البرتغالية لا تكتمل من غير زيارة فندق Avenida Palace العريق الذي ذاع صيته عندما كان وكراً للجواسيس الألمان والأميركيين والبريطانيين إبّان الحرب العالمية الثانية التي وقفت فيها البرتغال على الحياد.

أما نهاية جولتنا فلا بد أن تكون في مقهى برازيليانا الذي يقال "إنه الأفضل في العالم لقراءة صحيفتك اليومية على مقاعده الخشبية القديمة، مصحوباً بفنجان قهوة وقطعة من حلوى بيت لحم التي تشتهر بها العاصمة البرتغالية".

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة



النجمات يتألقن في فساتين سهرة ذات تصاميم ملهمة لموسم الخريف

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة
 العرب اليوم - آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 01:24 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

عقار من سم العنكبوت لعلاج تلف النوبة القلبية

GMT 16:57 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إبتكار لقاحاً جديداً للوقاية من بكتيريا الأمعاء

GMT 00:07 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

يحيى السنوار

GMT 00:04 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

اغتيال السنوار.. وخيبة أمل نتنياهو

GMT 23:11 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يعلن عودة نيمار بعد غياب عام كامل

GMT 14:37 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

خلل تقني يؤجل مباراة إيبسويتش تاون وإيفرتون 15 دقيقة

GMT 11:04 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

لابورتا يكشف مفاجأة بشأن مستقبل ليفاندوفسكي

GMT 18:05 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رضوى الشربيني تكشف حقيقة زواجها

GMT 09:43 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

ليفربول يعرض 80 مليون يورو لضم نيكولو باريلا

GMT 04:28 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

استشهاد الفنانة التشكيلة محاسن الخطيب في مخيم جباليا

GMT 00:38 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 30 فلسطينيًا في قصف إسرائيلي على مخيم جباليا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab