واشنطن ـ رولا عيسى
عندما أعلنت واشنطن وهافانا استئناف العلاقات الديبلوماسية بعد قطيعة دامت أكثر من خمسين عاماً، لم يعترض فيديل كاسترو على سياسة شقيقه راوول، لكنه لم يبارك خطوة الانفتاح على الجار اللدود، وحذّر في آخر موقف سياسي صدر عنه قبل وفاته، من أن الولايات المتحدة لن "تتخلى أبداً عن نزعتها الأصيلة للتدخّل في الشؤون الداخلية لجيرانها، وبخاصة كوبا". وكان سبق لزعيم الثورة الكوبية الراحل أن توقع في عز احتدام المواجهة مع واشنطن أوائل سبعينات القرن الماضي، أنه "عندما يجلس رئيس أسود في البيت الأبيض ويتربّع بابًا من أميركا اللاتينية في الفاتيكان، ستأتي إلينا الولايات المتحدة تعرض إعادة العلاقات".
ولأنه من غير المستهجن أن ترصد واشنطن عن كثب أوضاع جيرانها، وأن تحرص على ضبط إيقاع التطورات فيها والتحكم بمساراتها، فإن القرار الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب نهاية الأسبوع الماضي من "هافانا الصغرى" في ميامي، لم يشكّل مفاجأة في هذه الفترة الحرجة التي يضيق فيها طوق الاتهامات والملاحقات القضائية حول ولايته المتعثّرة، ما يدفعه باستمرار للسعي إلى تنفيس الاحتقان من أبواب السياسة الخارجية، وتفكيك ما اصطلح على تسميته بمنجزات أوباما.
والأمر التنفيذي الذي أعلنه ترامب أمام رموز المعارضة الكوبية، مؤكداً فيه أن عهد سياسة أوباما حيال كوبا ولّى، ليس أكثر من هدية خطابية لمناصريه في الولاية التي حملته إلى الرئاسة ومحاولة لاستقطاب دعم غريمه الجمهوري السيناتور ماركو روبيو، المتحدّر من أصل كوبي، والعضو في لجنة مجلس الشيوخ المكلفة التحقيق في قضية العلاقات المشبوهة مع روسيا، والتي بدأت تتخذ منحى متزايد الخطورة في الأسابيع الأخيرة.
ووفق المتابعين، ستبقى العلاقات الديبلوماسية على حالها، ولن يطرأ أي خفض في مستوى التمثيل بالسفارتين، كما أن الأذون بالتحويلات المالية للدياسبورا الكوبية في الولايات المتحدة إلى الجزيرة سيبقى سارياً من دون قيود، وكذلك حركة السفر بين البلدين. والإجراء الوحيد الذي من شأنه أن يحدّ جزئياً من مفاعيل الاتفاق الموقع بين أوباما وكاسترو هو حظر التعامل التجاري مع المؤسسات التي تملكها القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات الكوبية، وهو لن يدخل حيّز التنفيذ قبل ستة أشهر على الأقل، لمقتضيات تشريعية أميركية.
يُشار إلى أن نسبة 75 في المئة من الأميركيين تؤيد اتفاق استئناف العلاقات مع كوبا ورفع الحصار، كما أن نسبة 62 في المئة من الجمهوريين أيدوا خطوة أوباما. ولوحظ أن مراكز قريبة من الخارجية الأميركية بدأت تتناول في دورياتها التحليلية محاذير إلغاء مفاعيل الاتفاق مع كوبا، مشيرة إلى ما يمكن أن يُحدثه من أزمات مع حلفاء واشنطن في المنطقة وأن يزيد من تعقيدات الأوضاع في أميركا اللاتينية، كما قد يؤدي إلى تعميق الشرخ مع الخصوم الاستراتيجيين، أي روسيا والصين، فضلاً عن أنه لا توجد دولة في العالم تدعم سياسة الحصار على كوبا، لاعتبارها غير قانونية وغير أخلاقية ومن دون نتيجة.
رد هافانا جاء مقتضباً ومتزناً وخالياً من أي رغبة تصعيدية، مؤكدة أن أي استراتيجية تهدف إلى تغيير النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في كوبا، من طريق الضغط أو بالقوة، محكومة بالفشل. لكن الحصار الداخلي الذي يشتدّ حول ترامب ومزاجيته يتركان باب المفاجآت مفتوحاً.
أرسل تعليقك