تعهدت الحكومة السودانية باتخاذ 5 إجراءات عاجلة لإنقاء اقتصاد البلاد المثقل بالأزمات، تشمل هيكلة القطاع المصرفي، وإصلاح النظام الضريبي، والجمركي، والاستثمار في مشروعات البنية التحتية، وتحسين شبكات الدعم الاجتماعي.
ومن المقرر أن ينتهي في الثلاثين من يونيو الجاري- أي بعد أقل من أسبوعين- البرنامج الذي استمر أكثر من عام والذي انخرط فيه السودان مع صندوق النقد الدولي، سيكون بموجبه مؤهلا لإعفائه من ديونه المتراكمة، المقدرة بأكثر من 60 مليار دولار.
لكن مراقبين قالو، إن الحكومة "لم تقدم حتى الآن برنامجا واضحا لتلك الإصلاحات"، التي أشاروا إلى أنها "لم تخاطب هواجس أساسية مثل تغيير العملة والتقشف الصارم، من خلال تقليص الإنفاق الحكومي".
هيكلة شاملة
ووفقا لرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، فإن الإجراءات المزمع اتخاذها تتضمن إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني المثقل بالتشوهات، والقيام بإصلاحات مالية حقيقية، وهيكلة الجهاز المصرفي.
وتهدف الإجراءات إلى "تخليص الاقتصاد السوداني من الديون، ومراجعة المصروفات والإيرادات، وبالتالي تقليل العجز الكبير في ميزان المدفوعات والميزان التجاري، الذي تميل كفته لصالح الواردات بما يفوق 60 في المئة".
كما تعتزم الحكومة السودانية إقرار إعفاءات جمركية وضريبية على السلع الضرورية ومدخلات الإنتاج والسلع الرأسمالية، وفي المقابل فرض ضرائب وجمارك مرتفعة على السلع غير الضرورية.
وقالت الحكومة إن هذا النوع من السياسات سيساعد في توفير السلع الضرورية بأسعار تنافسية، ولن يمنع الحصول على السلع غير الضرورية بقيمتها الحقيقية، كما أنه يشجع الإنتاج المحلي والتوظيف.
وحددت الحكومة مشروعات الطاقة والطرق والزراعة ومياه الشرب والتعليم والصحة، كأبرز المشروعات التي ستعطى اولوية خلال العامين المقبلين.الدعم الاجتماعي
وأوضحت حكومة السودان أنها تسعى لتعزيز شبكات الدعم الاجتماعي المستحدثة مؤخرا، لتخفيف الأعباء المعيشية على السكان الذين يعيش أكثر من 60 في المئة منهم تحت خط الفقر.
وتتدهور الأوضاع المعيشية في البلاد بشكل مريع، فقد ارتفع التضخم إلى 374 في المئة، وواصل الجنيه انخفاضه أمام العملات الأجنبية، حيث يتم تداول الدولار الواحد حاليا فوق 430 جنيها في السوق الرسمي، و470 جنيها في السوق الموازي، مما انعكس سلبا على أسعار السلع الاستهلاكية.
كما أثر ذلك بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطن، حيث يعتمد السوق على الاستيراد لتغطية أكثر من 70 في المئة من احتياجاته.
وأكد حمدوك أن حكومته تسعى من خلال برنامج الدعم الأسري "ثمرات" إلى تقديم دعم نقدي مباشر لملايين المواطنين، مشيرا إلى أن البرنامج لديه رصيد يقدر بنحو 820 مليون دولار، تم استخدام 15 بالمئة منها حتى الآن، لكن خللا إداريا في قاعدة المعلومات أعاق تطبيق البرنامج بالشكل المطلوب.
ويشمل هذا البرنامج 6 ملايين و500 ألف أسرة، أي حوالي 80 بالمئة من الأسر السودانية. وحتى الآن اكتملت بيانات 700 ألف أسرة، وسيشمل كل العاملين بالدولة. ومن المتوقع أن يرتفع الدعم المقدم لهذا البرنامج إلى ملياري دولار.
وهناك كذلك برنامج "سلعتي" لتقديم المواد التموينية بسعر المصنع، عبر قنوات الأحياء وأماكن العمل.
وتقول الحكومة إنها اتخذت قرارات بإجراءات إضافية تساهم في "توسيع مظلته حتى يصل للناس في ظل هذه الظروف، بجانب دعمه بموارد أخرى لتوفير السلع الضرورية بأسعار معقولة".غياب الخطط
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعات سودانية، محمد الجاك، إن الحكومة "لم تضع خطة واضحة حتى الآن لتطبيق سياسات وإجراءات تساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية".
ورأى الجاك ضرورة العمل أولا على "ضبط الإنفاق الحكومي المنفلت، والشروع الفوري في إصلاح منظومة البنك المركزي والقطاع المصرفي كشرط أساسي لإنجاح أي خطط تستهدف إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل عام".
كما لفت إلى أن "بناء بيئة اقتصادية مستقرة وتنفيذ إجراءات مدروسة يحتاج إلى إرادة قوية تضع في الاعتبار إعطاء الأولوية القصوى للاستفادة من الموارد الأولية والمحتوى المحلي للاقتصاد السوداني"، مشددا على أن الاعتماد على الخارج وحده لن يجدي نفعا.
