صدورأمكنة العقل للكاتب الراحل إدوارد سعيد
آخر تحديث GMT01:16:41
 العرب اليوم -

صدور"أمكنة العقل" للكاتب الراحل إدوارد سعيد

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - صدور"أمكنة العقل" للكاتب الراحل إدوارد سعيد

الراحل إدوارد سعيد
بيروت - العرب اليوم

صدرت هذا الشهر (23 مارس - آذار 2021) سيرة فكرية جديدة للراحل إدوارد سعيد، رائد دراسات الاستشراق الجديد، ودراسات ما بعد الكولونيالية التي صارت مبحثاً رئيسياً في الدراسات الأدبية والنقد الأدبي والدراسات الثقافية. اختار مؤلف الكتاب تيموثي برينان Timothy Brennan لكتابه الجديد عنوان «أمكنة العقل... حياة إدوارد سعيد Places of Mind… A Life of Edward Said»، جاء الكتاب في 464 صفحة، وتولت دار نشر فارار، سترواس وغيرو Farrar، Straus and Giroux نشره. وثمة طبعة أخرى من السيرة نشرتها دار بلومزبري Bloomsbury. تيموثي برينان، مؤلف الكتاب، هو أحد الطلبة السابقين لسعيد في جامعة كولومبيا التي عمل فيها أستاذاً للأدب الإنجليزي منذ عام 1963 حتى وفاته متأثراً بسرطان الدم (الليوكيميا) عام 2003. ويعمل برينان في الوقت الحاضر أستاذاً للإنسانيات (الأدب المقارن) في جامعة مينيسوتا الأميركية.

كتب برينان مقدمة وافية للكتاب، أعقبها 12 فصلاً تناول فيها المؤلف المؤثرات الفكرية الأولى التي شكلت شخصية سعيد، وكان سعيد نفسه قد أفاض في بيان هذه المؤثرات المعقدة والمشتبكة في سيرته الذاتية المنشورة تحت عنوان «خارج المكان Out of Place» التي ترجمها فواز طرابلسي إلى العربية. يتناول المؤلف بعد ذلك السيرة الأدبية والثقافية والموسيقية وسنوات التكوين الأكاديمي لإدوارد سعيد التي توجها أستاذاً في جامعة كولومبيا ونشره لكتابه الأشهر عن الاستشراق، ثم تعقب ذلك سنوات الحراك السياسي والفاعلية الشخصية في المشهد السياسي العالمي، ثم ينتهي المؤلف في رسم صورة مؤثرة للسنوات الأخيرة من حياة سعيد التي كان يسابق فيها الزمن لإنجاز بعض من مشروعاته الثقافية المتأخرة والمتراكمة.

يؤكد برينان في مقدمته للكتاب أن سعيد يظل بعد زمان طويل عقب وفاته عام 2003 شريكاً فاعلاً متخيلاً في كثير من جلسات النقاش الحقيقية، وبالنسبة لمن عرفوا سعيد عندما كان حياً فإن نقاشاته المفعمة بالحيوية والإثارة صارت شيئاً باتوا يفتقدونه مثلما يفتقدون شخص سعيد ذاته بعينيه السوداوين الداكنتين، وتعاطفه المشحون على الدوام بالقلق، وروحه المجبولة على المرح والحساسية التي تكاد تقترب من أن تكون حساسية مبالغة في إفراطها.

ترسم السيرة الجديدة صورة مشهدية للروتين اليومي لحياة سعيد خلال العشرين سنة الأخيرة من حياته، وقد جاءت هذه الصورة القائمة على روتين راكد لا سبيل إلى إبداله أو تغيير أحد عناصره مخالفة لصورة سعيد المعروفة كشخصية عامة مسكونة بحس الحركة الدائمة ودينامية التغيير المفرطة والحماسة في الدفاع عن آرائه ومتبنياته السياسية والثقافية. عاش سعيد معظم حياته الأميركية في شقة بمنطقة مانهاتن النيويوركية، اعتاد النهوض كل يوم عند الخامسة فجراً، ليعمل لمدة ساعة، ثم يمضي في عمل قدحين من الإسبريسو، واحد له، والآخر لزوجته مريم. كان سعيد هو العضو الوحيد في عائلته الذي يُسمَح له بتشغيل جهاز صنع القهوة غالي الثمن، وكان سعيد لا يستخدم في عملها إلا مياهاً معدنية خاصة (علامة Evian أو Volvic!!) ثم يعد طاولة الفطور التي تحتوي عصير برتقال وفطوراً معتبراً، وبعد الفطور ينصرفُ لعمله في الكتابة.

شغلت كتابات سعيد طيفاً فكرياً واسعاً جعلته يتفوق في اهتماماته المعرفية على معظم المثقفين الأميركيين الذي أصابوا شهرة عريضة لدى عامة الناس سواء أكانوا أميركيين أم سواهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ومع أنه عمل أستاذاً للأدب في جامعة كولومبيا معظم حياته فقد تناولت كتاباته الموسيقى، والفن، والتاريخ، والسياسة، وهذا ما جعل منه شخصية إشكالية في المشهد العام؛ فقد رفعته تيارات اليسار السياسي والأدبي إلى مستوى النجم السينمائي واحتفت به أيما احتفاء؛ أما اليمين السياسي فقد واجهه بحملات عداء، وبخاصة بعد أن أفصح عن رؤاه بشأن الكولونيالية الغربية في كتابه الأشهر عن الاستشراق (نُشِرت طبعته الأولى عام 1978). يستفيض برينان في سيرته الجديدة لسعيد في بيان تفاصيل هذه الحيثيات السياسية والأدبية.

