تزداد في الفترة الحالية التعديات على الغابات والأحراج والمحميات في محافظة حماة بقصد الاحتطاب في ظل نقص المشتقات النفطية والانقطاع المستمر في التيار الكهربائي نتيجة الأوضاع الراهنة والحاجة الماسة لتأمين وسائل التدفئة ولا سيما مع بدء فصل الشتاء ما يترك آثارا بيئية واقتصادية خطيرة على الثروة الحراجية.
ولعل غابات وأحراج الغاب ومصياف في حماة من أكثر المناطق التي تشهد استنزافاً حاداً في ثروتها الحراجية ما استدعى استنفار فعاليات المجتمع المحلي والأهلي والمبادرة تطوعاً لمساعدة الجهات المعنية في حماية الأشجار ونشر الوعي البيئي والتنبيه إلى مخاطر الاحتطاب فيها باعتبارها احد أهم عوامل التنوع الحيوي وموئلاً طبيعياً للكثير من أنواع الحيوانات والطيور والزواحف والنباتات البرية ونقطة جذب سياحي فضلا عن مساهمتها في تلطيف الجو وتحسين المظهر الحضاري والجمالي للبيئة.
وكان قانون الحراج الصادر بالمرسوم رقم 25 لعام 2007 اضافة إلى قانون الضابطة الحراجية رقم 4 لعام 2006 أعطى الصلاحية للضابطة الحراجية كقوة تنفيذية تتمتع بصلاحيات الضابطة العدلية والضابطة المانعة ومهمتها حماية أحراج الدولة والخاصة والحيلولة دون وقوع التعديات عليها وقمع كل نوع من أنواع المخالفات الحراجية من قطع وحرق وغيرها.
وشهدت التعديات على الغابات مستويات قياسية بحسب ما يقول رئيس قسم الموارد الطبيعية في مديرية زراعة حماة المهندس موفق السباهي لسانا جراء الظروف الراهنة وارتفاع أسعار المحروقات وفقدانها في كثير من الأحيان الأمر الذي دفع كثيراً من سكان المناطق والقرى الواقعة بجوار هذه الغابات والاحراج للاعتداء عليها والاحتطاب الجائر من اغصانها وجذوعها وتهديدها بشكل مباشر وملحوظ.
ويعزو السباهي ارتفاع نسبة التعديات على غابات وأحراج منطقة مصياف قياساً بالغابات الواقعة في حماة وسلمية إلى أسباب أهمها قرب التجمعات والبيوت السكنية من أماكن الغابات أو وقوعها ضمن حرمها الأمر الذي سهل على الأهالي ارتكاب مخالفات بحق الغابات فضلاً عن أن منطقة مصياف منطقة جبلية عالية وتشتهر ببرودة طقسها.
ويؤكد السباهي أنه تم اتخاذ إجراءات وتدابير وقائية لمنع دخول المخالفين مع آلياتهم إلى الإحراج كقطع الطرق الحراجية بشكل مؤقت خلال فصل الشتاء إضافة إلى تعزيز إجراءات حماية الغابات والأحراج ضد أي تعديات والسماح للأهالي الراغبين في الحصول على بعض الأحطاب الناتجة عن أعمال التقليم بما يسهم في تأمين جانب من احتياجاتهم من الحطب وإطلاق حملة توعوية تعريفية بأهمية وقيمة الغابات.
وبهدف كبح جماح التعديات وصون الغابات والحفاظ عليها يكشف السباهي أنه تم خلال الفترة السابقة تنظيم أكثر من 330 ضبطاً حراجيا يتعلق بالتعديات على الغابات مع حجز عدد من المركبات التي تم ضبطها في حرمها محملة بكميات من أغصان الأشجار مبينا أن معظم التعديات تطال الحراج الطبيعية في حين أن الحراج الاصطناعية كان نصيبها من التعديات أقل مشيرا إلى أن حدة المشكلة تزداد في حال استهداف أشجار الصنوبر والسرو التي تستغرق وقتاً طويلاً في نمو أغصانها وتعويض ما فقدته من جذوع واغصان بينما أشجار السنديان والبلوط والقطلب لديها القدرة على النمو والتجدد أكثر.
وتشير الدراسات البيولوجية والتاريخية والجغرافية إلى أن غابات سورية كانت تغطي نحو 47 بالمئة من مساحتها إلا أن نشاطات الإنسان المتنوعة أدت إلى تدهور وتراجع الثروة الحراجية فضلا عن حرائق الغابات سواء الطبيعية أو المفتعلة.
من جهته يؤكد المهندس غازي العزي مدير الهيئة العامة لإدارة وتطوير منطقة الغاب أن الثروة الحراجية الوطنية في المنطقة تتعرض في هذه الظروف التي تمر بها سورية إلى مختلف أشكال التعديات من قطع وحرق وكسر للأشجار بفعل أشخاص يستغلون الأزمة تحت ذريعة نقص المحروقات بغرض التدفئة.
ويوضح العزي أن مديرية الموارد الطبيعية في الهيئة تعمل بكامل طاقتها للتصدي لهذه المخالفات والتجاوزات ضمن الإمكانيات المتاحة معتبراً أن حجم هذه التعديات يفوق طاقة عناصر الحراج في السيطرة على هذه الظاهرة السلبية وخاصة مع ظروف الأزمة التي تمر بها سورية.
وتقوم مديرية الموارد الطبيعية بعمليات تقليم وقص تحسيني وتجميلي لهذه الغابات والأحراج وبيع الناتج من أحطابها إلى الأسر الأكثر حاجة وبأسعار تقل عن مثيلاتها في السوق وحسب العزي فإن كمية الأحطاب التي تم بيعها هذا العام بلغت 600 طن كما أنها تقوم بتفحيم جزء منها وبيعه للمواطنين كفحم طبيعي حراجي موضحا أن إنتاج هذا العام من الفحم الطبيعي كان نحو 15 طناً وذلك كإجراء أولي للحد من هذه التعديات.
ويوضح العزي أن المديرية تعمل على إعادة تأهيل الغابات والأحراج المحروقة وتوسيع عمليات التحريج الصناعي فيها إضافة لتفعيل نشاط شعبة الإرشاد الحراجي في نشر الوعي لدى المواطنين بمختلف شرائحهم من جمعيات فلاحية وطلاب مدارس ومعلمين ومنظمات شعبية إضافة للندوات واللقاءات الدورية للتركيز على قيمة وأهمية هذه الثروة الوطنية والتعاون في ضبط التجاوزات والتعديات المرتكبة بحقها ومصادرة الآليات التي يتم ضبطها المحملة بأغصان أشجار الغابات.
ويدعو العزي إلى تضافر جهود جميع الجهات العامة والأهلية سعياً وراء المحافظة على هذه الثروة الحراجية لما تمثله من قيمة اقتصادية وبيئية واجتماعية وتراثية وحضارية تعود بالنفع على كافة أفراد المجتمع.
وتبقى أسعار وقود التدفئة المرتفعة وشحها أو فقدانها في كثير من الأحيان أهم أسباب التحطيب الجائر وهي ما تدفع المواطنين إلى الاحتطاب من الغابات رغم المخاطر التي تواجههم بهذا الخصوص جراء ضبوط ومخالفات الحراج في بعض الأحيان بحسب المواطن ابراهيم من منطقة الغاب.
ويعتبر ابراهيم أن تأمين المشتقات النفطية له ولغيره من المواطنين وبأسعار مناسبة لهم أحد أهم عوامل صون الغابات وحمايتها من التعديات
أرسل تعليقك