ملايين المستمعين والمشاهدين للأغنيات المصورة الخاصة بالمطرب المغربي سعد لمجرد الذي يبلغ من العمر 30 عاما، هي أبرز الأحداث الموسيقية في الوطن العربي في الفترة الأخيرة، خاصة الفيديو الأخير لأغنية "لمعلم"، الذي يقترب من كسر حاجز الـ40 مليون مستمع منذ طرحه 2 مايو الماضي، ولا يعتبر ذلك الرقم نادر الحدوث في عالم "يوتيوب" أو في سوق الغناء العربي، ولكن لاعتبارات عديدة استطاع لمجرد أن يحقق شعبية حقيقية في فترة وجيزة في أكثر من منطقة وفئات جماهيرية متنوعة، وهي المعادلة الأصعب من أرقام يوتيوب.
بداية؛ قبل بحث الجوانب المميزة لأسلوب سعد الغنائي، الذي جعله يحتل مراتب متقدمة وسط نجوم "البوب"، فإن نشأته وتربيته ساهمت بشكل كبير في نضج رؤيته الموسيقية، فهو نشأ وسط عائلة فنية، فوالده المطرب المغربي البشير عبده، الذي يصنف ضمن جيل الكلاسيكيين والمحافظين في الأغنية المغربية، لذلك تعلم لمجرد العزف والموسيقى في سن صغيرة، قبل تقديم عدة أعمال مسرحية بتأثير من والدته الممثلة نزهة الركراكي، وقبل أيضا أن يوقف نشاطه الفني خلال رحلة عمله في أمريكا.
في الولايات المتحدة رغب لمجرد في استكمال دراسته الموسيقية، ولكن شاءت الظروف أن يعمل بمجال "الصباغة" والدهانات والديكور أيضا، ليعود بدون أية منفعة موسيقية، سوى سبب العودة وهو الاشتراك في برنامج "سوبر ستار" عام 2007، والذي يعتبر بداية المجرد في احتراف الغناء بشكل أساسي، وتركزت اهتماماته في هذه الفترة بالأعمال التراثية المغربية والعربية، وظهور إمكانياته الصوتية والطربية في ذلك اللون، حتى أنه ادى أكثر من أغنية لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، حتى خرج محتلًا المركز الثاني في البرنامج.
في 2009 كان لمجرد وقتها لازال يدقق على "القاف" مثل المغاربة في أغنية "واعديني" أول أغنياته الموجهة لجمهوره المحلي، ووجود جمل مفهومة – خارج المغرب- قصيرة مثل "واعديني لا تفارقيني.. وتخليني"، والتي لم تلقً النجاح والانتشار الكافي، وانتجت بجهود ذاتية مع صديقه المخرج الأمريكي موزيكو ويند، تمهيدا لإطلاق أول ألبوماته "لا عليك" في 2013.
أول محاولات سعد في مغازلة جمهور غير الجمهور المغربي، بدأت باستيعابه حركة تطور الموسيقى في العالم، وازدهار الموسيقى الإليكترونية، والتي حتى الآن لا زالت تتطور وتنتشر عما سبق، بلقائه بالملحن والموزع جلال الحمداوي، الذي نفذ معه أكثر من أغنية في ذلك الاتجاه، خاصة في ألبومه الوحيد "لا عليك"، بالإضافة لكونه صاحب فكرة وألحان وكلمات وموسيقى "لمعلم"، وعدد آخر من الأغنيات.
في الالبوم قدم لمجرد عدة ألوان موسيقية تخاطب فئات وثقافات عربية، مع المحافظة على عنصرين ثابتين، وهما الحداثة والاعتماد بشكل كلي على الموسيقى الإليكترونية واللهجة المغربية التي تعتبر كلمة السر في كاريزما سعد لمجرد، وتركزت اهتماماته على الجمهور الخليجي أولا، ومن بعده المغربي، فمثلا قدم بـ"ستايل" الخليجي أغنيته "مالو حبيبي مالو"، و"ساليناسالينا"وهم أكثر أغنيات الألبوم انتشارا، والذين يعتبروا بداية تخليه عن المحلية المفرطة، ورغم تمسكه باللهجة المغربية، إلا أن ميله إلى الخليجية واضحًا، مقارنة بإضافاته من الفلكلور المغربي، مثل أغنيات "واعديني"، و" كتناديني"، و"جيت في بالي".
وبسبب ذلك جاء الألبوم متنوعا، وأظهر حرص لمجرد على توفير جميع الأذواق "الشبابية"، فمثلا طرح نسختين من أغنية "وانا مالي"، بواحدة "club music"، بجانب الروح اللاتينية في أغنية "الشمعة".
بعد الألبوم، أصبح الطريق ممهدًا لمجرد لتحقيق "مليونياته"، بثنائية "انتي باغية واحد" و"مال حبيبي مالو"، فحققت الأولى ما يقارب 50 مليون مستمع، بينما الثانية تخطت الـ70 مليون، قبل قنبلة "لمعلم"، التي من المتوقع أن تحصد انتشارًا أكبر في الأيام القادمة.
أسباب تفوق المعلم
يقول لمجرد إنه صنع معظم كليباته وأغنياته بأقل التكاليف وأن العبرة في المجهود، وهو ما ظهر في أول أعماله، لذلك ابتعدت عنه تهمة "الأرقام الوهمية"، فعامل الدهانات السابق، لا تقف جهات كبيرة وراءه حتى الآن، ولكن تجربته الجديدة، يوجد بها ثراء كافِ لجعلها مفيدة ومحركة لماء "البوب" العربي الراكدة، أولها اهتمامه بعنصر الأغنية الأساسي "الموسيقى"، ومواكبة احتياجات الجمهور، وكذلك اهتمامه بعناصر "الشو" في أعماله، بالنظر إلى كليباته، والعناية بتصميم الرقصات الخاصة، والملابس، مثل البدلة التي صممها خصيصا للكليب ومستوحاة من "الكوفية الفلسطينية الشهيرة"، واختيار الموديلز بشكل غير تقليدي، مثل اختياره للفتاة "سليمة" في كليب "ماله حبيبي".
من أسباب نجاح لمجرد أيضًا مراعاته لوحدة العمل، خاصة في كليب "لمعلم" من اختيار موقع التصوير، والألوان في خدمة كلمات الأغنية البسيطة، والتي قد تبدو قبل غناءها ركيكة وساذجة، ولكنه عمل ربيعي متكامل، بالإضافة إلى ذكائه الفني المكون لـ"كاريزمته"، والذي تمثل في اختيار ايقاعات وكلمات تتماشى مع معظم اللهجات العربية حتى وإن كانت في الأصل مغربية.
آخر دروس سعد لمجرد، هي أهمية دراية الفنان بالفئات الجماهيرية الموجه لها المنتج الفني، ومناطق انتشاره، والدراية بعاداتهم السماعية، والتي غالبا ما أظهرت أهمية الجمهور الخليجي وموسيقاه وتفضيلاته، وهي الفئة التي أصبحت المكون الأول لجمهور البوب العربي، والاكثر تأثيرا "اقتصاديا وجماهيريا" عليه، بجانب الفئات العمرية الصغيرة والمراهقين، والذين باتوا رأس مال سعد لمجرد أكثر من ملايين "يوتيوب".
أرسل تعليقك