تسبب الاستعمار الفرنسي بالجزائر في تهجير أكثر من 2,5 مليون جزائري و تركهم يعيشون في فقر مدقع و هو الأمر الذي نجمت عنه قطيعة بين الإنسان و الأرض، حسب ما كشف عنه الكاتب و الصحفي سليمان زغيدور خلال ندوة عقدها بالمركز الثقافي الإسلامي أحمد حماني بجيجل.
ولدى تنشيطه ندوة حول "تاريخ الجزائر بين المقاومات الشعبية إلى الثورة التحريرية: جيجل في قلب الملحمة" أمس السبت انتقد السيد زغيدور رئيس تحرير بالقناة التلفزيونية "تي في 5 موند" عمليات تهجير الجزائريين القاطنين بالمناطق الريفية الجزائرية التي تسببت في تخليهم عن الأراضي الفلاحية و حدوث اختلال في المجتمع.
واستنادا لذات المحاضر "فقد انقطع الحبل السري بين الإنسان و الأرض بشكل كلي بسبب عملية التهجير" التي قامت بها القوات الاستعمارية إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر و أضحت عديد الأراضي دون ملاك.
ولدى حديثه عن البلدية الريفية و الجبلية إراقن سويسي التي ينحدر منها تطرق ذات المحاضر إلى هذه المنطقة التي أصبحت معروفة بسبب مركزها الذي كان مخصصا لتجميع الجزائريين، حيث كان يتم به جمع السكان و وضعهم تحت الرقابة المشددة لجنود جيش الاحتلال.
وخلال العشرية السوداء شهدت هذه المنطقة المعروفة أيضا بسدها المائي بسعة 230 مليون متر مكعب الذي بني في نهاية الحرب التحريرية هجرة أعدادا كبيرة من سكانها نحو وجهات أخرى.
وقامت السلطات العمومية في السنوات الأخيرة بتنفيذ برنامج "طموح" من أجل تمكين السكان من العودة إلى مناطقهم الأصلية.
وردا عن تساؤل حول إمكانية إعادة تعمير مشاتي هذه المنطقة أوضح ذات المحاضر بأنه أمر ممكن شريطة أن تتوفر "إرادة سياسية حقيقية" مستشهدا بأمثلة عديد الدول التي نجحت في إعادة مواطنيها إلى مناطقهم الأصلية.
وأضاف بأنه "يتعين القيام بمرافقة ميدانية حتى يرى هذا المشروع النور"، متحدثا عن إنشاء منشآت اجتماعية و اقتصادية و تربوية من مدارس و مراكز صحية و التموين بالطاقة الكهربائية و الطرق قادرة على جعل الأشخاص الذين غادروا مشاتيهم إبان تلك الحقبة يعودون إليها مجددا إضافة إلى تأهيل الفلاحين من أجل القيام بأعمال الفلاحة لتكون متماشية مع الحداثة.
كما شدد زغيدور على ضرورة تشجير الأراضي من أجل وضع حد لانجراف التربة التي تعد إحدى الكوارث البيئية الكبرى مؤكدا بأن حجم ضياع المياه في البحر يمثل 1,5 مليار متر مكعب سنويا قبل أن يتأسف على عدم وجود منشآت لتخزين هذا السائل الثمين.
واعتبر ذات المحاضر ابن بلدية إراقن سويسي في تحليل اجتماعي للمجتمع الجزائري بأنه يتعين "تجاوز الذهنية القروية التي خلفها الاستعمار".
واستنادا لذات المحاضر فقد أصبحت المدن في إطار العملية التي يطلق عليها "إعادة التعمير" مشاتي مشيدة بالخرسانة المسلحة و دواوير، حيث أن أفضل الأراضي الفلاحية ذات المؤهلات و المردود الكبيرين غزتها الخرسانة المسلحة حسب ما قاله ذات المتحدث.
وخلال تلك الندوة التي نظمتها الجمعية المحلية "أمجاد" للتاريخ و التراث لولاية جيجل تحدث السيد زغيدور مطولا في رده عن بعض التساؤلات عن القضايا المتعلقة بالوضع الراهن عبر العالم.
وشكل دور وسائل الإعلام العربية و الغربية في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أهم محور في مناقشات المحاضر مع الحضور الذي ضم على وجه الخصوص مثقفين و جامعيين.
ويعد سليمان زغيدور باحثا منتسبا لمعهد العلاقات الدولية الإستراتيجية بباريس (فرنسا) مهتم بقضايا الشرق الأوسط (الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني و المنافسات بين تركيا و إيران و المملكة العربية السعودية و الخلاف بين الشيعة و السنة) والكنائس العربية و الأصولية الدينية بروسيا و آسيا الوسطى (الإسلام بروسيا نفسها و بجمهورية القوقاز "جورجيا و أوسيتيا" و بالجمهوريات المسلمة بالإتحاد السوفياتي سابقا) وبأمريكا اللاتينية (الرعايا العرب بالبرازيل و الأرجنتين و الشيلي و كولومبيا).
وباعتباره محقق قضى 25 سنة بين أمريكا اللاتينية و الشرق الأوسط و روسيا و آسيا الوسطى كما تعاون مع صحيفة لوموند و لونوفال أوبسيرفاتور و تيليراما وجيو فيما يعمل في الوقت الحالي كرئيس تحرير بقناة تي في 5-موند و باعتباره أيضا كاتب مقالات قام بتحرير عدة كتب لاسيما "الحياة اليومية بمكة من عصر النبي محمد عليه الصلاة و السلام إلى يومنا هذا" الذي تم ترجمته إلى اللغات اليونانية و الإيطالية و الروسية فيما قام مؤخرا بكتابة "الجزائر بالألوان صور من 1954-1962".
وهي الكتب التي نال عنها عدة جوائز من بينها الحمامة الذهبية للسلام (روما 1996-جائزة بادر إليها ألبيرتو مورافيا) و جائزة كليو للتاريخ (1990) و جائزة فرنسا المتوسطية (1982).
كما يقوم بتنشيط ملتقيات حول الجغرافيا السياسية للديانات بمجمع مونتون (باريس) و أخرى حول الرعايا العرب بمجمع بواتيي (باريس) و يشرف على تكوين الصحفيين بجامعة السوربون في نويي-سور-سين. وهو أيضا منشط حصة حول الجغرافيا السياسية للأديان على قناة تي في 5-موند و هو أيضا خبير لدى لجنة تحالف الحضارات التي تم إنشاؤها برعاية الأمم المتحدة.
أرسل تعليقك