غزة - محمد حبيب
أكد رئيس الوزراء الفلسطيني في حكومة غزة المُقالة إسماعيل هنيّة، السبت، تمسّك حركة "حماس" بالمقاومة، باعتبارها "الخيار الإستراتيجي الحقيقي للتحرير"، فيما دعا إلى البحث العملي في آليات تطبيق اتفاق المصالحة، وإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني لـ"منظمة التحرير"، وتوفير الأجواء الداخلية والحريات العامة اللازمة لإجرائها. وطالب هنيّة، خلال خطاب مهم ألقاه، السبت، في مركز "رشاد الشوا الثقافي" في مدينة غزة، بحضور 1500 شخصية من القيادات الفلسطينية، بتفعيل لقاءات الإطار القيادي الموقت لـ"منظمة التحرير" إلى حين انتخابات المجلس الوطني واللجنة التنفيذية للمنظمة،
وبضرورة التفاهم والتوافق على البرنامج الوطني وإدارة القرار السياسي الفلسطيني والبرنامج النضالي لمواجهة الاحتلال ومقاومته والتصدي لممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه والمقدسات بالوسائل المتاحة كافة، فيما شدد، على أن "من أكثر القضايا إيلاماً لنا ولشعبنا استمرار الانقسام، وكيفية الخروج منه إلى فضاء المصالحة، والاتفاق الذي سعى له من خلال التوقيع على (اتفاق القاهرة) وغيره من التفاهمات السابقة واللاحقة كذلك، غير أن المصالحة لم تتحقق والوحدة الوطنية لم تُنجز".
وأكد رئيس حكومة غزة، أن "الفيتو الأميركي والتخريب الصهيوني، من أهم العوامل في إفشال المصالحة، وحرمان الكلّ الفلسطيني من اختيار برنامجه الوطني والسياسي بشكل حرّ، وكلما اقترب من الحل افتتح الأميركيون مشاريع سياسية جديدة، لثني الأخوة في حركة (فتح) عن مواصلة تطبيق المصالحة، وكان آخر هذه المشاريع المفاوضات التي دعا لها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، واشترط لها وقف إجراءات المصالحة، ومن الواقعية السياسية أن نشير بأن الاختلافات داخل ساحتنا لا يمكن إنكارها أو التقليل من شأنها، وعلى الرغم من ذلك ينبغي ألا نغيّر من نظرتنا التوافقية، ولا أن نستمر في الانقسام، أو دفع الأمور نحو المجهول، خصوصًا أن البعض يعتقد أنه قادر على استنساخ سيناريو إقليمي في غزة، وإننا ننبه إلى أن أي سيناريو لا علاقة له بالواقع الفلسطيني وخصوصية مساره التحرري سيفشل، ولا يمكن أن ينفذ إلى الساحة الفلسطينية المقاومة العصيّة على الكسر، ذات الصلابة في وجه الاحتلال والفوضى والانفلات"، مجددًا موقفه من المصالحة وإنهاء حالة الانقسام، على أساس كل ما تم الاتفاق عليه، وأن المصالحة خيار حكومته، وقرارها من اللحظة الأولى، ولا تغيير في المواقف.
وتطرّق هنية في خطابه، إلى الذكرى الثانية لصفقة شاليط، وقام بتوجيه التحية إلى المقاومة الفلسطينية واللاجئين والأسرى والمرابطين في القدس والشباب وإلى مصر التي ساهمت وساطتها في الوصول إلى صفقة "وفاء الأحرار"، فيما شدد على أن "أبناء المقاومة الفلسطينية ورجالها ينتظرون لحظة اللقاء ومعركة التحرير، ليرى المحتل هشاشة كيانه، وأن هذه المقاومة تقف بالمرصاد للمؤامرات وتقوى وتكبر رغم الحصار والعدوان والتضييق، وتتحلى بالثقة المطلقة في المستقبل وبحتمية الانتصار و لتحرير أرضنا ومقدساتنا".
وقدم هنيّة التحية، إلى أحرار العالم الذين يرفضون الاحتلال والظلم الذي يوقعه الصهاينة على الشعب الفلسطيني، مستذكرًا المتضامنة الأميركية راشيل كوري، التي قضت على تراب غزة تحت جنازير إحدى الجرافات الصهيونية، وكل اللجان والشخصيات ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الانسان التي عملت من أجل كسر الحصار عن غزة، ومقاومة الجدار والاستيطان، وأحرار العالم كافة الذين وقفوا لصالح القضية العادلة وضد الحرب الصهيونية، مما يعكس وعي الشعوب بعدالة القضية الفلسطينية ومدى ما يُمثله الكيان الصهيوني من ظلم وعنصرية، فيما أكد تمسّك حركة "حماس"، بـ"مشروعها الوطني الجهادي وانحيازها إلى شعبها العظيم ودفاعها عن مصالحه وحقوقه وثوابته الوطنية، وبالمقاومة باعتبارها الخيار الإستراتيجي الحقيقي للتحرير".
