تبقى الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990) بعد مرور 24 عاما على انتهائها، مادة دسمة للسينما اللبنانية الحديثة، في ظاهرة يرى فيها صانعو الافلام والخبراء محاولة لتطهير الذاكرة الجماعية، او لتجنب تكرار التجربة السوداء في بلد يشكل مسرحا دائما للازمات السياسية والامنية.
ويقول المخرج واستاذ مادة السينما هادي زكاك إن السينما اللبنانية الجديدة التي ولدت في العام 1975 "اتخذت منحى مختلفا وارتبطت كثيرا بالحرب. في المرحلة الاولى".
ويضيف زكاك، صاحب الفيلم الوثائقي "سينما الحرب في لبنان"، ان "استمرار الحرب كموضوع سينمائي (...) يعود إلى أن اسبابها، سواء أكانت طائفية او اجتماعية او اقتصادية، لم تتغير، ولان الحرب تتكرر كل يوم على ارض الواقع ولو باسماء اخرى".
الا انه يشير الى ان "المجتمع اللبناني مل من معالجة الحرب بطريقة معينة (...) فصورة الحرب ليست فقط في بناية مثقوبة او مدمرة، ولكن في المجتمع وتركيبته. الحرب تكمن في عدم معرفة الاخر وفي الخوف منه. ما عشناه منذ 2005 هو بمثابة حرب اهلية غير معلنة".
ويشهد لبنان منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في العام 2005، انقساما حادا بين قوى معارضة للنظام السوري وأخرى مؤيدة له، زادت حدته مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا المجاورة العام 2011، وترافق أحيانا مع اضطرابات امنية متنقلة.
ويتخذ التوتر السياسي الراهن بعدا مذهبيا سنيا شيعيا، فيما يتوزع موقف القوى المسيحية الكبرى بين المعسكرين، أما الحرب الاهلية فكانت ذات بعد طائفي اسلامي مسيحي.
ويرى ان "افلام الحرب ليست مجرد عودة الى الماضي للهروب من الحاضر بل هي عودة الى الماضي لفهم الحاضر".
ومع ان الحرب اللبنانية انتهت قبل 24 عاما تقريبا، لا تزال غالبية الافلام اللبنانية من وثائقية وروائية تعالج هذا الموضوع من زوايا مختلفة.
في العام 2011 تناولت نادين لبكي في فيلم "هلأ لوين" موضوع الحرب من خلال قصة صديقات مسيحيات ومسلمات من قرية لبنانية واحدة، يتجاور فيها المسجد مع الكنيسة، يحاولن بكل الوسائل منع تجدد الحرب في قريتهن. وتسعى الصديقات بطرق مبتكرة الى ابعاد الانقسامات الدينية عن القرية، لكي يدفن أهلها خلافاتهم الطائفية ولا يحملوا السلاح مجددا بعضهم ضد بعض. وقد حاز الفيلم جائزة الجمهور في مهرجان تورنتو للفيلم وهي المكافأة الرئيسية فيه فضلا عن جوائز عالمية وعربية اخرى عدة.
ومن الافلام حول الحرب ايضا "رصاصة طايشه" للمخرج جورج هاشم الذي يتناول اجواء الخوف في بدايات الحرب من خلال قصة عائلية. وقد نال جائزة المهر للافلام العربية في مهرجان دبي العام 2010.
ويرى المخرج فيليب عرقتنجي الذي عرض له اخيرا في الصالات فيلم "ميراث" في تصريح لوكالة فرانس برس ان ثمة محاولة لدى اللبنانيين "لنكران للماضي ونكران الحرب".
ويضيف ان "فيلم +ميراث+ يتطرق الى هذا النكران، والى ضرورة ان نروي لاولادنا عن ماضينا حتى لا يتكرر".
ويرى عرقتنجي أن "تناول الحرب في الأعمال السينمائية نوع من تطهير الذات". ويضيف "من الضروري ان نسترجع الماضي ونذكر به حتى لا يتكرر، فما دام لدينا نكران ستظل لدينا افلام عن الحرب. عندما ننتهي من هذا العلاج الجماعي سنتمكن من ان نخرج من الحرب ونصور مواضيع اخرى".
ويعكس "ميراث" الذي يمتزج فيه الوثائقي بالروائي، من خلال السيرة الذاتية للمخرج تجربته مع الحرب الأهلية اللبنانية ومع الهجرة ثم العودة الى الوطن، وهي قصة كل عائلة لبنانية.
ويرى شبان لبنانيون من الذين لم يعيشوا الحرب الاهلية، ان اسباب الحرب لا تزال قائمة، مثل فيليب (23 عاما) الذي يقول "كلنا مللنا الأفلام عن الحرب، ولكننا لن نتخطى هذا الموضوع اذا توقفنا عن تصوير مثل هذه الافلام، لان الحرب موجودة في رأس كل لبناني".
والافلام عن الحرب وسيلة لتعريف جيل الشباب هذا على ماض قريب، كما تقول كريستيان ( 22 عاما)، "لم اعش الحرب اللبنانية، لذلك اتعرف على بلدي اكثر من خلال هذه الافلام".
ويتناول فيلم "شتي يا ديني" لبهيج حجيج الصادر في العام 2011 احدى تداعيات الحرب المستمرة حتى الان وهي قضية المخطوفين والمفقودين خلالها، ويعالجها من زاوية العودة الصعبة للمخطوف الى عائلته ومجتمعه.
ويقول عرقتنجي، المسيحي الذي عاش خلال الحرب في منطقة كانت خاضعة للاحزاب ذات الغالبية المسيحية، "كبرت من دون ان اعرف من هو الاخر (...)"، من هنا فيلمه "من عيون الامهات" الذي يتناول معاناة الامهات اللبنانيات خلال الحرب.
ويقول عن الفيلم الوثائقي الذي عرض العام 1992 "أردت الإنطلاق في التعرف إلى هذا الآخر من خلال التعرف الى امه، إذ من خلال ألمها كان يمكنني أن أكتشف المشترك بيني وبينها".
ويقول مدير قسم الفنون السمعية والبصرية في جامعة القديس يوسف ايلي يزبك "ثمة شباب وحتى طلاب لديهم هموم معينة متعلقة بموضوع الحرب (...) يريدون ان يفهموا من خلال السينما ماذا حصل في ايام الحرب".
الا انه يشير في المقابل الى ان "ابناء الجيل الجديد يريدون أن يضعوا الحرب خلفهم، وثمة اليوم فئة كبيرة تريد افلاما مختلفة، تتناول مواضيع اجتماعية وكوميدية وعائلية وبوليسية".
أرسل تعليقك