دبي ـ جمال أبو سمرا
تشكل التنمية الشاملة والمستدامة الغاية الجوهرية والأولوية الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تسير بخطى ثابتة على نهج القيادة الرشيدة للوصول إلى مصاف أبرز الأمم المتقدّمة في العالم.
ويبرز القطاع المالي على مدى العقود الأربعة الماضية كدعامة أساسية لتحقيق الأهداف التنموية الطموحة ومحرك رئيس لعجلة النمو الاقتصادي.
وسعيًّا لتحقيق الريادة على الخريطة المالية العالمية خطت دبي خطوات سباقة على درب التميز من خلال تأسيس مناطق حرّة مالية ذات صلاحيات قانونية منفصلة، تتّسم بطبيعة اقتصادية خاصة تدعم مسيرة التنمية والتقدّم والرخاء وتعزز نمو الاقتصاد الوطني القائم على التنوع والاستدامة. وأدركت دبي أهمية تطوير بنية تشريعية متطوّرة تمثل قاعدة الانطلاق في مسيرة التحول إلى واحدة من أهم مراكز الأعمال في العالم، مما اقتضى إصدار القانون رقم (9) لسنة 2004 بشأن مركز دبي المالي العالمي، الذي أسهم في إحداث نقلة نوعية ضمن المشهد الاقتصادي والمالي.
وشكّل "مركز دبي المالي العالمي" على مدى عقد ونيّف من الزمن دلالة واضحة على الدور المحوري الذي تقوم به المناطق الحرّة المالية في توفير آليات فاعلة وواضحة المعالم لتنظيم العمل المالي والإشراف على ممارسات المؤسّسات المالية وفق أطر قانونية وقضائية منظّمة تحفظ حقوق كافة الأطراف المعنية. وجاء القانون رقم (7) لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (9) لسنة 2004 بشأن مركز دبي المالي العالمي، الصادر عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي تماشيًّا مع المكانة العالمية المتنامية التي تحظى بها دبي باعتبارها لاعبًا رئيسًا ضمن المنظومة الاقتصادية العالمية.
وبموجب القانون بات مركز دبي المالي العالمي منطقة حرة مالية ذات استقلال مالي وإداري، وتُلحق بالحكومة وتنشأ فيها هيئات هي: سلطة مركز دبي المالي العالمي، وسلطة دبي للخدمات المالية، وسلطة تسوية النزاعات. وأثبت مركز دبي المالي العالمي أنه أحد أبرز الملتقيات المالية العالمية، مدعومًا بمقوّمات تنافسية وإمكانات عالية تؤهّله للاستفادة المثلى من الحراك التجاري والاستثماري إقليميًّا ودوليًّا وتوفير قنوات اقتصادية فاعلة تربط بين كبرى الأسواق المالية العالمية.
وتحقيقًا للأهداف الاستراتيجية المنوطة به، كان المركز سبّاقًا في إطلاق مبادرات نوعية كان لها الأثر الأكبر في تعزيز ثقة الأسواق المالية الأوروبية والأميركية والأسواق العالمية الناشئة بالإمارات عمومًا ودبي على وجه التحديد. وشكلت استراتيجية مركز دبي المالي العالمي 2024، محطة مفصلية لدخول حقبة جديدة من التميز والريادة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، واضعةً المركز في مصاف المساهمين الرئيسيين في ترجمة غايات خطة دبي 2021، وتجسيد أهداف رؤية الإمارات 2021، لا سيّما وأنها تستند إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والقائم على أساس القدرات الابتكارية والإبداعية للموارد البشرية.
ويسير مركز دبي المالي العالمي قدمًا في مساعيه الحثيثة لجعل دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي في العالم، عبر سلطة دبي للخدمات المالية المنضوية تحت مظلته والتي تُعنى بتطوير تشريعات خاصة للمؤسّسات المالية الإسلامية. ولا بدّ من الإشارة إلى محاكم مركز دبي المالي العالمي التي لم تكن بمنأى عن التطوّرات الإيجابية الحاصلة، حيث قامت بأتمتة جميع عملياتها وأنظمتها وفق خطة استراتيجية خمسية عمادها الابتكار والمعرفة والريادة العالمية لتواكب بذلك ركب التقدم والنمو.
والحقيقة أن نجاح تجربة المناطق الحرة المالية في دبي، وفي مقدمتها مركز دبي المالي العالمي، يعد دليلًا دامغًا على التكامل بين المنظومتين المالية والقضائية والذي يمهد الطريق لترجمة غايات خطة دبي 2021، في جعل الإمارة محورًا رئيسًا في الاقتصاد العالمي. ومما لا شك فيه أن الجهود المتواصلة لتنظيم عمل المناطق الحرّة المالية، استنادًا إلى مرتكزات قانونية وتشريعية ولوائح منظّمة قائمة على التوجيهات الحكومية، يعد عاملًا أساسيًّا للتربع على موقع الصدارة في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال والتنافسية العالمية والابتكار وريادة الأعمال والتنمية
أرسل تعليقك