وفي ما يتعلق بانتهاكات الاحتلال في مدينة القدس، قال هنية :"إننا نتابع باهتمام بالغ وبمشاعر القلق والألم والغضب ما يجرى في القدس والأقصى، وما يدور في محيطهما من كيد وتهويد ومؤامرات ومهادنة ومساومة وتنازلات، فالأقصى يتعرض لخطة ممنهجة تهدف الى السيطرة عليه وتغيير معالمه، والقدس اليوم تعاني من التهويد والتهجير والطرد، وتغيير البنية الديمغرافية وهدم المنازل ومنع البناء، وتدنيس واستهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية، واغتصاب آلاف الدونمات لصالح المشروع الصهيوني القدس الكبرى الذي سينتهي عام 2020 (حسب مخططهم)، والذي لن يتجاوز عدد المقدسيين عن 20% من سكانها، وما الجدار العازل إلاَّ حلقة من حلقاته، وأن الاحتلال شرع في الاجراءات العملية لتقسيم الأقصى مكانيًا وزمنيًا، وذلك من خلال السماح للمستوطنين والمتطرفين اقتحام المسجد واستباحته والإساءة إلى رمزيته الدينية والتاريخية، ويسعى العدو إلى الوصول بالمسجد الأقصى إلى مصير مشابه لمصير الحرام الإبراهيمي، تمهيدًا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، ويجري كل ذلك بقرار سياسي احتلالي صدر عن الكنيست، وليس تصرفات فردية، وها نحن نرى على رأس المقتحمين أعضاء كنيست ووزراء وقيادات حزبية"، داعيًا الشعب الفلسطيني إلى شد الرحال إلى المسجد الأقصى والرباط فيه، وتجديد الانتفاضة الجماهيرية في الضفة وانطلاق المقاومة الفاعلة فيها.
وتطرق هنيّة في خطابه إلى المفاوضات، حيث أكد أن "إنجاز مشروع التحرر الوطني وفق تجارب الشعوب والأمم يستوجب المزاوجة بين المقاومة والعمل السياسي والدبلوماسي، وأن العمل السياسي لم يكن أقل أهمية من العمل العسكري المقاوم فأحدهما يكمل الآخر، لكن ذلك مرهون بعدم الوقوع في التناقض بين السياسة والمقاومة او افتراق العمل السياسي وتفريطه وابتعاده عن ثوابت القضية، وأنه بعد مرور عشرين عامًا على اتفاقية أوسلو، وبعد النتائج الكارثية التي حلّت بشعبنا جرَّاء الاستمرار في نهج أوسلو، فبدى لشعبنا جليًا أن من أكثر القضايا خطورة الانفراد في القرار السياسي الوطني، والتنسيق الأمني مع المحتل، واستمرار المفاوضات مع العدو، علمًا أن المفاوضات الحالية تجري بقرار سياسي منفرد، وغالبية أبناء شعبنا وقواه وفصائله تقف ضدها، إضافة إلى أنها تشكل خروجًا على الإجماع الوطني، وهي مفاوضات جرت وتجري تحت الضغط والابتزاز والإكراه الأميركي، وفي ظل ميزان قوى يميل لصالح العدو، وغياب كامل لعوامل القوة وأوراق الضغط التي تُجبر العدو على التسليم بحقوقنا، مما يجعلها مفاوضات عقيمة، بل تُشكل خطرًا حقيقيًا على قضيتنا وحقوق شعبنا، وخصوصًا القدس والأرض والعودة، وأن العدو هو الذي يستثمر هذه المفاوضات ويستغلها لتعزيز علاقاته العامة مع المجتمع الدولي لتحسين صورته، واستنزاف مواقف المفاوض الفلسطيني وسقوفه السياسية، وكغطاء لممارساته وإجراءاته العدوانية لا سيما التهويد والاستيطان وتدنيس الأقصى والسعي إلى تقسيمه".
وبشأن العلاقات مع مصر، أكد رئيس حكومة غزة أن "فلسطين تجمعها مع مصر علاقات أخوية تاريخية، فضلاً عن المصير المشترك وطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية وغيرها بين الشعبين المصري والفلسطيني، وتأكيدًا منّا على احترام مصر والتزامًا بسياستنا الثابتة، فإننا لم نتدخل في الشأن المصري مُطلقًا لا من قريب ولا من بعيد، لا في سيناء ولا في أي مكان في مصر، وكل ما قِيل في الإعلام أو غيره من اتهامات هي غير صحيحة ومجافية للحقيقة، بل على العكس من ذلك، نحن قدمنا كل ما نستطيعه كحركة وكحكومة في غزة من أجل التجاوب مع حاجات ومطالب الأشقاء في مصر، بما يخدم الأمن القومي المصري، وعلى الرغم مما لحق بنا من ظلم كبير جرّاء الحملة الظالمة التي قامت بها بعض وسائل الإعلام في مصر ضدنا منذ قرابة العام، وعلى الرغم مما لا يزال يُصيبنا من أذى وحصار وتضييق جرّاء إغلاق معبر رفح الطويل والمتكرر، وهدم الأنفاق من دون توفير بدائل، وكيل الاتهامات المختلقة للحركة، والتحريض إلى حدّ التلويح باستهداف غزة وضربها عسكريًا، فنحن لسنا طرفًا في أية حوادث جرت أو تجري في سيناء ولا في غيرها، ولا نعمل إلا في ساحتنا الفلسطينية، ولا نوجه بنادقنا إلا ضد العدو الصهيوني فقط، وستظل مصر على الدوام الشقيقة الكبرى والعمق الإستراتيجي لفلسطين، نحترمها ونُقدّر تاريخها مع شعبنا ومع الأمة، وسنظل حريصين على مصالحها وأمنها القومي"، فيما دعا مصر إلى فتح معبر رفح بصورة كاملة للحركة التجارية والأفراد، كإجراء سيادي مصري لتستغني غزة عند ذلك عن الأنفاق، ولضمان الحياة الكريمة لأهل غزة بعيدًا عن الحصار.
وطالب هنيّة، الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة الراعية للسلم الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وأحرار العالم، بإدانة الحصار الصهيوني على غزة، مضيفًا "ندعو كل من يستطيع إلى رفع الدعاوى القانونية أمام المحاكم الجنائية الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لما يقوم به من جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني الأعزل".
أرسل تعليقك