غزة - محمد حبيب
لم تهدأ آليات الحفر العسكرية على الشريط الحدودي مع جنوب قطاع غزة، مُنذ الإعلان عن اكتشاف نفقٍ ممتدٍ من داخل الأحياء الشرقية لمحافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة إلى داخل الأراضي المُحتلة في العام 48، تحديدًا كيبوتس "العين الثالثة"، في ما يبدو أنه عملية بحث ربما عن أنفاقٍ أخرى بمساندة وحماية عدد من الآليات العسكرية الإسرائيلية. المعطيات على الأرض تشير إلى أن الأنفاق ستكون السلاح الأقوى والأكثر قدرة على الصمود في أي مواجهة مقبلة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي؛ فبحسب التقارير الإسرائيلية، "حسَّنتْ "حماس" قدراتها في بناء الأنفاق، باستخدام وسائل تقنية حديثة، وأقامت شبكة أنفاق في قطاع غزة،
تحولتْ إلى مدينة ضخمة تحت الأرض؛ بهدف استخدامها في عمليات مقبلة في حال شن جيش الاحتلال عملية اجتياح للقطاع".
ورغم عدم اعتراف حركة "حماس"، في البداية صراحةً، بمسؤوليتها عن النفق الذي اكتشفته إسرائيل، قُرب حدود قطاع غزة، بداية الأسبوع الماضي، إلا أن كل الدلائل تشير إلى اعتمادها سلاح الأنفاق، في محاولة منها لامتلاك أوراق قوة في وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يمتلك إمكانات هائلة.
وذكر رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة، ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، في خطابه الذي ألقاه السبت الماضي، أن "الآلاف من المقاومين يتجهزون فوق الأرض وتحتها لتحرير فلسطين وملاقاة العدو"، في إشارة واضحة إلى سلاح الأنفاق الذي باتت المقاومة تعتمد عليه.
وبمجرد الإعلان عن اكتشاف النفق تعالتْ الأصوات الإسرائيلية الداعية إلى ضربة تساهم في شل القدرات العسكرية لـ"حماس"، بعد أن أعلن مسؤولون في الحركة، أنهم "يقفون خلف حفر النفق، إلا أن عددًا من المُراقبين استبعدوا شن أي عملية على القطاع في المرحلة الحالية، لكنهم رأوا أن القيادة الإسرائيلية؛ ستحاول استغلال النفق، لتهيئة الرأي العام الإسرائيلي والخارجي، لتحضير قائمة اتهام ضد حركة "حماس" تستخدمها عند الضرورة.
الخبير في الشأن الأمني الدكتور، إبراهيم حبيب، أكد أن "اكتشاف الاحتلال النفق التابع لـ"كتائب القسَّام" لن يُؤدي لمواجهة لأسباب عدة، أهمها؛ يتعلق بالشأن الإسرائيلي، حيث إن الاحتلال اعتاد أن يخطط ويبدأ الهجوم في اللحظة التي يراها مناسبة له إلا أن هذه المعطيات اختلفت، وتصاعد قدرات المقاومة جعله يحسب ألف حساب لأي عمل أو هجوم على غزة.
وبيَّن حبيب، أن "الاحتلال يدرك أن المقاومة باتت تمتلك أوراق قوة، وشبكة من الأنفاق التي ستستخدمها في أي مواجهة مقبلة، لذلك فهو يسعى لمواجهة المقاومة من خلال تقييدها دون الإقدام على ضربها بشكل مباشر".
وأوضح حبيب، أن "الاحتلال بدأ بتنفيذ خطة واسعة النطاق من خلال حفر خندق في محيط القطاع بعمق 25 مترًا؛ لاكتشاف أي أنفاق أخرى، وقطع الطريق على المقاومة في محاولة حفر إنفاق جديدة"، مشيرًا إلى أن "الاحتلال حاول من خلال اكتشافه للنفق تسويق انتصار وهمي، بينما جاءت النتائج عكسية بعدما دب الرعب في سكان المستوطنات المحيطة في غزة، وخشيتهم من أية عمليات قد تجري في تلك المناطق، ولاسيما إذا كان الهدف منها أسر جنود".
واعتبر حبيب، أن "اكتشاف النفق لم يكن نجاحًا لإسرائيل بقدر ما كان انتكاسة وصدمة، وعلى مدار عام ونصف العام يحفر جيش الاحتلال أنفاقًا على عمق خمسة عشر مترًا في محاولة لاكتشاف أنفاق المقاومة إلا أن نفق خانيونس كان أكبر من التوقعات"، لافتًا إلى أن "النفق شكَّل خيبة أمل لقادة الاحتلال لأن الحصار والتضييق وجميع الإجراءات التي اتخذت لم تنجح في شل عمل المقاومة".
وشدد حبيب على أن "المقاومة الفلسطينية باتت تفهم عقلية المحتل، لذا فهي أكثر قدرة على مراوغته، وتستطيع العمل على تطوير قدراتها وخداعه وتضليله".
واستبعد المحلل السياسي، هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية، أن "يكون النفق الأخير مُقدِّمة لأي هجوم إسرائيلي، ضد قطاع غزة"، مشددًا على أن "إسرائيل غير معنيَّة في هذه الأوقات بشن أي هجوم عسكري ضد القطاع".
وأوضح البسوس، أن "الاحتلال أصبح يُدرك قدرات المقاومة، ويخشى التورط في أي عمل عسكري قد لا يعرف عواقبه"، مشيرًا إلى أن "إسرائيل ستستغل النفق للتحريض ضد الفلسطينيين في الخارج، وتبرير أي إجراءات عقابية تتخذها ضدهم".
ويبدو أن إدانة الأمم المتحدة للنفق، واعتبارها بناء الأنفاق خرقًا لاتفاقات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها في تشرين الثانيي/نوفمبر من العام 2012، يأتي كنتيجة لحملات التحريض الإسرائيلية المكثفة في الخارج بعد اكتشاف النفق.
ويقدر مسؤولون عسكريون إسرائيليون، أن "حماس تبني الأنفاق لهدفين أساسين؛ "الهجوم والدفاع"، موضحين أن "حماس تبني الأنفاق تحت مراكز المدن الكبرى في القطاع، مثل رفح وغزة، في ظل تقديراتها بإمكان اندلاع مواجهات مع الجيش الإسرائيلي في تلك الأماكن في حال دخول القوات الإسرائيلية.
وأوضح البسوس أن الجيش الصهيوني والمستوطنين داخل المستوطنات المحاذية لقطاع غزة يشعرون بالخوف والفزع الشديد نتيجة استمرار المقاومة الفلسطينية بحفر الأنفاق الحدودية، مؤكداً أن الأنفاق أصبحت كابوسا يؤرق الصهاينة في كل مكان من حدود غزة.
ولفت البسوس إلى أن "الاحتلال سيعتمد سياسة الحرب النفسية، والضغط الاقتصادي على أهالي القطاع"، مبينًا أن تأكيدات المقاومة على استعدادها لصد أي هجوم ضد غزة لها دلالة مهمة".
وكشف أستاذ الدراسات الأمنية الإستراتيجية في أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية في غزة الدكتور هشام المغاري، عبر صفحته على الـ"فيسبوك"، أنه "استجمع خبراته، وبدأ يحسب بعض الأرقام التي تخص نفق المقاومة الذي تم اكتشافه شرق خانيونس"، موضحًا أن طول النفاق امتد نحو 2500 متر، ويُقدَّر عرضه بحسب الفيديو الذي ظهر في وسائل الإعلام نحو 1.2 مترًا وارتفاعه نحو 2.2 مترًا شاملًا؛ سُمك الجدران الخرسانية، أي أن حجمه يبلغ نحو 6600م3، بما يعني أن كمية الرمال التي تم إخراجها منه تعادل نحو (365) شاحنة.
وأوضح المغاري، "كمية الحفر تعادل نحو 660 ألف (دلو) من الرمال، أي نحو ثلثي مليون دلو، وكل هذا تم حفره تحت الأرض ونقله يدويًّا، أو بواسطة معدات ميكانيكية بسيطة، ولك أن تتخيل أن كل (دلو) منها تحرك تحت الأرض مسافة متوسطها (1250 مترًا).
وتبنى الناطق باسم "كتائب الشهيد عزالدين القسام"، أبوعبيدة النفق رسميًا، وقال، إن "هذا النفق حفر بأيدي مجاهدي القسام، وإن عيونهم لم ولن تنام عن ضرب المحتل وخطف الجنود".
أرسل تعليقك