وتابع لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "إعادة هيكلة القطاع المصرفي أمر أساسي لدعم الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات وحماية العملة الوطنية من التدهور المريع الذي لحق بها خلال الفترة الأخيرة".
وأكد على ضرورة "تغيير الجنيه لوقف عمليات التزييف وامتصاص الكتلة النقدية الزائدة، المقدرة بنحو 900 تريليون جنيه، الهاربة من المظلة المصرفية والضريبية، والتي كان يمكن أن يكشف إجبارها على الدخول للمصارف من خلال تغيير العملة، عن بؤر الفساد الضخمة التي ترهق اقتصاد البلاد".حلول ممكنة
ووفقا لوزير النقل والبنية التحتية السابق، هاشم ابنعوف، فإن الخروج من المأزق الحالي يتطلب مجموعة من الحلول، من بينها الاستعانة ببيوت خبرة استشارية عالمية لمساعدة مختلف القطاعات على إعادة بناء قدراتها، على غرار ما فعلت وزارة النقل والبنية التحتية.
وربط ابنعوف مجمل عملية الإصلاح الاقتصادي بـ"إصلاح النظام النقدي والمالي"، مشيرا في هذا الإطار إلى سياسات طباعة العملة التي تتم بشكل "غير علمي".
كما لفت إلى أهمية إصلاح النظام الضريبي، لزيادة الإيرادات والاستغناء عن طباعة العملة الزائدة.
وحول سياسة التحرير وتبعاتها، قال ابنعوف لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن سياسة التحرير من حيث المبدأ هي "سياسة يوصي بها معظم الاقتصادين في العالم، وهي شرط لأي تعاون مع البنك والصندوق الدوليين".
لكن، نظرا للعلاقة المباشرة بين أسعار صرف العملة المحلية والمشتقات البترولية، ربط ابنعوف نجاح هذه السياسة بـ"ضبط التفلت الحالي في أسواق الصرف".
وأضاف: "يجب على الحكومة العمل على تفادي الأسباب التي أدت إلى فشل تجربة تحرير أسعار الصرف، والتي كان بعضها هيكليا ناتجا عن تكلس في مفاصل البنك المركزي، الذي يتحمل جزءا كبيرا من الفشل لأنه تحصّل على مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي، إلا أنه لم بتعامل معها بالسرعة المطلوبة".
وفي ذات السياق، رأى ابنعوف أن "البنوك التجارية لم تستطع حتى الآن التفاعل مع سياسة تحرير سعر الصرف بمرونة".
كما نبه إلى مشكلة "الإفراط في طباعة العملة دون حسابات علمية، إما بعلم الحكومة بهدف فك ضائقات معينة، أو دون علمها من خلال جهات داخل المؤسسات تسعى للتخريب، وهو الاحتمال الأكبر".
وحذر الرجل من "الدور السلبي الذي يمكن أن تلعبه بعض الشركات التجارية ذات الإيرادات العالية، من خلال تسببها في فوضى أسعار العملات وإضعاف الجنيه السوداني، وبالتالي رفع كلفة استيراد المواد البترولية".
وأوضح: "هناك جهات لديها إيرادات عالية جدا بالجنيه، مثل شركات الاتصالات والطيران المدني، وهي تدخل في السوق وتشتري الدولار بأي سعر، مما يؤدي إلى إضعاف العملة الوطنية"، مشددا على ضرورة أن تعمل الحكومة على إيجاد حل للمشكلة من خلال "الجلوس مع تلك الجهات والوصول لاتفاق معها".
ترتيب الأولويات
وبدورها، شددت عضوة اللجنة التأسيسية للتحالف الاقتصادي لـ"قوى ثورة ديسمبر"، أساور آدم كبر، على "ضرورة ترتيب الأولويات والاهتمام بضبط وترشيد الإنفاق الحكومي ووقف الإنفاق البذخي، وزيادة الصرف على التنمية والخدمات والقطاعات الإنتاجية".
وتابعت: "من المهم جدا الاستفادة من التجارب الماضية، فالـزمة وصلت حدا غير مسبوق".
وانتقدت كبر سياسة رفع الدعم عن السلع دون وضع بدائل فعالة ومناسبة، قائلة لموقع "سكاي نيوز عربية": "سياسة التحرير جعلت حياة الناس جحيما لا يطاق، لذلك من الضروري قلب صفحة صندوق النقد الدولي وتعزيز سيطرة الدولة على الاقتصاد، والرقابة على أسعار السلع وزيادة الإيرادات من مصادر أخرى كالذهب والمنتجات الزراعية".
ورأت أن إصلاح الاقتصاد الوطني يتطلب "ضم المنظومة الاقتصادية العسكرية لوزارة المالية، واستغلال الأموال المستردة في التنمية وتطوير الخدمات".
كما اعتبرت أن تغيير العملة "ضرورة للتوازن الاقتصادي ووقف التضخم وتشجيع الاستثمار والتمويل"، مضيفة: "الخطوة ضرورية لمحاربة التزوير وضبط الكتلة النقدية فائدتها في القطاعات الإنتاجية، وكذلك التحكم في التضخم برفع أو خفض الفائدة على الودائع".
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك