أكدت جمعية معهد "تضامن النساء" الأردني "تضامن" أنّه وعلى الرغم من وصول نساء عديدات إلى مواقع صنع القرار واندماجهن في الحياة العامة والسياسيّة على وجه التحديد، إلا أن الصفات والألقاب المذكّرة لا زالت تحاصرهن وتتنكر لإنجازاتهن، حيث لا يتم استخدام كلمة "وزيرة" و"قاضية" و"نائبة" و "أمينة عامة" عندما تصل النساء إلى مواقع المسؤولية هذه. وإذا ما أخذنا النساء في السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، فإن ما يزيد عن 176 قاضية يعملن في السلك القضائي و20 نائبة يشغلن مقاعد في مجلس النواب الثامن عشر، ووزيرتان في حكومة الدكتور هاني الملقي، يحرمن من استخدام تاء التأنيث حتى في المخاطبات الرسمية؟ وينطبق ذلك أيضًا على النساء في كافة مواقعهن وفي مختلف المجالات.
وأوضحت "تضامن" أنّ من حق النساء أن يوصفن بألقاب تتضمن تاء التأنيث، ولا يجوز مطلقًا التذرع بأن بعض الصفات والألقاب تصبح لها دلالات سلبية أو غير واضحة عند تأنيثها، ورغم أن هذا الأمر ينطبق على العديد من الصفات الذكورية فإن سرعة استخدام المبررات عندما يتطلب الموقف تأنيث الصفة أو اللقب تشير إلى نزعة لحرمان النساء من تاء التأنيث دون سند، وإلى شكل من أشكال التمييز ضدهن. فنقول "معلم" و "معلمة" و "مدرس" و "مدرسة" و "مدير" و "مديرة" بينما نمتنع عن قول "عضوة" و "رئيسة جلسة" و "وزيرة" و "نائبة" و "قاضية". علمًا بأن الكثير من الأسماء المشتركة بين الجنسين تحدث لبسًا في حال استخدام الألقاب الذكورية على النساء، فمثلًا القاضي "وسام" قد يكون ذكرًا أو أنثى والنائب "جود" والوزير "حكمت".
وتشير "تضامن" الى أن اللغة العربية تمتاز وتتفوق على العديد من اللغات، فتاء التأنيث التي تسهّل التمايز المبيّن لنوع الجنس شهدت عناية من الباحثين وأفردوا لها كتبًا وأبحاثًا عديدة، وهي من القضايا الشائكة التي تكثر فيها الأخطاء من قبل الكتَاب والكاتبات والمستخدمين والمستخدمات للغة العربية، حتى أصبح التذكير واحدًا من أبرز الأخطاء اللغوية شيوعًا.
وأضافت "تضامن" أن النمطية والهيمنة الذكورية على اللغات بشكل عام أدت الى عدم إنصاف للنساء، ففي بحث للكاتب بول فورفي عام 1944 حول علاقة اللغة بالمرأة في المجتمعات البدائية أشار إلى " أن لغة الرجال يمكنها أن تكون آداة للسيطرة على النساء، كما هو الحال بالنسبة للسلطة التي يمارسها متكلمو اللغة الفصحى على من يتكلمون العامية".
كما وتشير الدكتورة رشيدة بنمسعود في بحثها المعنون المرأة في اللغة العربية إلى أن " إقصاء المرأة من دائرة العقل والعلم ووضعها في خانة الخطأ واللحن في اللغة ، يعد من أسباب نشأة علم النحو العربي". ومما يثير الانتباه ظاهرة "الرتبة" بين المذكر والمؤنث في النظام اللغوي كما تؤكد بنمسعود ، فيكفي وجود رجل واحد بين مجموعة من النساء ليتحول ضمير النسوة الى مذكر. وقد جرى ترسيخ تأطير الإنحياز التمييزي بين الجنسين في النظرية النحوية من خلال ثنائية الأصل والفرع ، وأن الأصل هو المذكر والمؤنث مجرد فرع.
وتابعت "تضامن" أن النساء ما زلن محاصرات باعتماد التذكير كأصل على الرغم من التقدم الحضاري واندماج النساء في مختلف المجالات كالطب والتعليم ودخولهن سوق العمل ، فقد أجاز أعضاء مجمع اللغة العربية في القاهرة بدورته الرابعة والأربعون "أن يوصف المؤنث بالمذكر" فهي عضو أو مدير أو رئيس جلسة أو محاضر أو أستاذ مساعد أو نائب. غير أن الباحث رشيد الإدريسي يرى "أن المذكر قد لا يكون دائمًا قرينًا للأصالة أو الفصاحة، بل قد يأخذ مكانة التأنيث أحيانًا، فعندما يبلغ أعلى درجات العلم يسمى تسمية الأنثى، فيقال له (علاَمة) بدلًا من عالم. إلا أن العلامة المرحوم ناصر الدين الأسد في خطاب عام في المؤتمر الثقافي الوطني عام 2004، أكد على وجوب تأنيث الصفات والألقاب وإضافة تاء التأنيث اليها.
وشدد جمعية "تضامن" على الدور الهام الذي يمكن أن تقوم به النساء في تغيير النمطية الذكورية المتعلقة بقواعد النحو، من خلال الاندماج في مبادرات الإصلاح والتجديد لنظام اللغة العربية وقواعد النحو بشكل خاص والتي انطلقت منذ عشرينيات القرن الماضي، لتتمكن النساء من التحدث بأصواتهن. اللغة العربية هي لغة عالمية يتحدثها 422 مليون نسمة في الوطن العربي وفي المناطق المجاورة كتركيا والسنغال وتشاد وإرتيريا ومالي، وهي لغة تتمتع بأهمية كبيرة خاصة لدى المسلمين حيث يستعملها أكثر من مليار ونصف المليار حول العالم. كما للغة العربية دور كبير ومساهمات لا يمكن حصرها في حفظ ونشر ثقافة الإنسان وحضارته فقط ، كما أصبحت لغة السياسة والعلم والأدب والطب والقانون لقرون طويلة.
وأثرت اللغة العربية على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي بشكل مباشر وغير مباشر، كالتركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية. وتُدرس بشكل رسمي وغير رسمي في العديد من الدول وهي لغة رسمية في كل من تشاد وإرتيريا.
يذكر أن استخدام الألقاب في الوظائف العليا في الدولة لا يزال ساريًا على الرغم من صدور قرار الهيئة النيابية المشكلة بأمر من رئاسة الوزراء، والقاضي بالغاء جميع الألقاب والرتب في المملكة في الثالث من شهر آب/أغسطس عام 1952، وكانت أول حكومة يصدر مرسوم تشكيلها من دون ألقاب أو رتب، هي حكومة توفيق أبو الهدى العاشرة، المؤلفة في أيلول/سبتمبر عام 1952. ولا تزال تُستخدم هذه الألقاب في سلطات الدولة الثلاث، فيقال "الوزير" و "القاضي" والنائب".
حرص القرآن الكريم وفي أكثر من موقع على مخاطبة الذكور والإناث، كقوله تعالى في الآية رقم 35 من سورة الأحزاب :"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً".
أرسل تعليقك