تبدأ المحكمة العسكرية الأميركية في قاعدة "غوانتانامو" البحرية في كوبا، جولة جديدة من جلسات الاستماع في قضية هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. بعد غد الاثنين. ويظهر المتهمون الخمسة، وهم خالد شيخ محمد، ووليد بن عطاش، ورمزي بن الشيبة، وعمار البلوشي ومصطفى أحمد الحوسوي، في قاعة المحكمة إلى جوار فريق الدفاع عنهم. كما يشارك في حضور الجلسات بعض أهالي ضحايا 11 سبتمبر. وتستمر جلسات الاستماع أياماً عدة، وتناقش الوثائق المقدمة أمام المحكمة وتبادلها بين فريقي الادعاء والدفاع، والاتفاق على التهم الموجهة واختيار الشهود وهيئة المحلّفين للإعداد لتحديد موعد المحاكمات الفعلية التي يتوقع - في تقديرات متفائلة - أن تبدأ منتصف عام 2018، وفي تقديرات أخرى بحلول عام 2020.
ويواجه المعتقلون الخمسة في غوانتانامو سبع تهم هي التآمر في تخطيط الهجمات مع كبار قادة تنظيم "القاعدة"، والهجوم على مدنيين، وارتكاب جرائم قتل للمدنيين في انتهاك لقوانين الحرب، وتهمة الإرهاب. ووجّهت صحيفة الاتهام لكل من محمد بن عطاش وبن الشيبة والبلوشي تهم خطف أربع طائرات، إضافة إلى تهم مهاجمة المباني المدنية وتدمير الممتلكات. ويواجه المتهمون الخمسة عقوبة الإعدام في حال الإدانة.
ويُعد عمار البلوشي واحداً من المتهمين الخمسة والمتآمرين في أحداث تفجيرات 11 سبتمبر 2001 التي أدت إلى مقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف أميركي. والبلوشي هو ابن شقيقة خالد شيخ محمد، الذي تعتبره السلطات الأميركية العقل المدبّر لهذه الهجمات، وذراعه اليمنى. وقد ولد البلوشي وتربى في الكويت، وكان له دور في تمويل عمليه خطف الطائرات، وأرسل للخاطفين 120 ألف دولار للإنفاق على تدريبات الطيران، وساعد تسعة منهم في السفر إلى الولايات المتحدة.
والتقت "الشرق الأوسط" مع المحامية الكا برادهام، إحدى المحاميات في فريق الدفاع عن عمار البلوشي في واشنطن، قبل سفرها إلى القاعدة العسكرية الأميركية في غوانتانامو، للمشاركة في حضور الجلسات التمهيدية. وتعمل الكا برادهام مع أربعة محامين آخرين في فريق دفاع البلوشي، حيث يتولى كل واحد منهم القيام بالأبحاث أو تحضير المذكرات أو الاتصالات مع الجهات المسؤولة. وعلى رغم بشاعة هجمات 11 سبتمبر ومقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص فيها، وأهمية تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، فإن وظيفة المحامي هي العمل بكل ما يملك من جهد وأدلة لتخفيف العقوبة والبحث عن بارقة أمل لمصلحة المتهم.
وعلى هذا الأساس، تعمل الكا برادهام مع زملائها لمحاولة التشكيك في أحقية النظر في القضية أمام محكمة حرب، والتشكيك في اعترافات البلوشي عندما استجوبته الاستخبارات الأميركية في المواقع السوداء، وتسعى إلى إسقاط بعض التهم الموجهة إلى البلوشي وزملائه، وإبعاد عقوبة الإعدام عنه اعتماداً على أن ما تعرّض له من تعذيب قد أثّر على قواه العقلية وذاكرته، وأنه لا يمكن الاعتماد على اعترافات تمّ الحصول عليها من خلال وسائل تعذيب.
وروت برادهام الصعوبات والتحديات التي تواجهها في القضية لإثبات ما تعرّض له البلوشي من تعذيب عندما قُبض عليه في أبريل/ نيسان 2003 في باكستان، ومن ثم اقتياده إلى مواقع عدة من المواقع السوداء السرية التابعة للاستخبارات الأميركية، وظل قيد الاستجواب فيها لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، حتى أوائل سبتمبر 2006 حينما تم نقله إلى معتقل غوانتانامو في كوبا. وتشير المحامية إلى أن المواقع السوداء تعد من المعلومات السرية، لكن في الوقت الذي تم فيه استجواب البلوشي، هناك اعتقاد أن الاستخبارات الأميركية كانت تدير مواقع سوداء في دول مثل أفغانستان وبولندا ورومانيا وكوبا والمغرب وليتوانيا. وتظل أي معلومات حول أساليب الاستجواب في تلك المواقع من المعلومات العالية السرية التي لا يمكن الإفصاح عنها.
وحول ما تعرض له البلوشي وغيره من المعتقلين من أساليب تعذيب، تقول الكا برادهام: "بعد جلبه إلى غوانتانامو أشار إلى أنه كان يتعرّض لأساليب تجويع وكانت يداه مكبلتين بالقيود، وأجبر على الوقوف لساعات طويلة، وتعرض للحرمان من النوم من خلال تشغيل موسيقى عالية الصوت تحت إضاءة ساطعة، إضافة إلى الضرب في الرأس مراراً وتكراراً. وبعد ترحيل البلوشي إلى غوانتانامو، رفضوا توصيف حالته الصحية بأنها ناجمة عن التعرض للتعذيب".
وحول خطة فريق الدفاع عن البلوشي، قالت الكا: لقد تحدثنا إلى الكثير من الخبراء في علم الأعصاب عن التعذيب وكيفية تأثيره على عمل المخ، وأولويتنا الأولى هي توفير الرعاية الطبية لمساعدة عمّار البلوشي وعمره الآن 39 سنة، ومساعدته على الاتصال بعائلته. توفر إدارة معتقل غوانتانامو اتصالات مراقبة عبر الفيديو مع عائلته، وهو على اتصال مع أفراد عائلته وأشقائه، وقدرته على الاتصال بعائلته وأصدقائه هي ما تجعله قادراً على تحمّل ظروف الاعتقال. وبعد ذلك، من أولويتنا التحضير للمحاكمة وما يرتبط بها من أمور قضائية. وفي الجلسات التحضيرية الأخيرة تحدثنا عن نقطة مهمة هي متى يمكن توصيف الجريمة بأنها جريمة حرب، ويتم النظر في القضية أمام محكمة حرب. لا يمكن أن يتم نظر القضية أمام محكمة حرب إلا إذا كانت الجرائم المرتكبة قد تمت خلال فترة الحرب، وبالتالي، فالسؤال الذي نطرحه هل كانت هناك بالفعل حرب قائمة بالفعل بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة قبل هجمات 11 سبتمبر
وحول الخطوات التي سيتبعها فريق الدفاع عن البلوشي في الأيام المقبلة التي تستأنف فيها المحكمة جلساتها التمهيدية في غوانتانامو، قالت الكا: لقد تحدثنا إلى عدد كبير من الخبراء والمسؤولين في إدارة الرئيس كلينتون والرئيس بوش حول حجة أن الولايات المتحدة لم تكن في حرب خلال هجمات 11 سبتمبر، ونحن ذاهبون لتقديم قائمة بالشهود والخبراء القانونيين الذين نريد الاستعانة بآرائهم في أغسطس/ آب المقبل. وتضيف: "هناك ثلاثة تهم تم توجيهها للمعتقلين (من بين سبع تهم) وهي التآمر والإرهاب واختطاف لطائرات، وهي اتهامات يتم توجيهها في محكمة الحرب عندما يتم الإقرار أنها جرائم حرب ارتكبت خلال حرب بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة؛ لذا نعود إلى القضية الأولى وما إذا كانت الولايات المتحدة كانت في حالة حرب مع تنظيم القاعدة أثناء 11 سبتمبر 2001 أم لا.
وإذا استطعنا إثبات أن الولايات المتحدة لم تكن في حالة حرب فإنه ينبغي إسقاط هذه التهم الثلاث التي تكون عادة عقوبتها الإعدام، بينما تتبقى تهم مثل مهاجمة أهداف مدنية وقتل مدنيين، وجريمة الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها، وهي تهم منفصلة. وبموجب اتفاقية جنيف تكون العقوبة ما بين الحبس 20 إلى 30 عاماً، وفي ظل اللجنة العسكرية تكون العقوبة ما بين 15 إلى 20 عاماً.
وجريمة الإرهاب عقوبتها الإعدام أيضاً، لكن في ظل حال الحرب هناك توقّع بمستوى معين من العنف من جانب العدو؛ ولذا تجري المحاكمات في إطار محاكم حرب، والهجوم الإرهابي لا تتوقعه ويحدث في وقت السلم، وليس لديك فرصة لحماية نفسك؛ لذا يتم نظر جريمة الإرهاب أمام المحاكم المحلية العادية. وجرائم التآمر والإرهاب والاختطاف هي جرائم محلية تحدث في زمن السلم وتحاول الحكومة الأميركية أن تضع تلك الجرائم في إطار جرائم الحرب حتى تصدر المحكمة حكمها بالإعدام.
وحول ما إذا كان البلوشي يشعر بالندم لتورطه في التخطيط والتمويل لهجمات 11 سبتمبر، وهل شعر بالأسف على الضحايا الذين قتلوا في تلك الهجمات، خصوصاً أن أسر الضحايا تحضر المحاكمات التمهيدية وترفع فيها صور القتلى، قالت المحامية إنه لا يتحدث بتفاصيل كثيرة حول الهجمات، وبطبيعة الحال فإن أسر الضحايا الذين يحضرون الجلسات التمهيدية يجعلون المرء يشعر بالمأساة لفقدان أحد أفراد الأسرة. والبلوشي يشعر بالحزن لأي ضحية في جميع أنحاء العالم ويتعاطف ويحزن لأي أسرة تفقد شخصاً عزيزاً عليها».
وحول طبيعة شخصيته، قالت الكا «إنه شخص ذكي للغاية، ومتديّن ولديه طاقة كبيرة ويتحدث العربية والإنجليزية بطلاقة، إضافة إلى لغات أخرى. يمتنع البلوشي، مثله مثل بقية المعتقلين، عن مصافحة النساء، لكنه يبدي احتراماً كبيراً للنساء في فريقه القانوني والدور الذي يقمن به».
وحول رؤيته لما يقوم به تنظيم داعش من خلال متابعة القنوات التلفزيونية (يوفر المعتقل عدداً من الساعات للمعتقلين لمشاهدة القنوات التلفزيونية الإخبارية والترفيهية)، أكدت الكا، أن جميع المعتقلين في غوانتانامو يكرهون «داعش» ويرفضون ما يقوم به من قتل للمدنيين الأبرياء.
أرسل تعليقك