اختتمت فعاليات المسابقة الرئيسية لمهرجان "برلين السينمائي" في دورته الخامسة والستين، السبت، بحفلِ كبيرٍ على غرار حفلات هوليوود لتسليم جوائز المهرجان الكبرى، إذ شهد مفاجأة كبرى بفوز فيلم "تاكسي" للمخرج الإيراني جعفر بناهي بجائزة "الدب الذهبي".
يتتبع "تاكسي" مشاهد من طهران صورت من وراء زجاج سيارة أجرة.
وتم عرض "تاكسي"، الجمعة الماضية، دون أدنى إشارة من قِبل وسائل الإعلام الإيرانية؛ إذ تحدى المخرج حظرًا مفروضًا عليه في بلاده منذ 20 عامًا وقام بتهريب الفيلم إلى برلين.
تتربع أعمال بناهي، 54 عامًا، على قوائم جوائز كبرى المهرجانات الدولية، كما يعد أحد رواد "الموجة الجديدة" في السينما الإيرانية، إلى جانب عباس كياروستامي.
لكن أفلامه التي تنطوي على سخرية اجتماعية لاذعة ممنوعة في إيران، بل وتصِفها سلطات طهران بـ"ذات الآثار التخريبية"، لذلك فهو ملاحق وتحت الرقابة القضائية الإيرانية منذ أعوام، لاسيما بعد محاولته مواكبة الاحتجاجات الضخمة التي انطلقت في طهران؛ اعتراضًا على إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في حزيران/يونيو العام 2009، ورغم ذلك فإنًّه يواصل التصوير خلسة "للبقاء على قيد الحياة"، بحسب قوله.
كما ذكر المخرج، خلال تصريحات مقتضبة لمهرجان برلين: "السينما هي طريقتي في التعبير وسبب وجودي، لا يمكن أنَّ يمنعني أي شيء عن صنع الأفلام".
وتعرَّض المخرج للتوقيف في آذار/مارس العام 2010؛ إثر إخراجه فيلم وثائقي عن الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، وفي تشرين الأول/ أكتوبر العام 2011 حكم عليه بالسجن 20 عامًا، ومنع من التصوير أو كتابة الأفلام أو السفر لاتهامه بإثارة "دعاية ضد النظام".
ثم ذكر أثناء محاكمته: "محاكمتنا هي محاكمة للسينما الملتزمة والإنسانية والاجتماعية في إيران"، ودخل السجن لشهرين، ثم أخلي سبيله بكفالة على أنَّ يحق للسلطات توقيفه متى شاءت.
وعلّق بعد صدور الحكم القضائي، قائلًا: "أنا لا أخرج أفلامًا سياسية، بل أفلامًا تتحدث عن واقع اجتماعي".
وأثار الحكم القضائي عليه تنديدًا على مستوى العالم، ومنذ ذلك الحين تُفرد له مهرجانات عالمية كرسيًا خاليًا للإشارة إلى التضامن معه.
وقبل ذلك، وتحديدًا العام 2010 تساءل بناهي خلال مقابلة أجرتها معه وكالة "فرانس برس" فيما كان في الإقامة الجبرية: "لماذا يعد صنع الأفلام جريمة؟"، مضيفًا: "حين يمنع المخرج عن صناعة الأفلام فيكون أشبه بالسجين"، لكنه يرفض مغادرة بلده، ويقول: "علي أنَّ أشهد على ما يجري".
نشأ بناهي في الأحياء الفقيرة من طهران، وهو يركز في أعماله على غياب العدالة الاجتماعية وعلى ظروف المرأة في إيران، فيثير بها اهتمام الخارج وسخط السلطات في الداخل، والتي يتهمها بتشديد الرقابة على السينما منذ وصول نجاد إلى السلطة العام 2005.
فاز فيلم بناهي الطويل الأول "الكرة البيضاء" بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان العام 1995، وفاز أيضًا بجائزة لجنة التحكيم في فئة "نظرة ما" عن فيلمه "دم وذهب" العام 2003.
كما حاز جائزة الفهد الذهبي العام 1997 عن فيلم "المرآة" وجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية العام 2000 عن فيلم "الدائرة"، والدب الفضي في مهرجان برلين العام 2006 عن فيلم "تسلل".
وفي العام 2012، منح الاتحاد الأوروبي جعفر بناهي جائزة ساخاروف لحرية الفكر، ومنحت الجائزة أيضًا لمواطنته المحامية نسرين ساتوده، التي تعرضت هي الأخرى لملاحقة السلطات.
رجوعًا إلى مهرجان برلين، برزت مجموعة من الأفلام كانت تبدو أنها الأوفر حظًا للفوز بجائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم من بين الأفلام الـ19 المشاركة في المسابقة الرسمية، بعد عرض نحو 440 فيلمًا على مدى الأيام العشرة الماضية.
من بين هذه الأفلام، إلى جانب "تاكسي"، فيلم "45 عامًا" للمخرج البريطاني أندرو هيغ، و"إكسكانول" للمخرج جايرو بوستامانتي من غواتيمالا.
ويُعدّ "إكسكانول" الذي يصور منطقة سفح بركان، أول فيلم غواتيمالي يشارك في المسابقة الرئيسية في المهرجان الممتد على مدى 65 عامًا.
كان هناك منافس آخر هو "تشا فا كون فا" و"أب كبير وأب صغير وقصص أخرى" للمخرج الفيتنامي فان دانغ دي، والذي عرض في اليوم الأخير للمسابقة الرئيسية.
يدور الفيلم حول مجموعة من الأصدقاء الشباب الذين يحاولون تحقيق شيء في المجتمع الفيتنامي، ولا يزالون يكافحون مع تداعيات 20 عامًا من الحرب.
هذا ويُعد مهرجان برلين واحدًا من أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم، إلى جانب مهرجاني كان والبندقية.
من بين المتنافسين البارزين للحصول على الجوائز الكبرى أيضًا، فيلمان من تشيلي، وهما "النادي" للمخرج بابلو لارين، الذي يكشف كيف وفرت الكنيسة الكاثوليكية المأوى لأربعة من القساوسة الشواذ جنسيًا، و"زر اللؤلؤ" للمخرج باتريسيو غوزمان.
يعد فيلم غوزمان إضافة جديدة إلى سلسلة طويلة من الأفلام التشيلية التي تناولت ديكتاتورية أوغستو بينوشيه.
أرسل تعليقك