تكمنُ فرادة السيرة الجديدة لسعيد في أنها اعتمدت مسودات كثيرة تركها سعيد بعد وفاته، وجعلها ورثته متاحة لبرينان؛ لذا قد لا تكون هذه السيرة موسومة بالجدة في كثير من التفاصيل التي جاءت بها حول سعيد، وربما تكمن الخصيصة الكبرى لها في أنها قرنت التفاصيل التي جاءت بها بوثائق معتمدة، وهذا ما يمنحها مصداقية ترقى بها لتكون أفضل سيرة فكرية كُتِبت عن سعيد، «باستثناء السيرة الذاتية التي كتبها سعيد ذاته».

أرى أن الإعلان غير المسبوق الذي قدّمه برينان في كتابه الجديد بشأن وجود مسودات غير منشورة - لروايتين وقصائد شعرية كتبها سعيد ولم ينشرها – هو الإعلان الأكثر إثارة في هذه السيرة. يؤكدُ برينان منذ البدء رؤية سعيد في أن المثقفين المتفكرين في موضوعات الثقافة في نهاية المطاف أكثر أهمية من المؤلفين (كتاب الروايات والأشعار)؛ فَهُم (المثقفون) القادرون الوحيدون على تغيير برامج العمل (الأجندات) وبالتالي تغيير العالم؛ ولأجل هذا أحجم سعيد عن نشر أعماله الروائية والشعرية فضلاً عن التكتم الشديد عليها وعدم الإفصاح بأي معلومة حولها.

الرواية الأولى مرثية Elegy تتناول ثيمات ثلاثاً، مكتوبة في 70 صفحة، تجري وقائعها في أربعينات القرن العشرين في القاهرة (التي شهدت طفولة سعيد). شرع سعيد في كتابتها عام 1957 عندما كان في الثانية والعشرين من عمره، ويرى برينان أن سعيد كان يصارعُ في هذا الرواية محاولاً إيجاد طريقة متاحة للقراء بمستطاعها توضيح موضوعة محددة، جوهرها «توجد ثقافة مستقلة هي الثقافة العربية، التي استطاعت بنجاحٍ مواجهة ثم مقاومة فرض التأثير الأجنبي على أمكنة مثل القاهرة». أما الرواية الثانية فقد شرع سعيد بكتابتها عام 1987. وهي رواية إثارة سياسية عن الخيانة تجري وقائعها في بيروت عام 1957، وقد وصفها برينان بأنها رواية مليئة بالجاسوسية، وهي تشبه إلى حد بعيد رواية جون لو كاريه، الروائي البريطاني الأشهر على مستوى العالم في ميدان رواية الجاسوسية، الذي توفي عام 2020. تناول سعيد في هذه الرواية المؤامرات السياسية التي تكتنفُ غزواً أميركياً لبيروت، والقوى المختلفة التي تلعبُ أدواراً في تلك العملية.

فيما يتعلق بالشعر يقول برينان إن شعر سعيد كان منقوعاً في المؤثرات العربية، وإن بعض قصائده المكتوبة في خمسينات (القرن العشرين) تعبرُ عن «شعور واضح مضاد للكولونيالية»، وتستكشفُ طبيعة الشعور الذي يحسه المرء عندما يكون «عالقاً بين عالمين». قصائد سعيد الأخرى تبدو غائرة في تفاصيله الشخصية إلى حد بعيد، ومنها – على سبيل المثال - القصيدة الموسومة استحالة ضئيلة Little Transformation، المنشورة للمرة الأولى في صحيفة الأوبزرفر، وقد تمحورت القصيدة على الرؤية المفاجئة في الشعور الغريب والمفعم بالخوف نحو الشخص الذي لطالما كانت لك علاقة حميمة وثقى به، وهو يعبرُ عن الشك الذي ينتابُ المرء تجاه إخلاص المرأة التي يحب.

اكتشف برينان أن سعيد كان «مسكوناً بصورة مطلقة» بشعر جيرارد مانلي هوبكنز Gerard Manley Hopkins، وأنه كان يقرأ الشعر بلا انقطاع لزوجته الثانية. يكتب برينان حول هذا: «أعتقد أن سعيد تطلع نحو الشعر. كان الشعر الذات السرية لسعيد. كانت تلك هي الذات الأكثر تدفقاً ووهناً لسعيد من الذات التي سمح للناس الآخرين برؤيتها».

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

الجائزة العالمية للرواية العربية تعلن القائمة الطويلة لعام 2021

"آي باف" تعلن سيطرة أدب المغرب العربي على ترشيحاتها

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صدورأمكنة العقل للكاتب الراحل إدوارد سعيد صدورأمكنة العقل للكاتب الراحل إدوارد سعيد



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
 العرب اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 02:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
 العرب اليوم - غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 15:16 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العلاقة بين الاكتئاب وحرارة الجسم دراسة جديدة تسلط الضوء
 العرب اليوم - العلاقة بين الاكتئاب وحرارة الجسم دراسة جديدة تسلط الضوء

GMT 01:49 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل
 العرب اليوم - نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل

GMT 01:13 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
 العرب اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك

GMT 10:59 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 08:56 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 17:12 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 31 شخصا على الأقل في هجمات إسرائيلية في قطاع غزة

GMT 03:11 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر

GMT 22:38 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.2 درجة على مقياس ريختر يضرب شمال اليونان

GMT 17:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة 32 جنديا بينهم 22 في معارك لبنان و10 في غزة خلال 24 ساعة

GMT 01:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولة الفلسطينية

GMT 09:18 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هيدي كرم تتحدث عن صعوبة تربية الأبناء

GMT 15:09 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

توتنهام يتأخر بهدف أمام أستون فيلا في الشوط الأول

GMT 11:18 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا

GMT 04:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 21:38 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هاريس تتعهد بالعمل على إنهاء الحرب في الشرق الأوسط
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab