كرماء النسب في دولة العراق بين حق العيش ونظرة المجتمع
آخر تحديث GMT21:22:01
 العرب اليوم -

"كرماء النسب" في دولة العراق بين حق العيش ونظرة المجتمع

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - "كرماء النسب" في دولة العراق بين حق العيش ونظرة المجتمع

كرماء النسب
بغداد - العرب اليوم

يترك رضعٌ لمصيرهم في العراء عند باب مسجد أو دار أيتام. بعضهم جاء إلى الحياة نتيجة علاقة خارج إطار الزواج، آخرون تركوا نتيجة فقر الأسرة. كثيرون شقوا طريقهم في الحياة، وبعضهم ينتظره مصير مجهول. في المقال قصص من العراق.

هنالك من يتمنى إنجاب طفل، في المقابل هناك من يرمي طفلاً لأسباب عدة، أبرزها الفقر. وبعد سلسلة الحروب والإرهاب التي ضربت البلاد منذ عقود، زادت ظاهرة التخلي عن الأطفال في العراق بشكل مخيف. وبين فترة وأخرى نسمع عن طفل مرمي في حاوية للنفايات أو في أماكن لا تخطر على البال، معظم من يُرموّن من حديثي الولادة، ليكبروا من دون معرفة ذويهم، ويطلق عليهم اسم "اللقطاء" أو مجهولي النسب أو كما يشار إليهم منذ نهاية 2013، باسم "كرماء النسب".

يقول مدير مستشفى فاطمة الزهراء التعليمي للنسائية والأطفال في بغداد، د. عباس عويد لـDW عربية "يحدث أن يُترك الطفل قرب المستشفى أو تجلب إحدى دوريات الشرطة الطفل لفحصه"، مشيراً إلى وجود حالات تخص "نساء داعشيات معظمهن أجنبيات، بمعدل اليوم الواحد تأتي حالة إلى حالتين، يلدن بالمستشفى ويتم مراقبتهن مع العناية الطبية الكاملة".

ويشير إلى أن "بعض الأسر تسأل إذا كان هناك طفل مجهول النسب، لغرض تبنيه أو امرأة تريد ترك طفلها لأسباب معينة".

"تعبت نفسيا عند معرفة الحقيقة"

ك.م (13 عاما)، عيناه مغمورتان بالحزن منذ معرفته الحقيقة، ويقول لـDW عربية وهو يبكي: "منذ معرفتي أن المرأة التي ربتني والرجل الذي كان يدللني كثيرا ليسا والدي تعبت نفسيا وذهبت للمستشفى".

يقول ك.م: "المرأة التي ربتني مثل ابنها وحاربت الجميع من أجلي لن أتركها ولا تهمني نظرة المجتمع"، يستمر بالبكاء ويرفع رأسه إلى السماء داعيا بحرقة "كل عائلة رمت طفلها بالشارع حسبي الله ونعم الوكيل بهم".

قصته قد بدأت في شهر تموز/ يوليو، تحت أشعة الشمس الحارة بمدينة الموصل، حين عثر رجل على طفل حديث الولادة. كان ك.م مرمياً عند باب الجامع، فقرر أن يأخذه الرجل ليربيه مع زوجته أسماء (اسم مستعار)، بعد عشرين سنة من عدم الإنجاب. ولم يتأخر الرجل كثيراً، فقد دبر له المستمسكات الرسمية مع بيان ولادة.

تقول أسماء (39 عاما) لـDW عربية "أخذت الطفل وعمره يوم واحد وذهبت به إلى المستشفى لأنه كان مختنقا ليخرج الطبيب من حلقه قطعة قطن، ربما تتصور أسرته الحقيقية أنه ميت الآن".

وبعد دخول "داعش" لمدينة الموصل توفي زوج أسماء، فهربت بصحبة ابنها ك.م إلى سوريا وتركيا، من ثم عادت إلى بغداد، تنتقل من مخيم إلى آخر لتستقر حاليا مع عائلتها بإحدى المخيمات للنازحين.

تقول أسماء: "حالتنا صعبة، لا كهرباء ولا ماء وليس لدي راتب لأصرف على نفسي وابني الذي لا يستطيع الدراسة ونعيش حاليا على الصدقات والتبرعات".

تتابع كلامها: "ك.م لم يكن يعرف الحقيقة لكن في إحدى الأيام طلب رجل يدي للزواج ورفضت لأنه لا يريده، فتشاجرت أختي معي وقالت هذا الطفل سيضيّع مستقبلك اتركيه أو سأخبره بالحقيقة".

بعمر التاسعة عرف ك.م الحقيقة المرة من أخت أسماء، ليشعر وكأنه في حلم يريد الاستيقاظ منه بسرعة. تقول أسماء: "أخي الكبير يعتبره ابن نزوة وطلب مني أن أضعه بالميتم وعائلة زوجي تريد إخراجه من النسب حتى لا يدخل في الميراث"، تضيف "عندما وجدني ك.م باكية طلب مني أن أضعه في الميتم وزيارته بين فترة وأخرى لكني لن أفعل ذلك أبدا".

إجراء العملية ستخفي الحقيقة          

منذ نحو سنة وجد أحد مواطني مدينة بعقوبة، طفلة رضيعة لا يتجاوز عمرها اليومين مرمية في العراء تحت أشعة الشمس الحارة في شهر آب/ أغسطس، ليذهب بها إلى إحدى المستشفيات لتلقي العلاج.

هذه القضية أثارت الرأي العام بوقتها وخلقت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا بعد تعرض الطفلة إلى حشرات ضارة وقوارض أكلت خمسة من أصابع يدها اليمنى وأصبعين من يدها اليسرى، لبقائها في العراء لمدة يومين.

الطفلة بقيت بالمستشفى لمدة شهرين تتلقى العلاج والعناية الطبية الكاملة وفي أثناء ذلك جاءت طلبات عدة للمحكمة والمستشفى من عائلات داخل وخارج العراق لتبنيها، إلى أن تبنتها الممرضة التي رافقتها منذ مجيئها المستشفى وأصبحت بحالة صحية جيدة.

DW عربية حاورت الممرضة هدى (اسم مستعار)، التي قالت: "إنني متزوجة منذ أربع سنوات ولم أنجب الأطفال وقد تعلقت بالطفلة، ورغم إعاقتها أردت تبنيها فأقنعت زوجي لأنه كان معارضا. لكن بعد أن رأى الطفلة تعلق بها وعائلتي وعائلة زوجي أحبوا الطفلة كثيرا". تتابع كلامها: "قدمنا طلب للمحكمة لتبنيها واستوفينا جميع الشروط ولم يبق سوى إخراج المستمسكات وتسجيل الطفلة باسم زوجي".

الطفلة الآن بحالة صحية ممتازة تأكل وتلعب، لكن هل ستُخبر يوماً بالحقيقة. تأخذ هدى نفسا عميقا وتقول: "الجميع يعرف بأني تبنيت الطفلة خصوصا بعدما انتشرت قصتها، ولا أدري ماذا يحدث في المستقبل. إذا لم أخبرها ربما تعرف من غيري ولا أعلم كيف سيكون رد فعلها".

 تتابع الكلام: "لكن إذا أجرينا عملية ليديها وفمها ستختفي الآثار ولا أحد سيتعرف عليها وربما نسافر إلى بلد آخر أو محافظة أخرى حتى نضمن أيضا أنها لن تتزوج بشخص قد يكون أخيها"، تفكر هدى بكل التفاصيل الصغيرة حول مستقبل الطفلة.

نظرة القانون العراقي "لكرماء النسب"

د.عماد البدري هو المحامي الذي تبنى قضية الطفلة الرضيعة، يتحدث لـDW عربية قائلا: "القانون العراقي ذكر الضم بدل التبني حفاظا على نفسية الطفل وشروط الضم هي: تقديم طلب من زوجين عراقيين سليمين عقليا وخاليين من الأمراض المعدية، مع تقديم ما يؤيد حسن السيرة والسلوك، وأن تكون للطفل حصة لا تتجاوز ثلث التركة، ولم يرزقا بطفل، ومر على زواجهما فترة لا تقل عن خمس سنوات".

ويضيف المحامي "بعدها تصدر المحكمة قرارا بضم الطفل مؤقتا لستة أشهر للمراقبة وترسل باحثا اجتماعيا للتحقق من الرعاية الكاملة للطفل وبعد التأكد تصدر المحكمة قرارها بضم العائلة للطفل بشكل نهائي".

مدير عام دائرة ذوي الاحتياجات الخاصة ومدير مكتب هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، د.عبير الجلبي، تقول لـDW عربية: "الوزارة أطلقت تسمية كريم النسب لأنهم ضحايا وحاليا نريد أعداد مسودة قانون للطفل العراقي وسنضمن هذه التسمية ضمن القانون".

تقول د.عبير: "سابقا كان مجهول النسب يعزل بدور خاصة فقررنا دمجهم مع دور الأيتام ونستخرج لهم مستمسكات بأسماء وهمية نختارها لهم"، وتؤكد "بعد 2003، معظم كرماء النسب لا يعرفون حقيقتهم لأننا لا نخبرهم ونعدهم يتامى بسبب نظرة المجتمع الدونية، مع حقهم بالعيش".

تتابع كلامها: "فقط نحن ووزارة الداخلية نعرف أن هذا الشخص مجهول النسب عن طريق رمز محدد في الهوية، حتى حامل الهوية لا يعرف الرمز". وتشير إلى أن "56 شخصا كريما للنسب، عينوا في وظائف محترمة، منهم ضباط ومدرسين وموظفين بوزارات ومنهم من تزوج وأنجب الأولاد".

دور الأيتام

DW عربية توجهت إلى إحدى دور الأيتام للبنين والبنات تأسست عام 1979 في محافظة أربيل. مدير الدار زيتو توفيق يتحدث قائلا: "في عامي 2014 و 2015 استقبلنا أطفالا من الموصل والفلوجة وديالى بسبب داعش، وأطفال النازحين والسوريين، وإلى الآن يوجد في الدار ثلاثة أطفال من الموصل".

يقول زيتو: "كرماء النسب يأتون للدار حديثي الولادة. يوجد مربيات لرعايتهم، ومعظمهم لا يبقون بالدار بعد تبنيهم من عائلات. وفي عام 2015، وجدنا طفلا داخل كارتون متروك عند الباب الخلفي للدار وتم رعايته وتبنيه من عائلة".

يتابع كلامه: "هنالك كثير من الجهات الخيرية التي تدعم الدار معنويا وماديا لإعادة تأهيل الأطفال ودمجهم في المجتمع".

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كرماء النسب في دولة العراق بين حق العيش ونظرة المجتمع كرماء النسب في دولة العراق بين حق العيش ونظرة المجتمع



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:33 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 العرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 العرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 20:15 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
 العرب اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 العرب اليوم - فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
 العرب اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 15:42 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن الفترات الصعبة في مشواره الفني
 العرب اليوم - أحمد عز يتحدث عن الفترات الصعبة في مشواره الفني

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025

GMT 20:36 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إسعاد يونس تتمنى أن يجمعها عمل مسرحي بشريهان

GMT 10:43 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البيتكوين تقترب من 90 ألف دولار بعد انتخاب ترامب

GMT 10:41 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يفقد أرنولد أسبوعين ويلحق بموقعة ريال مدريد

GMT 11:11 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هاني سلامة وياسمين رئيس يجتمعان مجددا بعد غياب 12 عاما

GMT 13:36 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمازون تؤكد تعرض بيانات موظفيها للاختراق من جهة خارجية

GMT 13:40 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تطلق قمرا صطناعيا جديدا لرصد انبعاثات غاز الميثان

GMT 17:33 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل شخصين في الغارة الإسرائيلية على مدينة صور جنوبي لبنان

GMT 03:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض.. لغة قوية تنتظر التنفيذ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab