الروائى واسينى الأعرج يكتب نجاة نداء ملكوتى يأتى من السماء
آخر تحديث GMT00:34:35
 العرب اليوم -

الروائى واسينى الأعرج يكتب" نجاة" نداء ملكوتى يأتى من السماء

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - الروائى واسينى الأعرج يكتب" نجاة" نداء ملكوتى يأتى من السماء

الروائى واسينى الأعرج
القاهرة - العرب اليوم

 

لم يكن الصحفى الكبير فكرى أباظة مخطئا عندما نبه، وهو يرى تمثيل نجاة الصغيرة «نجاة محمد كمال حسنى الباب 1938» وقدراتها الفنية فى فيلم «هدية» «1947» فى سن الثامنة: «إنها الصغيرة التى تحتاج إلى رعاية حتى يشتد عودها، وفى حاجة إلى عناية حتى تكبر، وهى محافظة على موهبتها، مبقية على نضارتها», لم يكن هذا الصحفى الكبير يعرف أن هذه الصغيرة التى لا تعرف إلا الغناء والدندنة فى كل مكان، ستخترق الغشاوة الاجتماعية المنغلقة، وتذهب بعيدا فى موهبتها, ولم تكن الطفلة الشامية الصغيرة وهى تتشبث بجلباب والدها الخطاط الشهير محمد كمال حسنى البابا الذى هاجر من الشام كما فعل الكثيرون فى ذلك الوقت الصعب، واستقر بالقاهرة مع عائلته الصغيرة، بأن ما كان ينتظرها كبير، وأكبر مما تخيله، وأن صوتها سيقلب النظام الموسيقى العربى المستقر على موازين ومقامات مستقرة، تعود عليها, لم تكن نجاة تعرف أنها ستكبر بسرعة خارقة، وأن جناحيها سيغطيان على الندوب والعيوب التى جرحت عصرها، يشغلها شىء واحد، أن تسعد الغير وهى تصحب والدها فى شوارع القاهرة، متجهان إلى أعراس الأقارب لتغنى وتشارك الناس أفراحهم وعمرها لم يتجاوز الخامسة، لم يكن والدها يدرك بأن هذه الطفلة الصغيرة ستصبح واحدة من أكبر نساء زمانها، مغنية عظيمة تحتل المشهد الثقافى والموسيقى العربى.  
 
كل شىء بدأ جديا من تلك اللحظة الحاسمة، عندما أدرك الوالد أن موهبة ابنته تحتاج إلى رعاية فعلية حقيقية وليس فقط إلى الاكتفاء بالأعراس، عندما بلغت نجاة سن التاسعة عشرة، كلف والدها شقيقها الأكبر عز الدين حسنى ليدربها على حفظ أغانى ومطولات «أم كلثوم»، كانت أحسن وسيلة لاختبار قدراتها الصوتية وتطويرها، لتقوم بأدائها فيما بعد فى حفلات الفرقة، وأدتها باكتمال وبموهبة وقدرات صوتية عالية، ووصلت إلى درجة عالية من الإتقان، فى الغناء وفى التحكم فى الطبقات الصوتية، منذ تلك اللحظة كانت نجاة قد دخلت فى عالم الاحتراف، وابتعدت نهائيا عن التقليد، لأنها أدركت فى وقت مبكر أنه مهم لكنه لا يكفى ليصنع منها نجمة. فهو مجرد مرحلة عابرة يجب تخطيها، غنت أول أغنية خاصة بها فى عام 1955 عن عمر يناهز 16 عاما، وكانت تحت عنوان: «ليه خليتنى أحبك؟»، قبل أن تتفرد وتبدأ بالأغانى القصيرة ثم الطويلة التى تشبه السرديات التى تتناول موضوعا حكائيا معينا. كانت تحت أنظار كبار الملحنين والفنانين، الموسيقار محمد عبدالوهاب لاحظ قبل غيره قدراتها الباطنية، كان يرى فيها شيئا أكبر وأعظم من مجرد التقليد، لهذا دافع عن فكرة تركها على على طبيعتها وسجيتها، فهى خامة حية ومميزة ويجب ألا تستهلك، كان ضد إرهاق صوتها، كثرة التدريبات يمكن أن تجرح أحبالها الصوتية وتعطل إمكاناتها الغنائية المميزة فى وقت مبكر، فى عام 1949، ذهب عبدالوهاب «1902-1991» فى دفاعه عنها بعيدا، فقدم شكوى احتجاجية فى مركز شرطة القاهرة، ضد والدها لأن التدريبات الثقيلة بالنسبة له هى: «عرقلة للعملية الطبيعية لتنمية صوتها، وأنها ينبغى أن تترك وحدها لتتطور بشكل طبيعى دون تلك التدريبات» إلحان محمد عبدالوهاب لها، كانت أكثر أمانا مع نجاة وأكثر احتراما لخصوصيتها، كان يعرف أنه وراء تلك النعومة قوة صوتية جارفة، لهذا وصفها ـ «صاحبة السكون الصاخب» منحها أعمالا فنية رفعتها بسرعة إلى سدة كبار الفنانين العرب. 
 
لم يكن الموسيقار العظيم كمال الطويل «1922-2003» أقل دفاعا عن موهبة نجاة الصغيرة من عبدالوهاب، فقد اكتشف بدوره الخامة الصوتية الكامنة فيها، واختار لها المقامات التى تناسبها، فلحن لها بناء على هذه الخيارات إلى درجة أنه اعتبرها الأفضل أداء عربيا، وهو موقف لم يكن عاديا. يكفيها عظمة أن اسمين كبيرين مثل عبدالوهاب وكمال الطويل، سيدا عصر الأنوار الموسيقى والثقافى، رفعاها عاليا، فقد جلب نحوها فنانين وملحنين كثر مثل بليغ حمدى، وشعراء عظاما أيضا من أمثال نزار قبانى. «1923-1998»، الذى صرح أنه «عندما ينشر ديوانا شعريا فإنه يأمل فى الحصول على نحو 15 ألف قارئ على أحسن تقدير، لكن عندما تغنى نجاة إحدى قصائده، فإنها تجتذب الملايين فى العالم العربى، فهو يعتبرها من أفضل من أدوا قصائده على أحسن وجه، شكل نزال بقصائده العاطفية مركزا أساسيا فى منجزها الفنى، فغنت له العديد من أشعاره فى شكل مطولات لحنها محمد عبدالوهاب، وكانت كلها ناجحة، وزادت من شعبيتها على وجه السرعة حتى أنها نافست كوكب الشرق، أم كلثوم، أغنيتها «متى» التى كتبها نزار قبانى وظهرت بها فى فيلمها الأخير «جفت الدموع» أعطت للفيلم قوة كبيرة على الرغم من أن مدتها لم تتجاوز العشر دقائق، لكن نجاة أدتها فى 2002 على خشبة المسرح لمدة ساعة وكانت جد ناجحة، بل وأكثر، زادت من قيمتها كفنانة عربية تخطت الحدود المصرية ليتم تكريمها فى أمكنة كثيرة، منها تونس، المغرب، الأردن وغيرها، مع هذا كله لم تختزل تجربتها فى السياسة. غنت الحب، الكرامة، الخيبة، الفقدان، لكنها ظلت ممتلئة بأمل كبير اسمه الحياة.
 
الفنان العظيم ليس من يبدع فقط ولكن من يعرف أيضا متى يتوقف، عندما لاحظت أن السن بدأ يفرض عليها قسوة شرطيته، قررت نجاة الاعتزال المؤقت قبل أن تعتزل نهائيا وتختفى عن الأنظار لتتحول إلى شفافية عميقة صاحبت جيلنا الذى عرفها فى الراديو، ثم فى التليفزيون ثم على المسارح المصرية والعربية لمن كان أكثر حظا نعرفها كما نعرف الأخت والأم وربما الحبيبة المستحيلة التى تحضر وتغيب فى دوار الحياة القاسى والجميل.
 
ثمانون ربيعا ونجاة فى القلب كأنها الآن، كأنها اللحظة الهاربة التى عشناها ونعيشها، أغانيها كانت جسرا من حرير بين العشاق، طفولتنا ومراهقتنا ارتبطت بحرارة صوتها، اليوم لا نتذكر فقط النجمة العربية والإنسانية التى تخطت حدود البلد والمقامات المعهودة، ولكن أيضا العبقرية العربية الخلاقة القادرة على الإبداع والإدهاش وخلق الاستثناء، وجودها يؤكد مرة أخرى أن الإبداع الحى لا يموت أبدا، ليست نجاة مغنية فقط مثل الآلاف الذين يملؤون الساحة العربية، ولكنها سماء واسعة من التسامح، ونجمة نرفض أن تأفل أو تغيب، فى زمن انطفأت فيه كل الأنجم الحية حتى كدنا نصدق أننا جئنا من الظلام وها نحن نعود له، فى الظلمة القاسية يكبر حجم القمر ويشع نور الأنجم أكثر، وعقلية التحريم التى أصبحت سلطانا وقانونا، لن تمنع هذا الشجن الملائكى من التجلى، كم نحن بحاجة ماسة ليس فقط إلى الصوت العظيم، صوت الآلهة فى أناشيدها المقدسة، ولكن أيضا إلى الأيقونة إلنى التى تملأنا قوة داخلية، وتدفع بنا إلى الاستمرار فى مقاومة هذا الزمن الصعب الذى خلف تمزقات وجراحات، للأغنية قدرتها فى إشفائها، وجود نجاة الصغيرة بيننا هو استمرار لأمل نبت جزء منه فى الشام، وجزؤه الثانى فى القاهرة، ويقين يكبر فينا كل صباح: الموت والإفناء ليسا قدرا نهائيا، لنا فى أيقونات الحياة ما يمنحنا أملا لن يموت أبدا.

  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الروائى واسينى الأعرج يكتب نجاة نداء ملكوتى يأتى من السماء الروائى واسينى الأعرج يكتب نجاة نداء ملكوتى يأتى من السماء



الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - العرب اليوم

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21

GMT 12:44 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 22

GMT 03:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 05:37 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 18:19 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

بيروت - جاكلين عقيقي

GMT 05:57 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 03:27 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 05:32 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور السبت 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 03:22 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 05:44 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 03:17 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 05:51 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 06:01 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 22:39 2023 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

مبابي يُفاجئ باريس سان جيرمان بخطوة جريئة

GMT 04:33 2023 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 18 أبريل / نيسان 2023
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab