رام الله ـ العرب اليوم
للحياة وجوهٌ كثيرةً قد تسقط أقنعتها، ويبقى الوجه الأقسى منها يحفر فينا آثاره حد الآلم، نقف حائرين متسائلين، لماذا نتشبث بأفكارنا البالية ولا نتخلى عن عاداتنا السيئة، ونقتدى بما اقره الشرع واجازته القوانين، تلك المتعلقة بحقوق المرأة وأهمها الميراث، وما أقرته الشريعة الاسلامية والقانون لم يكن كافياً للتخلي عن الفكرة السائدة بحرمان المرأة من حقها في الميراث، وهو حق شرعي وقانوني من أجل حفظ حقوق كل من المرأة والرجل في أموال ذويهم، وذلك لما له من آثار اجتماعية واسرية ايجابية، واخرى اقتصادية تؤدي الى تحسين الوضع المادي وخاصة لمن هم بحاجة للحصول على حقهم في الميراث.
فلم يكن حال المواطنة (ر.ع) من محافظة سلفيت أفضل من مثيلاتها من النساء الفلسطينيات اللواتي ذهبن ضحية مجتمعنا الذكوري، فلم تستطع (ر.ع) اخفاء دموعها وحسرتها على ما حل بها، لا لجريمةً ارتكبتها، بل لأنها ببساطة طالبت بحقها من تركة ابيها قائلة: " كنت الفتاة الوحيدة في عائلة مؤلفة من أربعة ذكور، علاقتي بهم كانت من أفضل ما يكون، ولكن شاء القدر أن ينقلب الحال بنا بعد وفاة والدي، ويظهر الوجه الآخر لأشقائي واتفاجأ بأن من كنت أظنهم سندي في الحياة، كانوا سبباً في حرماني من حقوقي وسعيي في المحاكم من أجل المطالبة بها "، مضيفة " وبعد أن طالبتهم بحقي في الميراث، رفضوا ذلك وادعوا أن حقي وصلني سابقاً، ولم يكترثوا لوفاة زوجي منذ ما يزيد عن خمسة سنوات وظروفي الاقتصادية الصعبة وحاجتي أنا وأبنائي لهذا الحق ".
وتتابع (ر.ع) " لجأت الى المحاكم لتحصيل حقي الشرعي في الميراث الذي حرمت منه، لكن للأسف حتى الأن لم استطع الحصول عليه لما تأخذه هذه القضايا من وقت طويل في المحاكم تجعلني أشعر باليأس ".
العادات والتقاليد فوق الشريعة والقانون
بالرغم من أن الشرع والقانون كفل للمرأة حقها في الميراث، وجاء ليعطيها ما نص عليه القران الكريم، الا أن هناك من لم يكترث بذلك مخترقاً كل النصوص الشرعية والقانونية، بأسم العادات والتقاليد بأعتبارها فوق القانون في نظرهم.
وفي الوقت الذي جاء فيه الشرع لينصف المرأة، الا أن هناك فئة خالفت هذا الشرع واستمرت في سلب حقوق الوريثات بدعاوى جاهلية باطلة، ويجسد ذلك من خلال الأرتفاع الملحوظ في عدد القضايا المعروضة داخل المحاكم، التي تشتكي فيها المرأة من سرقة حقها في الميراث.
" لم يفرض الله عز وجل الميراث عبثاً بل جاء من أجل حفظ كل من حق المرأة والرجل، وما ورد في سورة النساء كان كافياً لتوضيح كيف يتم تقسيم الانصبة " هذا ما قاله قاضي المحكمة الشرعية حسين الحواري، واستكمل حديثه عن عملية حصر الارث في المحاكم الشرعية وقال: "إن العملية لا تستغرق أكثر من اسبوع في حال كانت الاجراءات صحيحة دون أي نقص، وقد تستغرق عدة اشهر في حال وجود خطأ في حجة حصر الارث".
ونفى الحواري أن يكون هناك تأخير في اصدار الاحكام في المحاكم الشرعية، مؤكداً على سير الاجراءات القانونية بشكلها الطبيعي، وحمل مسؤولية تأخير الميراث الى المرأة نفسها، نتيجة لتقصيرها في تنفيذ حجة حصر الارث والمطالبة به لدى الدوائر المختصة، خوفاً من المجتمع وتمسكاً بالعادات والتقاليد.
علامات استفهام حول المحاكم
يحتكم الناس الى القانون بصفته المظلة الشرعية التي يحتمون بها، وعلى الرغم من اللجوء الى القضاء لتحصيل حقوقهم، الا أن هناك الكثير من علامات الاستفهام تحوم حول الاجراءات القانونية المعقدة التى تستغرق وقتاً طويلاً في المحاكم دون معرفة الاسباب الحقيقية وراء ذلك، وأشار المستشار القانوني في محافظة سلفيت فراس سلامة الى وجود صعوبات في الاجراءات المتعلقة بقضايا الميراث، تبدأ من المحكمة الشرعية المختصة في حصر الارث وتحديد الورثة والانصبة الارثية والاسهم، وصولاً الى المحكمة المدنية التي تساعد في الحصول على الميراث.
مبيناً أن مثل هذه القضايا تستغرق مدة زمنية طويلة تمتد لعشرات السنوات لقدم القوانين المعمول بها في المحاكم الفلسطينية، مما يدفع بعض النساء الى التنازل عن حقها وبالتالي موت العديد من القضايا دون تحقيق أي مطلب للوريث.
ويعزو سلامة زيادة قضايا الاجحاف بحق المرأة والمطالبة بالميراث الى ارتفاع قيمة الاراضي مقارنة بالسنوات الماضية، وبالتالى تتعرض الكثير من الزوجات لضغط من أزواجهن بسبب سوء الوضع الاقتصادي. وطالب الجهات المختصة بضرورة وجود قانون رادع وقضاة ومحاكم مختصة في مثل هذه القضايا، من أجل إنجازها في فترة قصيرة دون مماطلة ولعدم ضياع حقوق الورثة.
دور جمعيات حقوق المرأة
لجمعيات حقوق المرأة دور فاعل في الدفاع عن حق المرأة في كافة قضاياها، وبالتحديد فيما يتعلق بالميراث، وفي هذا السياق تحدثت ميسون عثمان مدير دائرة النوع الاجتماعي في محافظة سلفيت، عما يترتب عن عدم اعطاء المرأة حقها الشرعي بالميراث.
وقالت عثمان: " عملنا على تنفيذ برنامج حق المرأة في الميراث، والذي يشمل العديد من العروض المسرحية والندوات التوعوية في تجمعات المحافظة والهادفة الى توعية كلا الجنسين، بالاضافة الى تنظيم فعالية موحدة في خطب الجمعة تشمل كافة المساجد، بالتعاون مع الخطباء في الدعوة الى تعريف المواطنين بالميراث وأهمية حصول المرأة على حقها ".
مشيرة الى أن ما يحدث بين افراد المجتمع، من عدم معرفة حقوق الفرد وواجباته وسيطرة الانانية على الافراد، والبعد عن الوازع الديني بالاضافة الى التمسك بالعادات والتقاليد النابعة من مجتمع شرقي ذكوري بحت مثل تخجيل النساء من خلال إعطاء المرأة مبلغ بسيط مقابل التخلي عن فكرة المطالبة بالميراث ووقوف البعض في وجه حصول المرأة على ميراثها لكي لا تكون من نصيب الزوج او الولد المنتمي الى عائلة أخرى، مما يجعل البعض منهن يلجأن للسكوت عن حقهن على مضض خوفاً من مقاطعة الأهل وتجنباً للنظرة السيئة من المجتمع المحيط، كل هذه الامور تسهم في تفكيك الراوبط العائلية، ونجد ان هذه الحالة تنطبق على الكثير من النساء اللواتي حرمن من حقهن في الميراث لمعتقدات تتعلق بالعادات والتقاليد السائدة.
لجان الاصلاح في المحافظة
لعبت لجان الاصلاح والعشائر دوراً كبيراً في حل مثل هذه النزاعات خاصة في مناطق القرى داخل المحافظة، وتحدث سليم عبد الرحمن مدير دائرة الاصلاح والعشائر في محافظة سلفيت عن الثقافة السائدة في المنطقة بعدم إعطاء المرأة حقها في الميراث، وكذلك لدى المرأة نفسها بعدم المطالبة بحقها الشرعي خوفاً من المجتمع.
وقال عبد الرحمن: " أن نظرة المجتمع بدأت تتطور بخصوص هذا الشأن، وهناك العديد من القضايا التى تعمل لجان الاصلاح والعشائر على حلها بشكل سلمي لإنهاء هذه الخلافات بحلول ترضى الطرفين ".
للأوقاف دور هام في توعية الافراد
"فسرت الشريعة الميراث بشكل قاطع لا يقبل الشك، من خلال ما جاء في آيات القرآن الكريم والسنة النبوية لقوله تعالى: ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه وكثر نصيباً مفروضاً )، وقد لجأت الكثير من دول العالم الغربي للعمل بما شرعه القرآن فيما يتعلق بالميراث "، هذا ما قاله علاء داود رئيس قسم الوعظ والارشاد في مديرية اوقاف سلفيت.
وتحدث داود عن دور مديرية الاوقاف في توعية المواطنين بضرورة إعطاء المرأة كامل حقها في الميراث، والتركيز على حق المرأة بالميراث من خلال خطباء المساجد والواعظات اللواتي يقمن بدور مهم في توعية النساء بضرورة المطالبة بحقهن.
وأخيراً لابد أن يكون للمرأة جرأة اكبر في المطالبة بحقها والحصول على ميراثها كما نصت عليه الشرائع السماوية وأقرته القوانين، وكذلك لا يجب ان نغفل الدور المهم والفاعل للجمعيات والمؤسسات المعنية في هذا الجانب، وانه من حق المرأة علينا أن نقف الى جانبها من خلال تطبيق شرع الله وأعطائها حقوقها كاملة دون انتقاص، فالخطوة الاولى والمهمة في سبيل تلبية هذا النداء، هو أن يسعى من بيدهم القرار الى تعديل نصوص القانون المتعلقة بالميراث، حتى لا تستهلك المراة عمرها في أروقة المحاكم باحثة عمن ينصفها.
أرسل تعليقك