في وقت دعا فيه مراقبون اقتصاديون لتعظيم سلاسل الإمداد في الصناعات العسكرية السعودية، تؤكد سياسات تنويع الاقتصاد السعودي التوجه لتعظيم الصادرات غير النفطية في الأسواق العالمية، في ظل المطالبة بأهمية تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتمكين نهوض أقوى في الصناعات العسكرية والبحرية وقطع الغيار.وتضع «رؤية السعودية 2030» مستهدف رفع نسبة قطاع الصناعة والتعدين في الناتج الوطني من ضمن أولويات مشروع التحول في البلاد حيث تستهدف النمو من 10 إلى 15% على أن يتجاوز 600 مليار ريال (160 مليار دولار) في 2030.
ووفق مراقبين ومختصين نما القطاع غير النفطي نمواً كبيراً خلال السنوات الثلاث الماضية نتيجة جهود تنويع القطاعات بينها القطاع الصناعي، ما أسهم في رفع إيرادات المالية العامة وتحقيق تنويع صادرات، مستفيدةً من النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في المملكة مع تقدم برامج الإصلاح وتوسيع الطاقات الاستيعابية للاقتصاد الوطني وتعزيز القدرات التنافسية.
- سلاسل الإمدادات
وقال رئيس اللجنة الصناعية والثروة المعدنية بمجلس الغرف السعودية الدكتور عبد الرحمن العبيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن المملكة عازمة على توطين الصناعات الحيوية خصوصاً الصناعات العسكرية وقطع السفن البحرية، حيث تضمنت «رؤية 2030» خطة استراتيجية متكاملة الملامح تغطي جميع الجوانب الاقتصادية تتقدمها عناصر القوة في الاقتصاد السعودي، مشيراً إلى أن أحد تلك القطاعات الحيوية هو تعزيز القدرات التنافسية لمنظومة الصناعات العسكرية.وتوقع العبيد أن تعزِّز الرؤية سلاسل الإمدادات الصناعات العسكرية، والاعتماد الوطني لبناء الأسلحة والعتاد إلى جانب الصناعات القائمة ومنها بناء السفن البحرية، لافتاً إلى الترابط بين الصناعات العسكرية والصناعات المدنية لا سيما على مستوى سلاسل الإمداد.
- تعاون القطاعين
وقال العبيد: «هناك تعاون بين القطاعين العام والخاص، لتعزيز الصناعات المحلية مع نقل التقنية وتدريب القدرات الوطنية»، مؤكداً أن ذلك سيعزز النهوض بالصناعات العسكرية والبحرية في السعوديةوزاد رئيس «اللجنة الصناعية والثروة المعدنية» بـ«غرفة الرياض» أن سلاسل الإمداد والصناعة العسكرية تعتمد على صناعات صغيرة بسيطة مساندة لتشكيل سلاسل مشاركة في تعقيدات الصناعة المختلفة، مشيراً إلى أن هناك تكاملاً مع صناعة السيارات وقطع الغيار للطائرات المدفعية.
- الطائرات والسفن
كانت السعودية قد أعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عبر وزارة الدفاع والهيئة العامة للصناعات العسكرية عن إطلاق وتوطين أول زورق اعتراضي سريع من نوع مصنِّع محلياً، بالإضافة إلى تدشين أول حوض عائم، وذلك ضمن خطة توطين الصناعات العسكرية في البلاد. وجاء التصنيع المحلي السعودي وفق أحدث المواصفات والمعايير العالمية بالشراكة بين شركة «الزامل للخدمات البحرية السعودية» وشركة «سي إم إن» الفرنسية.
وفي الشهر نفسه، أفصحت الشركة السعودية للتقنيات المتقدمة (وهج) عن حصولها على رخصة الجودة، كأول شركة سعودية تصنِّع مكونات طائرات التايفون الميكانيكية في السعودية من شركة «بي إيه إي سيستمز» التي تتخذ من لندن مقراً لها. وعدّ رئيس شركة «وهج» أيمن الحازمي، حصولهم على الرخصة، دلالة على التزام بجودة المنتجات التي يتم تصنيعها، وتعزيز توطين هذه الصناعة من خلال كوادر بشرية وطنية في الصناعات العسكرية.
- المدى البعيد
من جانبه، عدّ الاقتصادي السعودي فضل بن سعد البوعينين -تم تعيينه أخيراً عضو مجلس الشورى السعودي المشكّل حديثاً- أن سياسة تنويع مصادر الاقتصاد من أهم أهداف «رؤية 2030»، إضافة إلى رفع حجم الصادرات وتنويعها، مبيناً أنه رغم الأهمية القصوى لتلك الأهداف فإنها في حاجة إلى فترة زمنية كافية لتحقيقها.واستطرد البوعينين: «الأهداف الاستراتيجية يتم تنفيذها على المدى البعيد، غير أن بعض النتائج الإيجابية لتنويع مصادر الاقتصاد بدأت في الظهور على أرض الواقع من بينها قطاع الصناعات العسكرية وصناعة السفن بالإضافة كذلك إلى التعدين والسياحة والصناعة بشكل عام».
وشدد البوعينين في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على ضرورة النظر إلى الأهداف الاستراتيجية وفق بعدها الزمني الطويل، مبيناً أنه من المهم تتبع مراحل التنفيذ للتأكد من النتائج المستقبلية ولقياس كفاءة التنفيذ.وأضاف البوعينين: «لم يكن مستغرباً انخفاض قيمة الصادرات السلعية غير النفطية في النصف الأول من عام 2020، وهو انخفاض مرتبط بالمتغيرات الطارئة التي اجتاحت العالم... مع ذلك بلغ إجمالي قيمة صادرات المملكة غير النفطية 90.23 مليار ريال (24 مليار دولار)». واستطرد: «أعتقد أن هناك بوادر تحسن كنتيجة مباشرة لفتح الاقتصاد».وتابع البوعينين: «أؤمن باستراتيجية تنويع مصادر الاقتصاد التي سينتج عنها تعزيز الصادرات غير النفطية وفق ما رأيته من خطط وبرامج كفؤة بدأ تنفيذها بالفعل ستقود إلى تحسن كبير في حجم الصادرات غير النفطية في عام 2021 والأعوام المقبلة».
- تأثير الجائحة
وفي الإطار ذاته، أكد الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية، أن المملكة حققت نجاحات اقتصادية على الصعيدين المحلي العالمي، على مستوى تطوير وتحسين بيئة العمل، وأطلقت برامج لتنويع الاقتصاد من شأنها تعزيز الاستدامة والتنمية الاقتصادية.ولفت باعشن إلى أن السياسات الاقتصادية السعودية تحدَّت الآثار السالبة لجائحة «كورونا» على مسيرة التنويع، من حيث التسهيلات المالية لدعم القطاع الخاص، حيث بلغ إجمالي الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص لكل الأنشطة الاقتصادية خلال الربع الثاني من عام 2020 نحو 1.671 مليار ريال (426.6 مليون دولار).
وذهب باعشن إلى أن السعودية استمرت في ضخ العديد من السياسات المحسِّنة للاقتصاد العالمي من خلال رئاستها لمجموعة العشرين مستفيدةً مما حققته داخلياً من سياسات استطاعت بموجبها أن تحقق المركز الأول عالمياً في إصلاحات بيئة الأعمال بين 190 دولة ضمن مؤشر سهولة ممارسة الأعمال 2020 الصادر من البنك الدولي.وأكد أن النجاحات التي حققتها المملكة في مؤشرات شملت بدء النشاط التجاري، وحماية المستثمرين الأقلية، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار وتسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، وغيرها من المؤشرات التي من شأنها تعزيز برامج التنويع الاقتصادي وتعظيم الصادرات السعودية غير النفطية في الأسواق العالمية بما فيها الصناعات العسكرية.
قد يهمك أيضا:
"صندوق الصناديق" يبرم اتفاقية استثمار في شركات نمو بقطاع الأغذية والمشروبات
جائحة كورونا أثبتت أن الاقتصاد السعودي "مرن وصلب"
أرسل تعليقك