قصة تميمة عين الحسد التي إمتدت إلى هياكل الطائرات
آخر تحديث GMT12:46:00
 العرب اليوم -

قصة "تميمة عين الحسد" التي إمتدت إلى هياكل الطائرات

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - قصة "تميمة عين الحسد" التي إمتدت إلى هياكل الطائرات

تميمة عين الحسد
واشنطن - العرب اليوم

ربما لم تحظ أي تميمة صنعها البشر لدرء قوى الشر والحسد الخفية بما حظيت به تميمة "عين الحسد" من شعبية ومكانة وتأثير ولا يقتصر انتشار هذه العين الزرقاء اللافتة للأنظار على أسواق إسطنبول فحسب، بل امتدت إلى هياكل الطائرات، وصفحات المجلات المصورة.

وذكر موقع "B.B.C "أن رمز "عيد الحسد في  العقود القليلة الماضية، اقتحم عالم الموضة، وظهرت كيم كارديشان في مناسبات عديدة بأساور وأطواق رأس يتوسطها هذا الرمز، بينما استخدمته جيجي حديد في أواخر 2017 لدى تدشين خط أحذية "أي لوف".

و زاد البحث عن مقاطع الفيديو التعليمية عبر الإنترنت التي تعرض كيفية توظيفيه في تصنيع الأساور والقلائد وسلاسل المفاتيح منذ رواج الرمز بين المشاهير،.

ربما يوحي هذا الاهتمام المفاجئ برمز "عين الحسد" بأن شعبيته قد تصاعدت في الأونة الأخيرة، ولكن هذا الرمز في الحقيقة يستأثر باهتمام البشر ويداعب مخيلتهم منذ آلاف السنين.

ويجب علينا التنبه إلى الفارق بين التميمة و"عين الحسد". وتهدف التميمة إلى درئ الحسد، وذلك على الرغم من أنه قد يطلق عليها "عين الحسد".

و اتخذت هذه التميمة أشكالًا عديدة منذ آلاف السنين.
مصدر الصورة Metropolitan Museum of Art
Image caption تماثيل عثر عليها في مدينة تل براك في سورية منحوتة من حجر الألباستر، وتسمى "أصنام العيون"، ويُعتقد أنها تعود إلى ما قبل عام 3500 قبل الميلاد

ويعد الحسد وما يسببه من أضرار مفهوما بسيطا، إذ ينبع من الاعتقاد بأن النجاح الكبير أو التميز يجلب الغيرة والحسد. ويتجلى ذلك في صورة لعنة تحيل النجاح إلى فشل.

وجسّد هذا المفهوم هيلودوراس من إميسا أو حمص حديثًا في روايته الإغريقية "أثيوبيكا"، حين كتب "عندما ينظر الشخص بعين حاسدة لشيء مميز يمتلئ المكان بغضا وكراهية، ويرسل سهامه المسمومة فيصيب بها من هو أقرب منه".

وينتشر الاعتقاد بقوة تأثير الحسد عبر مختلف الثقافات، وينتقل من جيل إلي جيل، ولم يتمكن أي مؤلف حتى يومنا هذا من أن يجمع من الأساطير التي نسجت حول الحسد ما جمعه فريدريك توماس إيلورثي في كتابه "العين الحاسدة: سرد كلاسيكي لخرافة قديمة".

وعرض إيلورثي تجسيد الناس للحسد في مختلف الثقافات، بداية من نساء قبيحات يوصفن في الأساطير الإغريقية بالبشاعة، ويعرفن بـ "الجرجونات"، ويحلن كل من ينظرن إليه إلى حجر، وصولا إلى الحكايات الشعبية التي يتناقلها الأيرلنديون عن رجال يسحرون الخيل بنظرة واحدة. ولا تخلو ثقافة من أساطير حول العين الحاسدة الشريرة.
Image caption دُفنت عين حورس مع الفراعنة لحمايتهم في الحياة الأبدية

وترسخ الحسد ورموزه في ثقافة الشعوب، إلى درجة أنه ورد ذكره في النصوص الدينية، بما في ذلك الإنجيل والقرآن.

لم يعد الاعتقاد بأثر العين مجرد خرافة، فقد أكد وجوده بعض كبار المفكرين، وكان أشهرهم الفيلسوف الإغريقي بلوتارخ، الذي عرض في مصنفه "حلقات نقاش"، تفسيرا علميا للحسد، حين قال: إن عين البشر لديها القدرة على إطلاق أشعة غير مرئية، كانت في بعض الحالات، من القوة بحيث أهلكت الأطفال أو الحيوانات الصغيرة.

و زعم بلوتارخ أن بعض الناس أقدر من غيرهم على السحر، إذ أشار إلى مجموعة من الناس يعيشون جنوب البحر الأسود لديهم قدرات خارقة على الإصابة بالعين ويوصف عادة من يقال إنهم يملكون قدرات استثنائية على الحسد بأنهم أصحاب عيون زرقاء، ربما لأن هذه الصفة الوراثية نادرة في هذه المنطقة من حوض البحر المتوسط.

وأشار إيلورثي في كتابه إلى حكاية شعبية بولندية قديمة تدور حول رجل بلغت قدرته على إيذاء الآخرين بنظرته حدا جعله يؤثر أن يقتلع عينيه عن إلحاق الضرر بمن يحبهم.
Image caption تنتشر تميمة الكف التي تتوسطها العين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

وفي ظل شيوع الاعتقاد بقوة تأثير العين وما تجلبه من مصائب وكوارث لمن يصاب بها، ليس من المستغرب أن يبحث الناس من الحضارات القديمة عن وسائل لدفع أذاها، ما أدى إلى ظهور التمائم بأشكالها المتنوعة كما نعرفها اليوم.

وتقول دكتورة نيس ييلديران، أستاذة التاريخ الفني بجامعة بهتشه شهير في إسطنبول "يعود أول شكل من أشكال تمائم العين إلى عام3300 قبل الميلاد. واكتُشفت هذه التمائم في تل براك، وهي واحدة من أقدم المدن في منطقة ما بين النهرين، التي كانت تضم سورية وكانت هذه التمائم في صورة تماثيل من حجر الألباستر ذات عيون كبيرة منحوتة".

لكن تماثيل تل براك التي يقال إنها واحدة من أقدم التمائم المكتشفة لدرء العين، تبدو مختلفة تماما عن الخزرة الزرقاء المنتشرة في الوقت الحالي والتي لم تظهر في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط إلا نحو عام 1500 قبل الميلاد، فكيف تطورت هذه النماذج الأولى للتمائم لتصبح على هذا الشكل الحديث؟

وتقول ييلديران "ارتبط ظهور الخرزة الزرقاء المصنوعة من الزجاج في جزر بحر إيجة وآسيا الصغرى بتطور صناعة الزجاج. أما اللون الأزرق فمصدره الطين المصري المصقول الذي يحتوي على نسبة مرتفعة من الأكاسيد، إذ يُنتج النحاس والكوبلت اللون الأزق عند درجة حرارة الحرق".

وتقول ييلديران إن قلائد عين حورس التي اكتشفت في مصر هي الأكثر تأثيرا على شكل التمائم الزرقاء الحديثة. إذ افتتنت القبائل التركية الأولى بهذه الدرجة من اللون الأزرق، لارتباطها بإله السماء تنغري، ولعلهم استلهموا من المصريين استخدامهم للكوبلت والنحاس.

ولاقت بعدها الخرزة الزرقاء التي يتوسطها رسم العين انتشارا واسعا في المنطقة، واستخدمها الفينيقيون والسريانيون واليونانيون والرومان، واشتهر بها العثمانيون، وكانت أكثر رواجا في دول حوض المتوسط وبلاد الشام. وفي أعقاب ازدهار النشاط التجاري وتوسع الإمبراطوريات، انتقلت الخرزة الزقاء إلى سائر أرجاء المعمورة.

لا أحد ينكر الأهمية التاريخية لهذه التميمة الزرقاء، ولكن أكثر ما يثير الاهتمام في هذه الخرزة الزرقاء هو التغير الذي طرأ على استخدامها على مدار آلاف السنين. وما زلنا نضع رمز الخرزة الزرقاء على طائراتنا مثلما كان المصريون، والإيتروسكانيون يرسمون العين على مقدمة السفينة لضمان مرورها بسلام.

ولا يزال الأتراك يواظبون على إهداء المولود الجديد رمز العين الزرقاء، اعتقادا منهم أن الصغار أكثر عرضة للحسد.
Image caption عين العناية الإلهية، التي تظهر على ظهر الورقة النقدية الأمريكية من فئة الدولار، هي أحد الرموز التي يتبناها الكثير من الماسونيين أو البنائين الأحرار، وتعني أن الله كلي الوجود

لكن المرء قد يتساءل هل ستفقد هذه التميمة الزرقاء معناها الحقيقي وقيمتها التاريخية بسبب اختلاف أشكالها واستخداماتها من ثقافة لأخرى ومن سياق لآخر؟ ولا سيما بعد أن أثيرت مخاوف بشأن استغلال العين التي تتوسط تميمة الكف في مجال الأزياء والموضة دون تقدير قميتها الثقافية وفهم معناها.

ونظرا لامتداد تاريخ تميمة درء العين وارتباطها بمعتقدات راسخة في وجدان الكثيرين، فقد يُنظر لها في الوقت الحالي على أنها موروث ثقافي، وتنحدر كل من كيم كارديشان وجيجي حديد من ثقافات تأصلت فيها أهمية هذه التميمة الزرقاء لدرء العين وإبعاد الشرور.

ولكن ييلديران تقول: "لطالما كانت تمائم درء العين جزءا من ثقافة منطقة جغرافية كبيرة، وتنوعت استخداماتها وأشكالها من بلد لأخر. وربما نرى في المستقبل المزيد من الأشكال والتصميمات المستوحاة من هذه التمائم".

لا شك أن تمائم درء العين استطاعت أن تتخطى الحدود الثقافية والجغرافية والدينية، ولهذا يجدر بنا أن نقدر قيمتها المعنوية ولا ننظر لها كحلية جذابة أو صيحة من صيحات الموضة. فهذه التمائم هي موروث ثقافي تناقلته الأجيال منذ فجر الحضارة، وتعكس بعض أكثر المعتقدات رسوخا وعمقا في أذهان البشرية.

وإذا ارتديت هذه التمائم دون أن تعرف هذه المعلومات عن معناها وتاريخها، فإنها لن تصبح بلا تأثير فحسب، إنما أيضا قد تزيد من مفعول العين التي كانت من المفترض أن تحميك منها، هذا بالطبع إن كنت تؤمن بتأثير التمائم.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة تميمة عين الحسد التي إمتدت إلى هياكل الطائرات قصة تميمة عين الحسد التي إمتدت إلى هياكل الطائرات



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض
 العرب اليوم - ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
 العرب اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 05:56 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

تدمير التاريخ

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 17:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يحاول استعادة بلدات في حماة

GMT 06:19 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

اللا نصر واللا هزيمة فى حرب لبنان!

GMT 02:32 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا تعلن عن طرح عملة جديدة يبدأ التداول بها في 2025

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 20:57 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يؤكد موقف الإمارات الداعم لسوريا

GMT 07:30 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 18:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن زايد ومحمد بن سلمان يبحثان العلاقات الأخوية

GMT 06:25 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab