تشهد مدن شمال وغرب العراق، فضلًا عن العاصمة بغداد، للأسبوع الثاني على التوالي، حراكًا سياسيًا واسعًا، هو الأول من نوعه منذ انتهاء الانتخابات التشريعية منتصف العام الماضي، نتجت عنه ولادة تحالفين سياسيين، وسط تسريبات عن قرب الإعلان عن حزب جديد في الأنبار غرب العراق.
ورغم أن أغلب المراقبين يعتبرون أن الحراك هو استعداد مبكر للانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في الربع الأول من العام المقبل، إلا أن آخرين يرون أنها ترجمة فعلية لصراع سياسي بين معسكرين. الأول من المشاركين في الحكومة، والذين يُتهمون حاليًا من قبل خصومهم بتوظيف المال العام والصلاحيات الحكومية انتخابيًا، والفريق الآخر الذي يجد في إعادة تشكيل التحالفات طريق لإعادة التمثيل العربي السنّي لسكان هذه المحافظات إلى الحكومة والبرلمان بعيدًا عن تدخلات طهران وتأثيراتها في تلك المناطق.
شعارات إعادة إعمار المدن المحررة، وتحرير المختطفين وإخراج المليشيات من المدن، وتعويض المتضررين من العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية، بالإضافة إلى وعود أخرى، مثل إنصاف جيوش الأيتام والأرامل في تلك المناطق، وإيجاد حلول للفقر الذي تجاوزت نسبته حاجز الأربعين في المائة في الأنبار ونينوى وعدد من مدن ديالى وصلاح الدين، هي ما يستند إليه كل الحراك السياسي في تلك المناطق بالوقت الحالي.
وأطلق رئيس تحالف "القرار العراقي"أسامة النجيفي، أخيرًا، "جبهة الإنقاذ والتنمية" غير الطائفية، بحسبه، وهي "مضادة بالكامل للنهج والتصرفات والإجراءات الطائفية". وتضم الجبهة المعلنة قادة سياسيين، غالبيتهم من المدن المحررة، من بينهم حامد المطلك وقاسم الفهداوي وأحمد المساري وعدد من الزعماء القبليين والأساتذة الجامعيين والناشطين. وقالت الجبهة، في بيانها الأول، إنها "تهدف إلى تغيير واقع الحال في هذه المحافظات" (المُحررة)، والذي وصفته بأنه "لا يصلح للحياة ولا يصلح لبلد مثل العراق، بتاريخه وحضارته وأمجاده"، بالإضافة إلى فتح ملفات الإعمار والمغيبين، وهي قضايا تراها الجبهة من الأولويات في العمل السياسي.
وفي السياق، قال العضو في "جبهة الإنقاذ والتنمية” أثيل النجيفي إن "بعض الشخصيات السياسية من المناطق المحررة، وتحديدًا نينوى وصلاح الدين، لاحظت أن تحرير المختطفين المغيبين في سجون سرية لا يتم عبر حراك الساسة، الذين يتولون حاليًا مهام حكومية، وتحديدًا الجهات التي انسجمت مع إيران، وبالتالي فهي لا تملك الأجواء المناسبة للتحدث عن مشاكل ما بعد الحرب على داعش".
وأوضح، أن "رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، كان قد وعد بفتح ملف إعمار المدن والمغيبين والحصول على حقوق أهالي المناطق المحررة، إلا أنه لا يستطيع ذلك، لأنه سيكون خارج منصبه بعد ساعات من التحدث عن أي ملف يخدم المكون السني". واعتبر أن “جبهة الإنقاذ الجديدة تمثل ضغطًا سياسيًا، داخليًا وخارجيًا، على الحكومة، ويمكن من خلالها أن ندفع الحكومة من أجل الحصول على الحقوق".
وتابع أن "غالبية الأحزاب السنية، والأطراف المقربة منها، تجد أنه من الصعوبة الخروج عن رغبات إيران، وهي أحزاب تعتمد على المناصب من أجل تغيير الواقع، إلا أنها في الحقيقة واقعة تحت ضغوط وتهديد بالإقالة من المناصب في كل وقت. ونحن في الجبهة نمتلك حرية كبيرة في التحرك السياسي، ولدينا أساليب خاصة للتوصل إلى النتائج التي نريدها".
أما الشيخ العشائري من نينوى مزاحم الحويت فأشار إلى أن "جبهة الإنقاذ هي لإنقاذ العراق من إيران، وستعمل على فتح ملفات كثيرة، مصحوبة بدعم من المنظمات الإنسانية والحقوقية والأمم المتحدة، والأميركيين أيضًا".
وأوضح، أن "إيران تمكنت من إحداث شرخ كبير داخل الكيانات السنية، فهي كسبت، خلال الفترات الماضية، بعض الوجوه الشابة من أبناء المدن المحررة، من أجل ضمان إسكاتهم وعدم فتح أي من الملفات الجحيمية التي تسببت فيها مليشيات الحشد الشعبي".
وردَّ عضو "المحور الوطني" كامل الدليمي بأن "كيانه السياسي، وغيره من الأحزاب العراقية، لا يخضع لقرارات وإملاءات إيران، بل إنها تحمل هموم المكون السني"، متسائلًا، في الوقت ذاته، "أين كان قادة جبهة الإنقاذ حين كان النازحون يتعرضون للإهانة والتجويع والخطف؟ ألم يكن أسامة النجيفي نائبًا لرئيس الجمهورية، وسليم الجبوري رئيسًا للبرلمان، وسلمان الجميلي وزيرًا؟ لماذا لم يتحدثوا ويطالبوا بالكشف عن مصير المختطفين وإعمار المناطق المحررة، أم أنهم كانوا يخافون الإقالة من مناصبهم".
وأضاف، أن "الحديث الإعلامي الغاضب حاليًا من قبل بعض الشخصيات السياسية، التي خرجت من السلطة، كان من المفترض أي يكون في الماضي وليس الآن"، مؤكدًا أن "كل الجبهات والأحزاب السياسية التي خرجت خلال الفترة القصيرة الماضية، وستظهر خلال المرحلة المقبلة، عبارة عن عناوين انتخابية للمنافسة بالانتخابات الجديدة".
وفي المقابل، أعلن في نينوى عن تشكيل تحالف جديد، أطلق عليه "عراقية نينوى"، ويتألف من 23 عضوًا في البرلمان العراقي وفي مجلس محافظة نينوى (الحكومة المحلية)، ويتزعمه النائب أحمد الجبوري، الذي أدرجته الإدارة الأميركية أخيرًا في لائحة العقوبات بتهم فساد وانتهاكات.
ووفقًا لمؤتمر صحفي لعضو التحالف الجديد حسام الدين العبار، الثلاثاء الماضي، فإن الإعلان عن تشكيل تحالف "عراقية نينوى" جاء "بناء على الظروف التي تمر بها المحافظة، ولحساسية الأوضاع، وكثرة التدخلات، وعدم وجود قرار مستقل لأهالي المحافظة، ولمعالجة الجوانب الخدمية والسياسية وتصحيح المسار"، داعيًا "باقي أعضاء المجلس إلى الالتحاق بهذا التحالف الذي يضم أغلب الكتل والأحزاب في مجلس المحافظة".
واعتبر عضو التيار المدني العراقي أحمد الحياني أن التحالفات الحالية في شمال وغرب العراق ستكرر قريبًا مشهدها في الجنوب والوسط، لكن لكل طرف دوافعه وأسبابه. وأضاف الحياني، أن "الوسط العربي السني السياسي حاليًا مقسوم إلى اثنين، فريق سياسي حصل على مناصب مهمة ولديه علاقة جيدة مع النفوذ الإيراني ككل في العراق، والفريق الآخر الذي أزيح عن الصدارة التي كان يتمتع بها في السنوات الماضية يرفع شعار الوطنية، ويعزو سبب إقصائه إلى أنه لم يوافق على أن يتناغم مع الإيرانيين والحشد الشعبي. لذا الشارع بالفترة المقبلة، هو الذي سيحدد كفة الفريقين بالانتخابات المحلية. هذا إذا أحسنّا النية بالانتخابات، وأنها ستكون نزيهة".
إلى ذلك، رأى المحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي أن "الجبهة التي خرج بها أسامة النجيفي، أو التي أعلن عنها أحمد الجبوري، وما سيخرج في المستقبل، سواء سنية أو شيعية، ستكون طائفية بامتياز، وستعتمد على الخطاب الطائفي، لأنها ستتاجر بقضايا المكونات".
وأضاف، أن "العملية السياسية في العراق مشيدة ككل على المحاصصة الطائفية، لذا فإن تغيير الشارع بوصلته يعني أن هذه العملية ستخرج بوجوه وقادة جدد، وهو ما تحاول القوى، السنية والشيعية، الموجودة منذ العام 2003 ولغاية الآن منعه".
وتابع، "لسوء الحظ، هناك ملفات لكل مكون أفرزتها سنوات الطائفية والاستهداف والانتقاء في التعامل، وهي ما تستند إليه دعوات تلك التحالفات اليوم"، مبينًا أن “هذه التحالفات والجبهات السنية الجديدة، ستنتهي بعد الانتخابات المقبلة وبعد تقاسم المناصب، فهي تحالفات انتخابية وليست ذات أهداف سياسية مستقبلية".
قد يهمك أيضًا
حراك سياسي جزائري لمنع انعقاد مؤتمر "أفريقي إسرائيلي"
الجيش العراقي يبدأ عملية إرادة النصر في مرحلتها الرابعة في الأنبار
أرسل تعليقك