تتضارب إحصائيات وزارة الهجرة العراقية بشأن مؤشرات عودة النازحين مع بيانات رئاسة الوزراء مع متداولة لجنة المهجرين في البرلمان، فيما قال رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال مارك مليي، الذي عاد مؤخرًا من زيارة إلى العراق، إن القوات الأميركية المتواجدة هناك ستستمر بمساعدة القوات الأمنية العراقية من أجل اجتثاث مسلحي تنظيم "داعش"، فهناك أقل من نصف النازحين البالغ عددهم نحو 6 ملايين، منذ ظهور التنظيم، عادوا إلى الديار، بحسب الحكومة، لكنّ وزارة الهجرة تشير إلى عودة 40% فقط.
هذا الفارق، يعزوه البرلمان إلى "ابتعاد" رئاسة الوزراء عن العمل الميداني، ويؤكد أن وزارة الهجرة هي الجهة المعنية بالأمر. كما يرى البرلمان أن الحكومة باتت تحتسب أكثر من مليون نازح ممن عادوا إلى مدن قريبة من مناطقهم الأصلية بأنه رجوع، وهو ما يرفع أعداد العائدين.
وتلعب ورقة النازحين دورًا مهمًا في تحديد وقت الانتخابات الذي يدعو البعض، لاسيما القوى السُنية، إلى مراجعة توقيتها وتأجيلها إلى أشهر. وتقف هذه الورقة بالإضافة إلى المدن المدمرة، كأحد أبرز الأسباب الداعية إلى تأجيل الانتخابات، لحين عودة الأهالي واستقرار الأوضاع هناك.
بدورها تحاول الحكومة مسابقة الزمن لإعادة الأهالي قبل شهرين من موعد إجراء الانتخابات في أيار المقبل، فيما أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في 11 كانون الثاني/يناير الجاري، عن عودة نحو 50% من النازحين إلى مناطقهم المحررة. لكن وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الهجرة، تتضمن آخر الإحصائيات لحركة النازحين لتاريخ ما بعد البيان الحكومي بـ3 أيام، أكدت أن نسبة العائدين إلى مناطقهم الأصلية لم تتجاوز الـ42%.
من جهته يفسّر النائب ماجد شنكالي، عضو لجنة المرحّلين والمهجّرين، هذا التضارب في الأرقام إلى" احتساب الحكومة لمليون نازح من سكان أيمن الموصل الموجودين في الأيسر ضمن قوائم العائدين"، ويقول :"صحيح أن أهالي أيمن الموصل عادوا إلى المدينة، لكنهم لم يرجعوا إلى مناطقهم الاصلية، بل استأجروا منازل في الساحل الأيسر أو سكنوا عند أقاربهم"، وتابع أن :"هناك 2 مليون و600 ألف نازح داخلي في نينوى، بالإضافة إلى أرقام أخرى في الأنبار وصلاح الدين ولكن بأعداد أقل".
وكان مجموع النازحين في نينوى، بحسب آخر إحصائية لوزارة الهجرة، قد وصل إلى أكثر من 2 مليون و665 ألف شخص، عاد منهم 542 ألفًا. وبحسب الإحصائية ذاتها فقد تبقّى أكثر من 2 مليون و122 ألفًا، ما يعني أن نسبة العودة هي 2% فقط.
ويقدر المسؤولون في نينوى دمار 12 ألف دار بشكل كامل في المدينة القديمة فقط بوسط الموصل، فيما وصلت نسبة الساحل الأيمن للمدينة نسبة تفوق الـ95%. وخاضت القوات العراقية معارك طاحنة في محافظة نينوى استمرت لـ10 شهور، ثلاثة أشهر منها دارت في مركز الموصل، ويقول شنكالي، وهو عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ان"58% من النازحين في عموم البلاد لم يعودوا حتى الآن، وأرقام وزارة الهجرة أكثر دقة لأنها المسؤولة عن الملف".
اللافت أن منظمة الهجرة الدولية أيدت الأرقام، التي جاءت في بيان الحكومة، وقالت في منتصف الشهر الحالي، إن ملف النازحين العراقيين سجل نجاحًا كبيرًا، إذ لأول مرة ترتفع نسبة العائدين إلى 55% قياسا بعدد المهجرين داخل وخارج الوطن.
من جهتها توضح نهلة الهبابي، العضو الآخر في لجنة المرحلين في البرلمان، أن الحكومة لا تبذل جهدًا كبيرًا لمعرفة أعداد النازحين العائدين. وتقدّم الهبابي وهي نائبة عن نينوى، تلعفر مثلا عن ذلك، إذ تقول "بحسب الأرقام المسجلة لدى القوات الأمنية، التي اعتمد عليها ممثل لمجلس الوزراء زار القضاء مؤخرا، هناك 8 آلاف و500 عائلة عادت إلى القضاء، لكن حين دققت أعداد البطاقة التموينية التي تسلّم بواسطتها النازحون مشتقات الوقود وجدتها 24 ألف بطاقة، يعني 24 ألف عائلة عائدة".
وبحسب الهبابي، هناك 250 ألف عائلة كانت قد نزحت من تلعفر منذ عام 2014. واعتبر القضاء بالإضافة إلى الموصل من المدن المنكوبة بحسب قرارات سابقة لمجلس النواب، وكذلك تشير عضو لجنة المرحلين إلى بعض الأرقام التي سقطت من حسابات الحكومة، بسبب أن "بعض النازحين يغلقون ملفاتهم في وزارة الهجرة، ثم يعودون مرة أخرى إلى المخيمات بعدما يصطدمون بالواقع السيّئ لمدنهم، وهي أرقام في الغالب لا تسجل لدى الحكومة".
وكان البرلمان قد صوت، في أوقات مختلفة، على اعتبار مدن (الرمادي، الفلوجة، جلولاء، بيجي، الموصل، الحويجة، تلعفر، وناحية الزوية في صلاح الدين) مناطق منكوبة بدرجة دمار تفوق الـ80%.
وترى الهبابي انه "لا يمكن ان يعود النازح وليس هناك طبيب او صالات عمليات أو حتى مدرسون في بعض المناطق التي كانت محتلة من"داعش"، وتضيف ان" بعض الدوائر الحكومية في تلك المدن لم تُعد الموظفين النازحين لعدم وجود رواتب لهم حتى الآن لانتهاء السنة المالية".
وتواجه عملية إقرار الموازنة الجديدة عثرات كبيرة، فيما تؤكد الهبابي ان”عدم وجود مخصصات أثّر أيضا على نقل نازحين عراقيين في تركيا، إذ ينتظرون أتوبيسات لنقلهم والحكومة لا تملك ميزانية".
وكانت قوى سُنية قد اشترطت، نهاية العام الماضي، إعادة النازحين واستقرار الوضع الأمني في المناطق المحررة، في موعد أقصاه نهاية كانون الثاني الحالي. لكنّ نوابًا سُنّة يؤكدون أن" الحملة الكبرى لإعادة النازحين، بحسب خطة الحكومة، ستبدأ في آذار المقبل، ما يعني قبل شهرين فقط من يوم الاقتراع، وتقول النائبة عن نينوى "في تلك الأجواء لايمكن إقناع النازحين بالاشتراك في الانتخابات. 10% فقط من سكان نينوى تسلموا البطاقات الانتخابية الجديدة".
وفي غضون ذلك قال رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال مارك مليي، الذي عاد مؤخرًا من زيارة إلى العراق، إن القوات الأميركية المتواجدة هناك ستستمر بمساعدة القوات الأمنية العراقية من أجل اجتثاث مسلحي تنظيم داعش، وأشار رئيس أركان الجيش الأميركي إلى أن القوات الأجنبية المتواجدة في العراق منشغلة باجتثاث المتطرفين الآن، ولم ينظر بعد بمستقبل هذه القوات.
وأضاف الجنرال مليي، خلال مؤتمر صحفي في قاعدة ارلنغتون بولاية فرجينيا الأميركية، قائلا "أعتقد أن الوضع الآن في العراق يختلف كثيرا عما كان عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات عندما اجتاح تنظيم داعش الصحراء وسيطروا على وادي حوض الفرات بشكل صارخ".
وكان تنظيم داعش قد احتل مناطق واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى والانبار وبعض المناطق المحاذية لبغداد في حزيران 2014 ما تسبب ببسط سيطرته على ما يقارب 40 % من مساحة البلد، وأعلن "دولة الخلافة".
وأضاف الجنرال الأميركي "الآن، الخلافة المزعومة التي كانت قائمة على احتلال أراضٍ قد تم تدميرها وتحرير جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها". وأشار رئيس أركان الجيش الأميركي قائلا "بعد استرجاع القوات العراقية لجميع الأراضي التي كان يحتلها داعش، رجع التنظيم لما يسمى بالإرهاب ضيق النطاق، حيث وقع في الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، تفجيران في بغداد. ولكن ليس هناك ما يمكن أن يكرر داعش نفسه أو يعيده إلى سابق عهده، وهذه خطوة جيدة إلى الأمام".
وقال رئيس أركان الجيش الأميركي، الذي زار العراق والتقى بالجنود الأميركان هناك ليتعرف على آخر التطورات، إن الحرب ضد داعش "لم تنته بعد، وما يزال هناك كثير من العمل أمامنا لم ينجز بعد"، مؤكدًا أن "مستقبل تواجد القوات الأميركية في كل من العراق وسوريا لم يقرر بعد"، وأضاف قائلا "سنرى ما يقرره القائد العسكري هناك فيما إذا كان يريد إجراء تغيير في الخطط حال القضاء على داعش. ولكن القوات الأمنية العراقية تمر الآن بمرحلة لمّ الصفوف حيث يتوجب منهم الآن الاستمرار في جهود إزالة الجيوب الصغيرة لمسلحي داعش التي ما تزال متواجدة"، مؤكدًا أنّ "القوات المنضوية في التحالف الدولي ستساعدهم في هذه المهمة".
ولم يشر الجنرال الأميركي إلى أن تواجد الجيش هناك سيشتمل على فيالق قوات المساعدة الأمنية SFAB التي استحدثت جديدا في صفوف الجيش الأميركية وخصوصا لأغراض تدريب ومساعدة قوات جيش وشرطة البلدان الأجنبية وتقديم المشورة لهم.
وكانت أول قوة من قوات فيالق المساعدة قد شكلت في جورجيا وسيتم إرسالها إلى أفغانستان الشهر المقبل. وقال الجنرال مليي أن فيالق التدريب قد أسست أصلا لتدريب وبناء القوات المحلية الأميركية، ولكنّ طلبًا قد قدّم من البنتاغون لأول مرة لتخصيص ميزانية لها ضمن ميزانية الدفاع لعام 2018 بتشكيل وحدات جديدة من فيالق التدريب وما تزال بانتظار موافقة الكونغرس.
أرسل تعليقك